الناس هائمة على وجوهها.. والمطلوب قرارات كبيرة
– منذ أيام ولأيام مقبلة يزداد المشهد اللبناني قتامة وكآبة، ويعيش اللبنانيون أسوأ أيامهم، فيمضون ساعاتهم وهم يعيشون هاجس الدوران حول أنفسهم بحثاً عن الأساسيات، ويشعرون بالحبل يضيق على خناقهم. فالبنزين تحوّل الى قطع نادر، والدواء مفقود، وحليب الأطفال بأسعار خياليّة، والمواد الغذائية بعد رفع الدعم صارت لا تطال، والسلع الاستهلاكيّة لم تعُد في المنال، وحال الصداع والضياع تسيطر على الناس، بل إن الناس هائمة على وجوهها تغادر منازلها في الصباح لتلفّ وتدور مشياً على الأقدام بحثاً عن دواء او غذاء. وهذا الوضع الهيستيري الذي يعيشه مئات الآلاف أشد خطورة من أسبابه بذاتها، لأن المواطن يفقد قدرته على التعامل مع الأمور بعقلانية، ويفقد أعصابه من دون أن يعرف الأسباب، والتوتر والضياع يتسببان بمشاكل ومشادات يتحوّل بعضها الى اشتباكات بعضها مسلح ينخرط فيها مواطنون لا يقلون كآبة وتوتراً وإحباطاً وتيهاً وضياعاً.
– الوضع شديد الخطورة والأجهزة الأمنية لن تستطيع احتواء ما نحن قادمون عليه من انفلات أمني، سنشهد خلاله يومياً مئات الحوادث في كل انحاء البلد، وستتفاقم الأوضاع أكثر وأكثر عندما تبدأ عمليات السطو والجريمة العادية الناجمة عن الحاجة والعوز وتتحوّل الى حالة عامة فوق طاقة الأجهزة الأمنية على ضبطها. فالسطو على المتاجر والصيدليّات وحتى البيوت سيصبح شأناً وهمّاً لبنانياً جديداً، ينهش عبره اللبنانيون لحم بعضهم البعض، وستجد الأجهزة الأمنية والعسكرية أنها أمام طوفان وتسونامي فوق قدرتها صدّه والتعامل معه.
– المعالجة تحتاج قرارات كبرى بحجم تأمين السلع الأساسية من المحروقات والغذاء والدواء بما يتناسب مع مقدرات الناس للحصول عليها، وهذه ليست معجزة. فما يحتاجه الوضع هو إدارة جدية ومسؤولة، تبحث عن مصادر للشراء خارج المافيات وخارج الحسابات المريضة، كمثل الحل الذي قدّمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بخصوص المحروقات، ومثل الانفتاح على سورية بخصوص الدواء والغذاء، والبحث بمقايضة الكهرباء من سورية مقابل الفيول العراقي، فهل يملك السياسيون اللبنانيون بحكومة جديدة او بحكومة تصريف الأعمال هذه الإرادة.
– عندما نتحدّث عن السياسة حسب مفهومها السامي والنبيل. فهي المسؤوليّة عن تدبّر أحوال الناس والخروج بها من الأزمات. فهل تجد هذه السياسة طريقها الى الضوء. ونحن نسمع عن لقاءات واجتماعات، لكننا بعد لم نسمع قائداً واحداً بين قادة البلد يقول نحن نقف وراء قرارات بهذا الحجم ومن هذا النوع. فهم يتحدّثون عن الحكومة كضرورة. وهذا صحيح. لكن أحداً لا يقول ماذا بعد الحكومة، فيرمون الغد بأسئلة اليوم، ويبدو أن الكل لا يريد إزعاج من لا يرغب بقرارات نوعيّة تشكل شبكة أمان لعبور الأزمة بأقل الآلام.