ماذا سيفعل الأميركيّون في سورية والعراق؟
ناصر قنديل
– روما من فوق روما غير روما من تحت. مثال كان يقال دائماً للذين يتحدثون عن الأوضاع عن بُعد قبل أن يصبحوا في قلب الأحداث ويتغيروا، وهو حال الرؤساء الأميركيين بمن فيهم دونالد ترامب وجو بايدن، اللذين افترضا إمكانية فرض قواعد اشتباك قابلة للحياة تحيط بالاحتلال العسكري الأميركي في العراق وسورية، وسرعان ما وجدا نفسيهما في قلب المعادلة ذاتها، ينكران خططاً التزما بها عنوانها التهدئة والانسحاب، هذا ما حدث مع ترامب وهو يحدث مع بايدن. ولم يخف مسؤولون أميركيون عسكريون في عهد ترامب أنهم زيفوا له معلومات حول حجم وجودهم في سورية عندما كان ينوي الانسحاب، والواضح أن المؤسسة العسكرية الأميركية متردّدة في تنفيذ قرار الانسحاب من أفغانستان، وقد قررت الإبقاء على 650 عسكرياً تحت شعار حماية العمل الدبلوماسي، والرقم يعادل كتيبة معززة، بكامل التسليح المرافق لها من طائرات هيلوكوبتر ومدرعات وناقلات جند ومدفعية، واللافت أن بعض التقارير المعارضة للوجود الأميركي في المنطقة تربط حماسة القيادات العسكرية بتجارات مشبوهة يتولاها هؤلاء، محورها الأفيون في أفغانستان، والنفط المسروق وأموال التدريب وعمولات عقود الشركات التي تخدم القوات الأميركية في الخارج، وتدعمهم لوبيات فاعلة داخل المؤسسات الأميركية لتعطيل قرارات الانسحاب.
– كما كان ترامب محاصراً من الديمقراطيين، والقيادة العسكرية المتطرفة تجاه الحفاظ على التمركز العسكري، مدعومة من كارتلات شركات السلاح، فانقلب على نياته بالانفتاح على روسيا، وتراجع عن قرار الانسحاب من العراق وسورية، وذهب الى توقيع قرارات بعمليات عسكرية في البلدين بطلب من قادة القوات، فإن بايدن محاصر من الجمهوريين ومحاصر بالنيات العسكرية نفسها وضغوط اللوبيات الداعمة لبقاء القوات في المنطقة، وها هو يخوض تمارين شبيهة بالتي رضخ لها ترامب، وهذا يعني أن الإدارات الأميركية المتعاقبة بعد فشل الحرب على سورية تفقد بوصلة السياسة الخارجية، التي صارت ترسم كتسوية بين الحزبين المحكومين بتوازن رعب من جهة، وبينهما وبين القيادات العسكرية واللوبيات التي تدعمها، وهذا ما جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد قمته مع بايدن، يتريّث بالحديث عن التفاؤل، بقوله لنرَ ما سيحدث بعد عودة الرئيس الى واشنطن ونسمع تفاعلات المواقف في الكونغرس، وهذا ما يجعل إيران متردّدة بقبول العودة الى الاتفاق النووي من دون ضمانات بعد تكرار عملية الانسحاب الأحادية منه والعودة الى العقوبات.
– بعد المفاوضات التي أجرتها الحكومة العراقيّة مع القيادة الأميركيّة تحت عنوان تطبيق قرار مجلس النواب العراقي بإنهاء الوجود الأميركي في العراق، ثبت الارتباك الأميركي، وثبت أن الأميركيّ في حالة اللاقرار، وأن المستوى السياسي العراقي مربك وعاجز عن ممارسة الضغوط اللازمة لفرض البحث الجدّي ضمن مهل واضحة باستحقاق الانسحاب، وفي سورية بدا بوضوح بعد مفاوضات الرئيسين الروسي والأميركي والعرض الروسيّ بتسريع الانسحاب الأميركي مقابل وساطة روسية بين الجماعات الكردية المسلحة تحت الإبط الأميركي، والحكومة السورية، أن واشنطن محكومة لقرار قادتها العسكريين وعلاقتهم بالجماعات الكرديّة المسلحة ما بينهما من مصالح محلية تتصل بالنفط وتقاسم عائداته، كما بدا أن واشنطن عاجزة عن اتخاذ قرار، في ظل نشاط اللوبيات، وأن الدفع بصناع القرار للتورّط في أعمال عسكرية تبرر البقاء وتوفير المزيد من الموازنات والمستلزمات العسكرية واللوجستية، يتحوّل الى سياسة أميركيّة كما حدث في عهد ترامب.
– التصعيد العسكري بوجه القوات الأميركيّة في سورية والعراق صار مدخلاً وحيداً لفرض استحقاق الانسحاب، لأنه من دون جعل الأمور بين خياري الانسحاب أو التورّط في حرب، بكل ما في الكلمة من معنى، لن يعود الاعتبار للسياسة بمعناها الواسع، وسيبقى قرار البقاء في سورية والعراق بأيدي القيادات العسكرية وحساباتها المصلحيّة، والقوى واللوبيات التي تدعمها في واشنطن، وهذا ما يجري وما سيجري.