الإعلام التلفزيونيّ ينظّم حروب الفتنة بين المذاهب.. فأين الدولة؟
} د.وفيق إبراهيم
دولة لبنان صامتة لا تأبه لأكثر من وسيلة إعلام تلفزيونيّ داخليّ تنظم لقاءات تلفزيونية بهدف تحريض الأديان على بعضها بعضاً.
قد يزعم البعض أن هذا الأمر يندرج في إطار الحريات، لكن المتعمّق يعرف أن هذا النمط من الإعلام لا يريد إلا إثارة طبقات من جمهور المشاهدين ترى المتناظرين وهم ينالون من البناءات الداخلية لأديانها، فينصبّ غضبها على الأديان الأخرى على شكل شتائم وسباب ومزيد من الحقد الداخلي مع استعداد لتطبيق هجمات داخليّة لا تُحمد عقباها.
واحدة من هذه المحطات استضافت منذ يومين فقط منتحل صفة متديّن، فأخذ موقع تأييد كامل للسعودية مطلقاً شتائم نحو مذاهب أخرى والدول التي تدعمها محولاً الحلقة الى سيل من الآراء التي لا تحمل الا السباب الرخيص على مضمون بعض المذاهب المناوئة للفكر الوهابي.
مَن تخدم هذه المحطة؟
هناك ثلاث محطات على الأقل تبدو بوضوح انها مأجورة للسياسات الأميركية السعودية، لكنها لا تذهب الا الى ناحية الخلافات الدينيّة فتركز على الصراعات التي ترقى الى عصور الخلفاء الراشدين وبني أميّة والعباسيين، اما اذا ارادت الاتصال بهذا العصر فإنها لا تركز إلا على الصراع الإيراني – الأميركي – السعودي او العربي والفارسي بإظهار تناقضات تجيد اختراعها باسترجاع الصراعات بين الممالك.
ماذا يستفيد لبنان من هذا النمط الإعلامي؟
هذا الإعلام له مهام اساسية وهي التأثير على الصراعات الكبرى في المنطقة الأميركية الإيرانية والسعودية، حتى أنه يتجنب استهداف الروس والصينيين المنافسين الفعليين للأميركيين مركزاً فقط على إيران في حركة تريد فقط تأجيج الخلافات الدينية بين السنة والشيعة، ولا تنسى المذهب العلوي في سورية فلا تتركه إلا بعد النيل في عمقه المذهبيّ علماً أن الاسلام هو دين الدولة في سورية، كما يقول دستورها، وسط إصرار من آل الاسد فيها على علمانية بلادهم وصراع بلدهم المفتوح مع «اسرائيل» بشكل لا يقتربون فيه كثيراً من المذهب الوهابي المنتشر بين السعودية وقطر. لذلك يتبين أن ثلاث محطات لبنانية لا تنفك تبث يومياً ما يثير الفتنة الداخلية، بين السنة والشيعة وذلك للتأثير على التحالفات الداخلية والعلاقات في الإقليم وإضعاف الدور الشيعيّ المناهض لـ»إسرائيل».
بما يؤدي الى كشف السياسات الإعلامية لهذه المحطات التي تريد من مهاجمتها لإيران وحزب الله وسورية، استهداف الجبهة المناهضة لـ»اسرائيل»، وهذا أمر واضح وتحريض الداخل اللبناني، فالذين استمعوا للمقابلة التي عرضتها إحدى المحطات ليل امس انتبهوا الى ان الشخصية التي اجرت المقابلة هي سطحية غير معروفة، وتمكّن معدّ الحلقة وهو أحد الاعلاميين المعروفين جذب هذه الشخصية الى مواقف معادية للمذهب الشيعيّ دينياً والتركيز على العداء الإيراني العربي ثانياً، لكنه فشل في جعل هذه الشخصيّة تبالغ في شتم المذهب الشيعي حتى ان الكثير من المتابعين كان يسأل كم قبضت هذه الشخصية من أموال من سفارتي أميركا والسعودية وكم تلقى هذا الإعلامي المشبوه من أموال، لا شك في أنه منح منها بعض الهدايا لضيفه.
إنه إعلام منافق يريد تفجير الساحة اللبنانية، وذلك بانتقاء الأكثر عداء للسعودية وأميركا في لبنان وهم حزب الله، وهذا يكشف ان الاستهداف في مثل هذا النمط من الحلقات هم المعادون لأميركا والسعودية و«اسرائيل» أي حزب الله الذي يريد صاحب المقابلة التأثير على جماهير بيئته ورفع منسوب العداء له من أطراف مذهبية أخرى.
فإذا كانت مهام السفارات رعاية هذا النمط الفتنوي من المقابلات الإعلامية فما هي مهام الدولة؟
هناك اإلام يجب علينا جميعاً احترام حرياته وادواره، انما ضمن الأطر المقبولة التي يجب ان تندرج في إطار القبول بمضمونه الذي لا يجب ان يقفز عن مصلحة الجماعة.
لكن ما تفعله هذه المحطات أنها تبنّت إعلاماً مدمّراً يؤدي الى اثارة النعرات المذهبية والدينية بشكل تتجاوز فيه الخلافات السياسية، وهذا يسمح للمتابعين التأكيد على أن هذا النمط من الإعلام هو مرتزق ومتلقٍ لرشاوى وله اهداف تفجير العلاقات بين الطوائف بشكل واضح لا لبّ فيه، يكفي ان تتابعوا هذه الحلقة المقصودة حتى يتبين للجميع كيف أن هذا النمط الإعلامي هو مأجور وهدفه تفجير العلاقات الاجتماعية. وهذا ما لا يجب على الدولة أن ترتضيه عبر وزارة الإعلام والهيئات التابعة التي يجب عليها وقف هذه الحلقات المشبوهة حرصاً على وحدة اللبنانيين في كل زمان ومكان وعلى اساس احترام الحريات الإعلامية ضمن المسائل الكبرى واولها العلاقات الجيّدة بين طوائف لبنان وأهله.