أقدم أنشودة حب وأقدم نوتة موسيقية وأقدم قاموس وأقدم أبجدية في التاريخ في سورية الدكتور علي القيّم: ثقافتنا السوريّة عبر التاريخ إنسانيّة تعمل بالخير والعدل والجمال والتسامح
ثقافتنا لا تتنكر للتراث تأخذ منه ما يفيد وخاصة الجانب الحي الذي يعطي إضافة للحاضر ويؤكد بطلان الثقافات المقفلة
يرى باحثون أنّ سورية «نهر عظيم» شكلت بعض روافده منجزات البشرية وساهم في صناعة الحضارات الإنسانيّة منذ قدم التاريخ.
ووفقاً لمؤرخين سوريين فقد وجد الإنسان في البيئة السورية منذ أقدم العصور ولاءم حياته في الكهوف وجبال القلمون والشمال والساحل وتدمر والبادية وحوضي العاصي والفرات واكتشفت في هذه المناطق أقدم الأدوات الصُوّانية.
هذه مقدّمة اختارتها وكالة «سبوتنيك» الروسية لحديث أجرته مع الباحث الدكتور علي القيّم، الذي شغل سابقاً منصب معاون وزير الثقافة في سورية.
وفي حديثه قال القيّم، إن «سورية عبر التاريخ كانت منفتحة على الآخر وأغنت التجارب الإنسانية وقد ظهرت فيها أقدم أنشودة حب وأقدم نوتة موسيقيّة وأقدم قاموس وأقدم أبجديّة في التاريخ».
} أقدم أنشودة حبّ… وأقدم نوتة موسيقيّة
وأوضح الباحث القيّم: «ظهرت في سورية أقدم أنشودة حب وهي عبارة عن رقيم مسماري عثر عليه في إيبلا يروي قصة أحد العشاق الذي كان يحب فتاة لم تكن تبادله الحب فقام بتدوين هذه الأنشودة عساها تحنّ إليه وتبادله المشاعر نفسها وهي قصيدة بكل ما يعنيه شعر التفعيلة».
وتقول بعض الترجمات الآثارية السورية أن (أنشودة النجوم) المكتوبة بـ (اللغة المسمارية): «أيتها المرأة المنقوش اسمها على فؤوس المحاربين.. عندما أحببتك أيقنت أن النور سيكتب على باب بيتي عبارات التمجيد.. وسيكتب اسمي على أذيال الشمس.. فماذا أفعل حبيبتي.. كي أكون جديراً بك.. هل أنشر الأبيض على أبواب المدينة وأسوارها.. أعاهد نفسي ألا أحزنك يوماً».
وأضاف: «إن أقدم نوتة موسيقية ظهرت في مدينة أوغاريت على الساحل السوري وهي عبارة عن رقيم مسماريّ فيها لازمة. وقد أجرى أكثر من فنان قديم وحديث دراسات كثيرة عنها، وهي الأبجدية الموسيقية وكتبت على هذا الرقيم «أنشودة الحب» وعلى الوجه الثاني نجد التدوين الموسيقي وفق السلم السباعيّ الذي ينسب خطأ إلى فيثاغور عام 500 قبل الميلاد بينما تعود هذه الأنشودة إلى عام 2400 قبل الميلاد».
} بأية لغات كان يدرّس للطلاب..
وتابع القيم: «القواميس ظهرت أيضاً في إيبلا وفي ماري وأوغاريت وأقدم هذه القواميس هو الذي ظهر في القصر الملكي في مدينة إيبلا في تل مرديخ حيث كان يدرس للطلاب باللغة الإبلاوية واللغة الأكاديّة وهي من أقدم القواميس في العالم».
} «ثورة المعلوماتية الأولى»… و8 لغات أوغاريتية
وأردف: «أقدم أبجدية معروفة فهي «أبجدية أوغاريت» والتي تعود إلى عام 1400 قبل الميلاد وهي أقدم أبجدية معروفة في العالم حتى الآن حيث قام الفنان والعالم الأوغاريتي باختصار الإشارات المسمارية من 800 إلى 600 إشارة إلى 30 حرفاً، ومنها تطورت الأبجدية الفينيقية ووصلت إلى الصين شرقاً وأقاصي البحر المتوسط»، وأنا اسميتها «ثورة المعلوماتية الأولى»، لأنها اختصرت الكثير من الإشارات وهي تشبه الأبجدية العربية مع إضافة حرفين لتصبح 30 حرفاً، وباعتقادي إنها كانت ثورة في عالم الكتابة والتدوين، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن مدينة أوغاريت كانت تضم أكثر من 8 لغات وكانت «ملتقى الحضارات والشعوب»، وهو عنوان «كتاب لي لم يصدر بعد يقدم معلومات جديدة في غاية الأهمية عن حضارة أوغاريت».
} متى بدأ الإنسان التفكر بالعبادة؟
وأشار القيم إلى أن «الأساطير والكتابات التي ظهرت في إيبلا وأوغاريت وماري تقدم معلومات إضافية عن العلاقات بين الناس والعلاقة بين الإله والإنسان وعن العادات والتقاليد السائدة آنذاك».
مضيفاً: «تُخبرنا نصوص أوغاريت أن هذه الميثولوجيا وهذه الأساطير تجسد بدايات العقائد والأديان، والتي جسّدها الفنان السوري آنذاك بالعديد من المنحوتات التي وجدت في تل المريبط وتل الشيخ حسن وتل الرماد وتل بقرص والعديد من المواقع، وهي تؤكد أن الإنسان بدأ يفكر بالعبادة والخلود وبالرموز منذ الألف السابع أو الألف الثامن قبل الميلاد».
} المتاحف مؤسسات حية تصنع التواصل مع البسطاء
وبين الباحث أن «عدد المتاحف في سورية يتجاوز الـ 40 متحفاً، وهي مؤسسات حية تصنع التواصل وتساعد على إيجاد روابط بين الزوار والأجيال والثقافات في جميع أنحاء العالم، ويمكننا أن نقوم بإيجاد طرق غير تقليدية للتواصل مع المجتمع عن طريق جعل المتحف أكثر سهولة للوصول إليه. فالمتحف هو المكان الذي يضم المعروضات والأشياء الثمينة والتي تعنى بعرض الثقافة والآثار والتقاليد والحضارات وحياة الشعوب، وإيجاد شعور عام بدور المتحف في تنمية المجتمع والوصول إلى الناس البسطاء والعائلة وإقامة أنشطة وفعاليات وندوات وجولات ميدانيّة، وبرأيي فإن المتاحف هي جامعات عامة لها دور كامل ولذلك تحتفل سورية في 18 نيسان من كل عام بيوم المتاحف».
} المعارض أخرجت الماضي السحيق من الأسطورة إلى جو الوثيقة والحقيقة العلميّة
ولفت القيّم إلى أن «المعارض الأثرية الضخمة التي بدأت سورية بإقامتها منذ عام 1976 واستمرت حتى قبل عام 2011 بقليل كانت بمثابة متاحف متجولة قدمت الكثير من المعلومات، وعرضت الكثير من القطع الأثريّة الرائعة منها معرض كنوز الآثار السورية في اليابان والعديد من الولايات الألمانية والأوروبية ومعرض «سورية أرض الإله بعل» الذي أقيم في باريس ومعارض كثيرة عن تدمر ومعارض في الولايات المتحدة وكندا وغيرها من الأماكن في العالم».
وقال: «يعتبر معرض (إيبلا أصل التمدّن) الذي أقيم في العاصمة الإيطالية روما عام 1997 أهم حدث ثقافي أقامته العاصمة روما وكتب عنه آنذاك أكثر من 100 مقال ودراسة وتحدث عنه الكثير من الكتاب والأدباء، وكانت المعارض الأثرية المتجولة بمثابة سفير متجوّل للحضارة السورية القديمة، فخلالها تعرّف الزوار على الماضي البشري للإنسان الذي سكن سورية منذ مليون وثمانمئة ألف سنة حتى الآن معرفة أوفى تخبره عن العلاقات والعادات والمعاهدات والتحالفات والصراعات مما يخرج الماضي السحيق للبشرية عن أجواء الوهم والأسطورة إلى جو الوثيقة والحقيقة العلمية وهو ما يجعلنا نعتز بتراثنا وهو تراث مشترك للإنسانية جمعاء».
وختم الباحث الدكتور علي القيم حديثه لـ «سبوتنيك» بقوله: «ثقافتنا السورية عبر التاريخ كانت إنسانية تعمل بالخير والعدل والجمال والتسامح وتسعى لبناء الوطن والمواطن، لا تتنكر للتراث تأخذ منه ما يفيد وخاصة الجانب الحي الذي يعطي إضافة للحاضر ويؤكد بطلان الثقافات المقفلة لأن حضارتنا كانت دائماً منفتحة ومتفاعلة لا تلغي غيرها بل تؤكدها بالتداخل معها تأثراً وتأثيراً وكذلك المحافظة على التراث لا لأجله ذاته بل لاكتشاف ما فيه من عناصر التفكير البشري السليم».
وقد أشارت وكالة «سبوتنيك» في خاتمة الحوار، إلى أن سنوات الحرب العشر الماضية في سورية شهدت تدميراً ونهباً ممنهجاً لعدد كبير من الأوابد والمواقع واللقى الأثرية من قبل التنظيمات الإرهابية، وآخرها ما شهده متحف إدلب منذ أيام من تدمير للقطع الأثرية وسرقة ما يمكن بيعه منها على أيدي عناصر من الأوزبك المنتمين إلى تنظيم «جبهة النصرة» وسبق ذلك قيام تنظيم «داعش» (تنظيمات محظورة في روسيا) بتدمير مواقع عدة في مدينة تدمر الأثرية قبل اندحاره منها.