رئيسي المصلح لا الإصلاحيّ
قدّم الرئيس الإيراني المنتخب في إطلالته الإعلاميّة الأولى بعد انتخابه صورة عن مشروعه السياسيّ، فبدّد كثيراً من المخاوف وكثيراً من الأوهام في آن واحد، فهو متمسك بالتفاوض لضمان عودة العمل بالاتفاق النوويّ لجهة السعي لرفع كل أشكال الحظر التي تتعرّض لها إيران، وهذا يعني أنه يعلن سلفاً الاستعداد للالتزام بموجبات إيران بما نص عليه الاتفاق إذا ضمنت إيران التزام الشركاء وخصوصاً الأميركي والأوروبي بموجباتهم، وفي هذا تبديد للشكوك حول نيات افتراضية تم ترويجها حول عدم موافقة الرئيس رئيسي على المفاوضات ودعوته للمضي قدماً في الخروج عن الاتفاق وتصعيد الخطوات النووية، او حول وجود مخاطر على التزام إيران في عهده بموجباتها اذا تم رفع العقوبات.
الرئيس الإيراني المنتخب يقول إن إيران لن ترسم سياساتها الخارجية ولا سياساتها الاقتصادية حول محور الاتفاق النووي والعقوبات ورفعها، وهو بذلك يوجه نقداً واضحاً لسياسة الحكومة السابقة، فالسياسة الخارجيّة كما الاقتصادية لا تبدأ بالاتفاق ولا تنتهي به، وهو مجرد مفردة مهمة، لكنه لن يكون محوراً، لأن السياسة الخارجية ستبدأ من الجوار لإنهاء مناخات التوتر، واضعاً العلاقة بدول الخليج على قاعدة وقف العدوان على اليمن، ووقف سياسات التطبيع كأولوية، مقدماً قضية فلسطين على كل الأولويات، ملتزماً بدعم حركات المقاومة، والسياسة الاقتصادية ستنطلق وتتمحور حول بناء مقدرات مستقلة لإيران لا تتأثر بالعلاقات الخارجية ومنها العقوبات، مع سعيها للخلاص منها، لأن بناء الاقتصاد المستقل والقوي هو الهدف، وهو الطريق لتوفير فرص وشروط حياة كريمة للإيرانيين.
يضع الرئيس المنتخب التوجّه شرقاً كعنوان للتعاون السياسي والاقتصادي لولايته الرئاسية، واضعاً العلاقة بالصين في مكانة متقدّمة، ومعلوم حجم الاتفاق الاستراتيجي والاقتصادي بين البلدين وحجم الأهمية التي ينالها من الاهتمام الغربي، وقد وصفه الأميركيون بأنه إعلان سقوط لنظام العقوبات. ويكفي للدلالة هنا على هذه الأهمية ما تداولته الوكالات العالمية عن وجود عشرات ناقلات النفط الإيرانية في بحر الصين وعن عشرات ملايين براميل النفط الإيرانية التي تصل الى السوق الصينية بانتظام.
رفع الرئيس رئيسي قضية الفساد ومكافحة الفساد إلى مرتبة الالتزام في برنامجه للسنوات المقبلة، في ظل مطالبات شعبية وسياسية بإصلاح إداري جذري يحرر الاقتصاد والمجتمع من أعباء الفساد، والثراء غير المشروع لمن يتولون المسؤوليات الحكومية والإدارية، ورئيسي القادم من عقود من العمل في المؤسسات القضائية يعرف جيداً الآليات والوسائل والأشخاص والنصوص، التي يرتبط بالتعامل معها تفعيل آليات جدية لتحقيق إنجازات في هذا الملف، بما يستعيد ثقة شرائح واسعة من الشعب الإيراني بدولته، بعدما قال في الانتخابات إنه يثق برئيسي كرئيس مصلح، بعدما صار الإصلاحيّ يرمز للون سياسيّ بعينه.