أيها الناس… لكم القرار والخيار والكلمة الفصل لا تراهنوا على من أفقركم وجوّعكم وأوقفكم في طوابير الذلّ
} علي بدر الدين
يُحكى أنّ أسد الغابة، دعا ذئباً وثعلباً إلى عقد حلف مشترك، من أجل تقاسم الحكم معهما، وتحويل الغابة من مملكة إلى جمهورية، وتوزيع السلطات الثلاث الأولى في الغابة بينهم. وسألهما الأسد، ماذا تقترحان لتوزيع المناصب؟ فأجاب الذئب، أقترح تشكيل مجلس رئاسي مداورة، والرئاسة الأولى تكون لمولانا الأسد، لكن هذا الإقتراح لم يعجب الأسد وغضب من الذئب وضربه ضربة قاتلة و»جاب أجله»، ثم استدار إلى الثعلب وسأله، ماذا تقترح؟ فأجابه وهو يرتجف خوفاً من أن يكون مصيره كمصير الذئب شريكه في الحلف، الحكمة تقتضي يا مولاي، ان تكون الرئاسة لكم مدى الحياة، ومن بعدكم أطال عمركم لمولاتي اللبوة، ومن بعدها لشبلكم النبيل. فردّ الأسد ونعم الاقتراح السديد والحكيم، وسأله، من أين تعلمت الحكمة أيها الثعلب الماكر؟ أجابه من دون تردّد، من حواركم الديمقراطي الوطني بامتياز مع الذئب المارق المتمرّد، الذي طالته عدالتكم بعد ثبوت تمرّده وخيانته وخروجه عن طاعتكم وطمعه بالحكم.
هذا ما تفعله تماماً الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، التي تسلّمت زمام الحكم في لبنان، منذ تكوّن النظام السياسي الطائفي والمذهبي التحاصصي، أقله منذ أن وهبت الدول الأجنبية المنتدبة والمحتلة، بالاتفاق مع حكام عرب متواطئين، لبنان استقلاله في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، ولا تزال قابضة على الحكم وإدارة نظامه الجمهوري بعقلية التوريث، كأنها ورثته حصراً لها من دون غيرها، وتحمّلت المسؤولية بـ «أمانة» غير معهودة وغير مسبوقة، والأكثر «حرصاً» والتزاماً بحفظ أمانة الأسلاف.
كانت الطبقة السياسية والمالية الحالية، خاضت الحروب الطائفية والمذهبية والسياسية وجعلت منها «حصان طروادة» لاحتلال الجمهورية، ومصادرة الدولة ومؤسساتها، وإغراق الشعب بكلّ طوائفه ومذاهبه ومناطقه بصراعات دموية، دارت رحاها بين المناطق وفي الأزقة والأحياء، أدّت الى التقسيم والقتل والتشريد والتهجير، وتحويلها من خلال التعبئة والتحريض وعناوين وشعارات الاختلاف الديني والحضاري إلى فتن متنقلة، جعلت منها قنابل موقوتة قابلة للانفجار غب الطلب، وعلى توقيث الحكام الجدد، الذين ورثوا كلّ ما تركه أسلافهم من الحكام المتسلطين والمستبدّين الظالمين، وقد ضمنوا بعد خراب البلد، وتمزيق الشعب وتمترسه خلف الأحقاد والكراهية والخوف من بعضهم البعض، دخولهم جنة الحكم، بعد أن نجحوا في تدجين الشعب، وتحويله إلى دمى متحركة تختبئ خلف من ادّعى أنه يشكل المظلة والحماية لها والحفاظ على امتيازات كانت مطوّبة لها وتتنعّم فيها، أو الوعد باسترداد الحقوق لفئات كانت مهمّشة وخارج المعادلة السلطوية والاجتماعية والوظيفية.
نجح هؤلاء الحكام، الذين بنوا أمجادهم السلطوية على الجثث والخراب والفوضى وزعزعة أركان الدولة ومصادرة مؤسساتها، بالتكافل والتضامن بتغطية عربية دولية بإنهاء الحرب التي أشعلوها، بعقد تسوية ملغومة اسمها «اتفاق الطائف» الذي حقق أهدافهم، وضمن لهم استلام زمام الحكم مع إدخال «تعديلات وعناوين وطنية كبيرة» غير قابلة للصرف، ولتاريخه بقيت حبراً على ورق، وتحوّلت إلى شمّاعة يعلقون عليها خلافاتهم حول المصالح والمكاسب والامتيازات والحصص، والمحاورة والمناورة عند كلّ حدث أو استحقاق، وينتهي مفعولها عند تحقيق الغاية منها.
هذه الطبقة الأمينة جداً على مصالحها واستمرار حكمها، نمت وترعرعت وتغوّلت، على أنقاض الوطن ودماء المواطن وفقره وجوعه وماله، وعلى اصطناع الخلافات الصورية والوهمية، لخداع الشعب وإلهائه وإيهامه، بأنها تعمل لصالحه، ومن أجل حقوقه وحمايته من شريكه في الوطن والمواطنية، ومن غدرات الزمن، وبدأت «خدماتها» بإطلاق أطنان من الوعود الزائفة، وتقديم المنّ والسلوى، وإطعامه العسل بشهده، وفي المقابل، حضرت الأرضية لتهميشه وتجهيله وتجاهله، ونصب الفخاخ له، بقوانين انتخابية مفصّلة على قياسها لتضمن حماية نفسها أولاً، ثم التجديد والتمديد، وإعادة انتاج نهجها وسلطاتها من خلال إيصال حاشياتها وأزلامها والمرتهنين لها الى المواقع السلطوية المؤثرة، الذين لا يملكون سوى طأطاة الرؤوس والتصفيق ورفع الإصبع والطاعة العمياء، وقول نعم، أمرك سيدي وولي نعمتي.
نعم، نجحت هذه الطبقة ايضاً، في استجرار البيئات الحاضنة إلى ملاعبها وألاعيبها وحبائلها، مقابل شعارات فارغة أو وعود كاذبة او «رشوات» وظيفية، او» كرتونة إعاشة» لا تغني ولا تسمن، أو تزفيت طريق البيت من خزينة الدولة وأموال هذا الشعب، يعني «من زيتو قليلو».
منذ ثلاثين سنة، والطبقة السياسية والمالية الحاكمة تهضم وتقضم وتنهب مقدرات الدولة ومؤسساتها وإمكاناتها وحقوق الشعب وأمواله، ولا عجب في ذلك انْ فرغت خزينة الدولة من الأموال وتمّ السطو على أموال المودعين في المصارف، وتراكمت الديون الداخلية والخارجية، وانهار الاقتصاد وأفلست المالية العامة، وهاجر الآلاف من الشباب اللبناني، وتفشت البطالة وعمّ الفقر والجوع، واشتدّ عود وظلم محتكري الوقود وأصحاب المصارف ومخزّني الأدوية وتجار الجشع والطمع والاحتكار في الطحين والسلع الغذائية والحياتية، وأصبح ذلّ المواطن سمة المرحلة حيث طارت شهرته، وتحوّل الى الحدث الأول في إعلام ومواقف الدول الصديقة والشقيقة، والذي بات يستحق الشفقة والرحمة والمساعدات.
رغم هذا الواقع الكارثي المأساوي الموجع جداً، لا يزال البعض يكابر ويراهن على الطبقة الحاكمة لإنقاذه، وعلى تأليف الحكومة، وعلى الحوارات والمساعي واللقاءات والتفاهمات والتسويات المشبوهة.
لا يا سادة، سقطت الأقنعة وانكشف الزيف، وبانت الحقيقة، فلا تراهنوا على من رماكم في قعر البئر، وباعكم وعوداً وأوهاماً، وعلى من حكمكم كلّ هذه العقود، وأوصلكم إلى ما وصلتم اليه وتشكون منه، وأذلكم وأفقركم وجوّعكم.
أيها الشعب، ليس عليك سوى اتخاذ القرار وحسن الاختيار في صناديق الاقتراع، بعد ان جرّبتم الإضرابات والتظاهرات وإقفال الطرقات، ولم تجنوا سوى المزيد من الذلّ والهوان والفقر، والحكام في أبراجهم السلطوية يتفرّجون عليكم، ويرقصون على خيباتكم.
أنتم أصحاب القرار، وكفاكم مقامرة بمصيركم ومستقبل الوطن وأجيالكم. إنّ ساعة الحقيقة دنت والحلّ بأيديكم، انها الفرصة الأخيرة فإما ترتقون إلى مستوى الشعوب الحرة او تبقون في القعر لا تسمعون سوى صدى أصواتكم المتعبة والتي ستسكت إلى الأبد…