هل هناك تهديد صينيّ فعليّ للنظام العالميّ؟
} د.وفيق إبراهيم
السؤال الذي يجب البحث عن إجابة عليه هو هل هناك فعلاً نظام عالميّ جديد تستفيد منه الأمم بشتى تنوّعاتها وجغرافيّاتها المتعثرة؟
ويردُ الجواب كصاروخ مرعب معلناً عن تشكل تاريخي لمحور أطلق عليه المعنيّون به النظام العالمي الجديد منذ السبعينيات في القرن العشرين.
لكنه لم يفعل أكثر من تجسيد الهيمنة الأميركية على العالم بقبضات حديدية الى جانب تحفز روسي قليل الشأن بين شبكة تحالفات من ثلاثة انواع من الدول الشيوعية المرتبطة عقائدياً بروسيا الشيوعية ثانياً البلدان الاشتراكية الطامحة الى الاستفادة من العداء الروسي الأميركي، اما الثالثة فهي البلدان صاحبة الازمات المتنوعة اقتصادياً وسياسياً وجيوبوليتيكياً مع الأميركيين، منهم على سبيل المثال لا الحصر عبد الناصر وتحالفاته في الدول العربية الاشتراكية او في اطار حلف باندونغ العالمي للدول المستقلة.
هذا التقسيم انتهى بسبب عجز روسيا عن الاستمرار في تلبية هذا النوع من الدول بالإضافة الى الضعف الاقتصادي الذي اصاب موسكو في الصميم يقدره الخبراء بنصف قرن ونيّف على الاقل، ترك مجالاً فسيحاً لتطور صيني أخذ جانب فقراء العالم فتصبح السلع الرخيصة تشمل كامل استهلاكهم من «العلكة» الى مجمل المواد الاستهلاكية المندرجة في اطار المعلبات والسلع ومواد التنظيف.
هذه المدة كانت كافية لتثير قلق العرب عموماً والأميركيين خصوصاً، فهناك تنين أصفر خرج من قمقم التخلف يستقر في الأسواق العالمية الشعبية حتى في الولايات المتحدة وأميركا وكندا واسواق الخليج.
وبذكاء مفرط في تفهّمه للصراع العالمي ابتعد الصينيون عن التطور العمودي في صناعة السلاح مكتفين بما يلزم منه للدفاع عن انفسهم مضافاً اليه مصلحة روسيا في منع الآخرين من التحرّش بالصين.
فأصبح هناك اميركا ومعظم العالم في وجه روسيا والصين والبلدان المتمرّدة على النمط الغربي الاستهلاكي وهي قليلة أصلاً.
لكن هذا التطور الأصفر لم يؤدِ الى اثارة ذعر غربي كبير فيما ظلت روسيا الحائل دون اي نزال عسكري بين الغرب والصين. وهذا سمح لهذا التنين الصيني بأن يقف على بعد أقل من عقد اقتصادي عن المكانة الاقتصادية الغربية، لكنه دفع روسيا بدوره الى خانة الدول المتخلّفة بعجز ملحوظ في موازنتها فأصبح الكلام يدور حول مدى قدرة الأميركيين على خنق هذا التقدم الصيني، لا بأس هنا من الإشارة الى ان مدة السنين العشر الفارق الزمني في التطور الاقتصادي بين أميركا والصين ليست كبيرة على فوارق تبدو بوضوح لمصلحة الصين وتتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي للبلدين.
تكفي هنا الإشارة الى ان الاستهلاك الأميركي يساوي بقيمته اثنتي عشرة الاستهلاك الصيني، واذا كان العامل الصيني يتقاضى شهرياً مئتي دولار فإن الحد الأدنى للأجور الاميركية تصل الى 3500 دولار مرة واحدة. وهذا له تفسيره في ارتفاع الرواتب وأكلاف الحياة الأميركية ومجمل النظام الغربي العام القائم على الإنفاق والاستهلاك.
لا يمكن إذاً اعتبار المقارنة بين النموذجين اساساً صحياً للحكم على الأكثر تقدماً، لكن النموذج الصيني المعتاد على التقشف يهيئ شعبه لقيادة العالم ببطون مشدودة ويستعدّ لدخول صناعة السلاح بعقلية مكافحة مسبقة للغرب.
هذه الوضعيّة تدفع بقمة السبعة الغربية أي أميركا وأوروبا وحلفائهما للبحث عن وسائل لتفريغ البطون الصينيّة مما تحمله من هواء قاتل، وهذا ينعكس على الاوضاع الروسية فتستقر في إطار ضعيف بموازنات خاسرة دائماً أي ممنوع على التنين الأصفر حبك أحلاف فيها روسيا وإيران وبلدان أخرى، كما يجب أن يعاود الاقتصاد الغربي تنظيم أوضاعه للقضاء على المنافسين.
لا بأس هنا من الإشارة الى ان الغرب هو الذي منع العراق من إقامة علاقات اقتصادية مع الصين وفعل الأمر نفسه مع «اسرائيل»، وهو يمارس مثل هذا الأمر مع الكثير من البلدان، إنما من دون إعلانات إعلامية تسيء الى سمعة الاقتصادات الغربية.
فهل يسمح الأميركيون مثلاً لدول شبه جزيرة العرب بالتعاون مع الصين؟ هناك معلومات تؤكد ان محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حمى نفسه من التهديدات الأميركية بإزاحته من منصبه بعد اغتياله لسعودي في سفارة بلاده في اسطمبول، حمى نفسه بالتوقف عن الانفتاح على الصين، وها هي دولة الإمارات تنفتح على «اسرائيل» ولا تقترب من التنين الاصفر، يبدو اذاً ان هناك عشرات الدول الممنوعة من التوغل في الاقتصاد الصيني فهل ينجح الحظر الغربي؟ يبدو أنه صعب التطبيق لان الحلف الثلاثي قيد التكوّن الصين – روسيا – إيران يمتلك أسناناً عسكرية حادة تجعل من الصعب تأديبه عسكرياً.
اما النقاط الأخرى فتتعلق بارتفاع اكلاف الحياة والازمات الاقتصادية العالمية وحاجة البلدان الى التطور الاقتصادي من طريق الاكتساب من الصين كما ان ارتفاع أسعار السلع الغربية هي من العوامل التي تؤسس لارتفاع حمّى الصراع الاقتصادي مع التنين الأصفر.
لكن انتقال المنافسة الى المسائل العسكرية مسألة غير ممكنة، وهذا يعطي نتيجة حتمية وهي ان المنافسة الاقتصادية العالمية قد تؤدي الى رخص الأسعار لكن الغرب يتجه للسيطرة على المواد الاولية في العالم ورفع أسعارها بما يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع الصينية.
هذه واحدة من أشكال التنافس الذي لن يرتقي الى المستوى العسكري، لكنه قد يؤدي إلى إحراق أسواق المواد الأولية برفع متعمّد للأسعار، علماً ان روسيا لا تكن وداً كبيراً لصين كثيرة التطور اقتصادياً لا تشاركها في الأرباح.