الصراعات العالميّة تحتفظ بطابعها السابق
} د. وفيق إبراهيم
السؤال المركزيّ هنا يتعلق بوضعية العرب ولبنان، هل هم في محور واحد؟ هل نشأت لهم مع نمو جائحة كورونا مصالح جديدة بدّدت شملهم ونثرتهم بين أكثر من محور.
أما الأسئلة الأكثر إلحاحاً فهي عن حال العالم وأوضاعه، وهل تحتفظ الاحلاف القديمة بعلاقاتها التاريخية وهل لا يزال هناك محوران كبيران اميركي روسي يجذبان خلفهما عشرات الدول الملتصقة بهما على مستوى المصالح والايديولوجيات؟
لجهة العرب فلم تفعل بهم كورونا أي جديد، فلا يزالون متأثرين ومشتتين من دون أية إصابة بالجديد الذي ضرب الارض من مشرقها الى مغربها. لعلهم يجدون انفسهم متفقين على البقاء في خانة التقاعس من التخلف والتمحور حول الاميركيين والاوروبيين.
لا بأس من التأكيد في البداية أن العالم لا يزال مشرذماً بين محورين اثنين لا ثالث لهما وهما روسيا والأميركيون.
لكن خطوط تحالفات هذين البلدين لم تتضح تماماً وفيما كان بإمكان العرب الالتحاق بالمحور السوريّ الإيراني، نرى أنهم فضلوا اللوذ بصمت مبين منتظرين النتائج السياسية لكورونا والصمت الذي يلف العالم بأسره، متقدمين خطوات نحو المحور الأميركي الأوروبي وربما تعدوه نحو بناء علاقات بـ «إسرائيل» نفسها، والمعروف ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يسلك مسلك حكام الإمارات في عقد علاقات عميقة بالكيان الصهيوني وربما لحماية نفسه من أية احتمالات أميركية لتغييره.
لذلك فإن «إسرائيل» حامية له حتى في الداخل الأميركي لأنه يؤمن مصالحها ويعدها بجزيرة عرب مفتوحة على علاقات واسعة معها وقد تسوّل له نفسه بناء علاقات نفطيّة واقتصاديّة معها لا يستطيع الأميركيون أنفسهم منعها.
فإذا ما أضفنا قطر واليمن الجنوبي الى السودان والسعودية والإمارات والمغرب، فإن هؤلاء لا يشكلون وزناً راجحاً يستطيع ترجيح كفة الكيان الصهيوني في عالم العرب.
هناك نقطة إضافية قد تشكل العقدة الأساسية للصراع العربي الصهيوني وهو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي يشكل منفرداً وزناً قوياً في مواجهة «حماس» والجهاد والمنظمات الأخرى.
للتنبيه فإن روسيا نفسها لم تعد بعيدة عن منطق محمود عباس بحل الدولتين الصهيونية والفلسطينية. اي شبه دويلة للفلسطينيين يديرها محمود عباس الى جانب دولة الكيان الصهيوني المكتملة المواصلات فتصبح أرض فلسطين تحمل «اسرائيل» مع جيب فلسطيني صغير قد ينضمذ الى الكيان الصهيوني في خاتمة المطاف، خصوصاً اذا اتضح له مدى صعوبة الظروف الاقتصادية لكيانات صغيرة لا تنتج مما تستهلك وتعيش على المساعدات.
هذه واحدة من الصراعات الدولية الأساسية التي تجنح الى السقوط في الفخ الأميركي، ماذا عن الصراع الروسي – الأميركي، هل هو باق بحدته السابقة؟
يستطيع الكرملين استنفار عشرات الدول الأوروبية والعالمية الى خانته، لكن ليس لديه ما يعنيها لأن الموازنة الروسية لا تزال خاسرة حتى اليوم.
هذا يستدعي مناوشات عالمية عميقة حتى يصل الجميع الى إعادة انتاج المحورين الدوليين القديمين، خصوصاً أن روسيا قد تدفع كثيراً من اجل هذا الهدف لأن الكثير من حلفائها الاشتراكيين أصبحوا ينتمون الى الدائرة الرأسمالية وموازناتهم خاسرة بشكل بنيوي ما يجعلهم بحاجة للمضخة الأميركية الاقتصادية التي قد تساعدهم عن طريق أحلافها الأوروبيين والخليجيين واليابانيين.
ماذا يعني هذا الكلام؟
هناك جنوح نحو المحورين العالميين الكبيرين الى محور أميركي واحد مقابل انتقال روسيا الى إعادة بناء وضعها الاقتصادي مع الاعتماد على القوة العسكرية لتأمين استمرار يسمح لها بمقاومة الأميركيين وأية قوة أخرى قد تجد في نفسها القدرة على السيطرة على موسكو. الم يسبق لنابليون وبعده الألمان ان حاولوا في القرن التاسع عشر غزو روسيا بأعتدة عسكرية متفوقة وإمكانات اقتصادية قوية جداً لكنهم هزموا وطردتهم موسكو إلى ديارهم بعد معارك طاحنة خلدها التاريخ.
بأي حال يبدو ان مسيرة المحورين مستمرة وربما بإمكانات اقل من السابق، لكن العرب لا يعرفون الا الانضباط في المعسكر الأميركي ولا تعرف السعودية مثلاً فنون تركيب التحالفات مع مصر ولا الانفتاح على سورية وإيران وذلك للعثور على حلول نهائية لإشكالاتها الاقليميّة.
هذه المطالعات لا تدعو الى التفاؤل لأنها تعطي الاميركيين مهلة ربع قرن تقريباً تتفرد فيه بشؤون العالم مع شيء من التمرد الروسي، فلا يتبقى لموسكو إلا دمشق وطهران من الحلفاء الموثوق بهم الذين يستطيعون التمرد على الأميركيين مع الاستمرار في قتالهم عبر حزب الله او بشكل مباشر في شرق الفرات وهذا يستنزف تلك التجمّعات الأميركية في سورية والعراق.
لذلك يبدو ان تركيز الروس في هذه المرحلة قد يتركز على دعم الحشد الشعبي في العراق والجيش السوري في الشرق والحدود وحزب الله في لبنان كآليات مختبرة تستطيع منازلة الأميركيين ومقاومة الإسرائيليين، وهذا يؤكد أن روسيا ذاهبة ايضاً نحو دعم حماس في فلسطين المحتلة انما على اساس حل الدولتين.
ما يؤدي إلى استيلاد محور قد لا يكون ذائع الصيت لكنه لا بد أن يتمتع بحركية عسكرية واجتماعية واقتصادية قوية جداً.
العالم الى اين؟
لن تترك الصين روسيا تتفرّد وحدها في ميدان الصراع مع الأميركيين لأنها تعرف ان رعاة البقر لن يتركوها وأنها هدف اقتصادي وسياسي لهم في كل مكان، لذلك فإن الحلف الروسي – الصيني الإيراني السوري بوسعه منازلة الأميركيين مع وضع حد لهم في ميدان القتال.