التجاذب حول الملف النوويّ بعد معركة سيف القدس
ناصر قنديل
– بين تقارير نشرتها قناة أن بي سي الأميركيّة تتحدث عن مخارج يتم العمل عليها لتفادي الانسداد الذي يواجهه مسار التفاوض حول العودة إلى الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران مع بلوغه خط النهاية عملياً، والكلام الصادر عن كل من الطرفين الإيراني والأميركي الذي يوحي للمرة الأولى بأن الانسحاب من التفاوض عاد خياراً إعلامياً على الأقل بالنسبة للفريقين، يعيش الملف النووي الإيراني ومصير العودة لاتفاق العام 2015 لحظات فاصلة، فالأمر الوحيد العملي الذي بات ثابتاً هو أن إيران رفضت رسمياً تمديد التفاهم الذي وقعته مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة ثلاثة شهور انتهت في أواخر أيار الماضي ومددت العمل به لمدة شهر انتهت قبل أيام، ما يعني أن جواً من التصعيد في مفردات مختلفة سيحكم الموقف الإيراني، قد يترجم بتركيب أجهزة طرد مركزي حديثة تزيد نسبة التخصيب وتسرّع إنتاج الكميات المخصبة، وسط حديث للخبراء عن نيات إيرانية برفع التخصيب الى نسبة 80% واحتمال وصولهم الى إكمال امتلاك ما يُسمّى بالكمية الحرجة من اليورانيوم المخصب، والمقصود هو الكمية اللازمة لإنتاج سلاح نووي، سواء من حيث درجة التخصيب أو الكمية المخصبة، وهو ما كان يشكل دائماً الخط الأحمر الذي تسعى واشنطن لتفاديه.
– كانت واشنطن تتعامل مع الملف النووي والعودة للاتفاق مع إيران ورفع العقوبات، من بوابة مختلفة عما صارت عليه الأوضاع بعد معركة سيف القدس وما كشفته من استحالة نجاح واشنطن بالابتعاد عن شؤون المنطقة، خصوصاً بعد انكشاف الوضع العسكري والأمني في كيان الاحتلال عن عجز عن التعامل مع التحديات التي أظهرتها المقاومة في غزة، وفي ظل معادلة رسمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، عنوانها القدس والحرب الإقليمية، وما ترتب على هذا الانكشاف من سقوط لرئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو المتمرّد على السياسة الأميركية تجاه الملف النووي، وولادة حكومة جديدة وضعت أوراقها في واشنطن، والحكومة الجديدة لن تستطيع تثبيت وجودها وتخديم الطلبات الأميركية في الملف النووي، من دون منحها هامش حركة داخل فلسطين يترجم موقعها كحكومة يمينيّة تحتاج إلى مواجهة هجمات نتنياهو عليها بمواقف تقترب فيها من تطلعات المستوطنين، وتعرف واشنطن استحالة أن تطلب من إيران مساعدتها على تهدئة إقليمية تحمي توقيع الاتفاق، ويكون عنوان التهدئة هو مزيد من توحش المستوطنين في فلسطين.
– النقاش في واشنطن وليس في طهران، حول كيفية المضي قدماً، وكل الخيارات صعبة، فخيار توقيع الاتفاق بشروط ترضاها إيران، في ظروف معرضة للانفجار من بوابة الأحداث في فلسطين، يعني أن تجد نفسها قريباً وجهاً لوجه مع طهران في مواجهة قاسية تستخدم خلالها إيران عائدات العودة إلى الاتفاق ضدها، ولو بصورة غير مباشرة من خلال الدعم الإيراني لفصائل المقاومة في فلسطين والمنطقة، وخيار عدم العودة إلى الاتفاق والخروج من المفاوضات، في ظل نجاح إيران بتظهير المسؤولية الأميركية عن العودة الى الاتفاق، يعني خسارة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ما حققه من انفراجات في العلاقات الأميركية الأوروبية والأميركية الروسية، وحملة العلاقات العامة لواشنطن تحت عنوان أولوية الدبلوماسية، ولكنه يعني ما هو أخطر منح إيران الضوء الأخضر لرعاية حملة تصعيد كبرى يملك حلفاء طهران أدواتها وأسبابها، لا يستطيع حلفاء واشنطن مجاراتهم بها ولا تحمل نتائجها، هذا عدا عن أن إيران ستمضي عندها وهي مرتاحة لوضعها الدولي لتصعيد نووي ينتهي بما تخشاه واشنطن، وهو امتلاك إيران لمقدمات بلوغ اللحظة النووية الحرجة، ويبقى خيار البقاء في المفاوضات دون بلوغ الاتفاق بانتظار تمرير حلقات التهدئة كما تراها واشنطن في المنطقة أو اختبار فرصها على الأقل. وهذا الخيار قطعت طهران طريقه برفض تجديد التفاهم معها، والإشارة الى ان الاتفاق بات شبه جاهز وأن على واشنطن أن تتخذ القرار، وأن لا تفاوض للتفاوض.
– واشنطن مرتبكة، وإيران تضغط على يدها التي تهتز، ويبدو أن لا بديل لواشنطن عن العودة إلى الاتفاق إلا العودة إلى الاتفاق، رغم المخاطر المتزايدة.