خط النهاية في الحكومة برنامجها: نتائج سنوكر باسيل – برّي في ملعب نصرالله
ناصر قنديل
– خلال شهور مضت خاض رئيس التيار الوطنيّ الحر النائب جبران باسيل معارك متنقلة ومتغيّرة العناوين في المسار الحكومي، لم يكن خافياً أنّها تنطلق من عنوان رئيسيّ هو السعي لإخراج الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري من مهمة التأليف، إما بدفعه للإحراج عبر الاستفزاز طريقاً للإخراج، أو بمنحه المخرج الذي قد يحتاجه للانسحاب وفقاً لقراءة تقول إنه محرج بالتكليف أصلاً بعدما اكتشف أن الطريق إلى الرياض مقفل، وأن التكليف تحوّل ورطة. ومَن يراقب مسار تغيرات عناوين الاشتباك حول الملف الحكومي لا يتأخر حتى يكتشف أن أغلبها كان مرسوماً له هذا الدور، لكنه مصاغ بطريقة تمنحه قدراً من المشروعية والمصداقية في بلد تتحرك فيه السياسة على خطوط تماس الطوائف.
– نجح باسيل خلال هذه الشهور باستنهاض تياره وشارعه، وهو الذي يعرف أنه منذ انتفاضة 17 تشرين تمّت تسميته كثمن ممكن ومعقول للمواجهة التي تستهدف حزب الله، وفقاً لتصريحات علنية من الخبير الدبلوماسي الأميركي بشؤون لبنان جيفري فيلتمان في قراءته التوجيهيّة أمام الكونغرس حول المطلوب في التعامل مع انتفاضة 17 تشرين، وتحديده لرأس باسيل كثمن مناسب، ولذلك يخطئ من يعتقد أن باسيل سيتراجع عن هذه الشعارات التي نهض الشارع المسيحي وراءه عبرها، وقد صارت الشعارات المرفوعة مبادئ يصعب التراجع عنها، لكن باسيل في خطابه الأخير وهو يستعرض مسار التأليف والتنازلات التي يفترض أنه قدّمها للتسهيل، قدّم عملياً خريطة طريق واقعية لقضية تشكيل الحكومة بما هي هندسة لحل المشاكل المرتبطة بالحقائب والتسميات، كانت قابلة لتشكيل الحل المنشود عند تداولها، بما في ذلك قبول شراكة الرئيس المكلف في تسمية واختيار الوزيرين المسيحيين، لولا أن باسيل يومها، كما في خطابه، نقل الفخ الى قضية منح الثقة بالحكومة، التي صارت منذ ذلك اليوم واليوم، القفل الذي أغلق عليه الملف الحكومي.
– من غير الواقعي افتراض أن باسيل في إعلانه دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للعب دور الحَكَم، يهدف لوضع السيد نصرالله، وهو آخر حليف متبقٍ للعهد والتيار الوطني الحر، في موقع الدعوة للاشتباك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة أمل، وهو العالم بحقيقة موقف حزب الله والسيد نصرالله، من عمق التمسك بالتحالف مع الرئيس بري وحركة أمل، كما من غير الواقعي افتراض أن الهدف من كلام باسيل هو مجرد التخلص من إحراج المأزق الحكومي ورمي كرته الحارقة في حضن حزب الله، وتحميله بشخص رمزه الأول الذي ترتبط بمكانته معادلات تتجاوز حدود لبنان، مسؤولية استمرار الأزمة الحكومية، فمن هو دون مرتبة الحليف لا يفعل ذلك مع حزب الله ومع السيد نصرالله، فلا يعقل أن يفعلها حليف موثوق، وحريص، يعرف أن له مكانة مميزة عند الحزب والسيد؟
– بعد الاشتباك الأخير بين بعبدا وعين التينة، لم يكن أمام باسيل سوى نعي المسار الحكومي، والذهاب إلى ما سبق واعتبره الخيار البديل وهو الانتخابات النيابية المبكرة، التي سمع باسيل وسمع معه اللبنانيون موقف حزب الله والسيد نصرالله برفضها، فهو في كلامه الأخير يقول للسيد نصرالله، لن نذهب للدعوة للانتخابات نزولاً عند رغبتك، ونعرف انك لا تجارينا في السعي لدفع الرئيس الحريري للاعتذار، وكان قد همّ بذلك لولا مداخلة حليفك الرئيس بري، وقد وصلنا الى حيث لا مشكلة جدية باستثناء بعض التفاصيل تعيق التفاهم على طريقة استيلاد الحكومة وتركيبتها، وقد وصلت في خطابي والتزامي الى الاحتماء وراء الامتناع عن التعهّد بمنح الثقة للحكومة، وكما تعلم أنه اذا حلت هذه العقدة ستحل أزمة الحكومة، وكما نعلم فإن حزب الله درج على عدم منح الثقة لحكومات الرئيس الحريري، ونحن نرضى بما ترضاه لنفسك، فالشروط التي تراها مناسبة ليمنح حزب الله الثقة للحكومة، سنقبلها نحن لنمنح الثقة مثلكم، فخذ المبادرة للتفاوض حول برنامج الحكومة، وعندها فإن ما تجده كافياً لمنح الثقة سيشكل مخرجاً مناسباً لتولد حكومة، أو يسقط مبرر تمسككم برئيسها إذا رفض هذه الشروط، وتوقيت التوصل إلى الحل هو توقيت توصلكم للتوافق حول البرنامج الحكومي الذي نعلم وتعلمون أنه ضبابي وغامض، وقد يصل حد كونه تفويضاً بلا شروط للرئيس المكلف بإدارة الملف المالي والاقتصادي في لحظة الانهيار، وهذه فرصة لمنع انفجار الحكومة عند أول استحقاق في برنامجها.
– قد تكون المفاوضات حول الحكومة منذ شهور قامت على لعبة سنوكر بين الرئيس بري والنائب باسيل، وكانت في الوقت الضائع تدور في ملعب الرئيس الحريري، لكن مع دخول الوقت الحاسم، ها هي تنتقل إلى ملعب السيد نصرالله، حيث تصير الأمور في الجوهر بدلاً من الشكل، شروط الحد الأدنى لحكومة إنقاذ، بدلاً من مجرد حكومة تقطيع وقت بانتظار الانتخابات في زمن، لا يمنح فيه الانهيار فرصة ووقتاً، وربما لا يمنح أيضاً انتخابات، وباسيل يعلم أنه قد لا يحصل على ما يريد، لكنه يتوقع تحصيل شروط الحد الأدنى لحكومة قابلة للحياة، وأن يحصل بالتالي على مخرج مناسب ليمنح الثقة للحكومة، حتى لو لم تصل الأمور إلى الحد الذي يجد حزب الله نفسه فيها مضطراً لفعل ذلك، كما يعلم أن مدخل كل حل سيسلكه حزب الله والسيد نصرالله لن يكون ظاهراً كمبادرة منفصلة، تتيح توصيفها كبديل أو منافس لمبادرة الرئيس بري، بل سيحرص حزب الله والسيد نصرالله على أن تعبر الحلول حال توفرها من بوابة لها عنوان واحد هو مبادرة الرئيس بري وتفعيلها، وفتح طريق المصالحات تحت عباءتها بما يسهل ما هو أكثر من ولادة الحكومة، بل قدرتها على الحياة.