قمة «البحث» بين بايدن وبوتين
} سماهر الخطيب
كثرت التكهنات وتزايدت التوقعات حول نتائج القمة التي ضبطت عقارب الساعة على توقيتها أمس، ما بين زعيمين يسعى كل منهما لتحصيل مكاسب تمكّنه من صرف فاتورتها في المجتمع الدولي..
ورغم كل ما تمّ التطرق إليه قبل انعقاد تلك القمة من تحليلات إلا أنّ مجرّد انعقادها يعتبر انتصاراً لكل منهما. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لخلق مكانة روسية على الساحة العالمية لا يستثنى فعلها ومفعولها إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ أحد أهم محركات سياسته الخارجية هو الشعور بضرورة إعادة بلاده إلى المكانة التي تستحقها في العالم ويساهم مثل هذا الحدث في تحقيق هدفه، لذا فإن القمة بحد ذاتها انتصار..
فيما يسعى نظيره الأميركي جو بايدن إلى خلق حالة «بايدينية» جديدة على الساحة الأميركية الداخلية قبل العالمية لا يستثنى فاعلها في تأطير الداخل الأميركي بعد أن تضعضع البيت الأميركي وسط ما مرّ عليه من سياسات ترامبية متناقضة انعكست سلباً على الشعب الأميركي ناهيك عن كون المنافس الأبرز اليوم هو الصين ومواجهتها ضرورة. فالهدف لدى بايدن مختلف، نوعاً ما، وهو وضع روسيا في «صندوق» ووضع الصندوق على الرفّ، لأن لديه مشاكل أخرى..، ما يعني أنّ رسالة بايدن في القمة بسيطة مفادها «طالما أنكم لا تفعلون شيئاً يستفز بلادي، فلديّ ما هو أهم الآن في الداخل وفي أقصى الشرق».
كما أنه كان من المهم أن يجتمعا خلف الأبواب المغلقة، فبايدن وبوتين، يعرفان بعضهما البعض جيداً. وهما قادران على توضيح كل شيء لبعضهما البعض وسوف يساعد ذلك على تهدئة «اللعبة» الدولية بين البلدين.
وبالتالي فإنّ كلا الرئيسين بصرف النظر عما يحملانه في حقائبهما من ملفات إلا أنّ النصر حليفهما بمجرد لقائهما، حيث يطفو الملف الأبرز على جميع الملفات وهو قدرة كل منهما على تحقيق رؤيته التي جاء بها والتي حكماً تحققت مع وصول كل منهما إلى فيلا «لا غرانج» في العاصمة السويسرية جنيف، ومصافحة كل منهما الآخر..
وبعيداً عن الأوهام، ورفع سقف التوقعات نحو حدوث اختراقات فوريّة، فإن السيناريوات المحتملة هي للحلول الوسط التي يمكن أن يتوصّل إليها الزعيمان هي السيناريو الأصح والذي يعنون بـ»اتفقنا على بحث..»، أي وضعت كل الملفات التي حملها كل منهما في حقيبته وضعت في حقبة واحدة حملت عنوان «البحث»!
فالرئيسان بحثا الاستقرار الاستراتيجي والنزاعات الإقليمية ورغم أن أغلب الهجمات السيبرانية في العالم تنفذ من داخل الولايات المتحدة، فإنها لم ترد على طلبات توضيح وجهتها روسيا بشأن الهجمات السيبرانية إلا أن القمة أسفرت عن اتفاق للبدء بمشاورات حول قضية تلك الهجمات..
وتوصل الرئيسان في قمة الـ»ب – ب» إلى تهدئة التوتر الدبلوماسي بين البلدين حيث اتفقا على إعادة السفيرين الروسي والأميركي لمكان عملهما قريباً كما اتفقا على بدء مشاورات بين وزارتي الخارجية الروسية والأميركية حول كل اتجاهات التعاون وأبدى الجانبان رغبة في إيجاد سبل لتقريب المواقف.
فيما بدا الجانب الأميركي مصمّماً على إيجاد حلول للقضايا العالقة مع عدم ملاحظة أي عدائية خلال القمة حيث تبنى الرئيسان في نهاية القمة إعلاناً مشتركاً حول الاستقرار الاستراتيجي ما يؤكد أن «ما حمله بوتين في جعبته قد سجله بايدن في قصاصة ورق وضعها في جيبه»! وليس المقصود في هذه الجملة حرفيتها إنما فحواها بأنّ كلاً منهما توصل لمراده عبر هذه القمة التي ستسجل مواقف جديدة تترجم مع الوقت لتنسحب على جميع الملفات الشائكة وذات الاهتمام المشترك بينهما.
وبما أنّ بايدن على عكس سلفه بزيادة واقعيته فإنه يعي جيداً أن العالم اليوم يعيش مخاض التعددية القطبية، وما يؤكد ضرورة أن يسير في خطى متزنة بعيدة عن ألغام القطب الواحد التي باتت تصعق كل من يحاول القول بها ولربما بايدن اليوم بحاجة لبوتين أكثر مما مضى في إدارة معظم الملفات الشائكة في الشرق الأوسط والأقصى، بعد أن أثبت بوتين نجاعته في إيجاد توازن في المنطقة بين الأحلاف والأضداد وهو ما لم تستطع أميركا القيام به طوال فترة تربعها على رأس الهرم العالمي وللأيام حكم يترجم خلالها «البحث» الذي تم في القمة إلى أحداث سنعيش خلالها بعض التجاذبات في منطقتنا، إنما لن تزيد عن فترة وجيزة تشهد خلالها ولادة نظام عالمي جديد الكل يأخذ مكانه فيه..