تراجع القوات الإثيوبيّة في تيغراي تغيّر استراتيجيّ أم صفقة!
تغير مفاجئ حدث ليل أول أمس، تمثل في استعادة مقاتلي جبهة تحرير تيغراي السيطرة على ميكلي عاصمة إقليم تيغراي، وتراجع قوات الحكومة الإثيوبية، وإعلان الحكومة القبول بوقف أحادي لإطلاق النار، بعد أشهر من المعارك بين القوات الحكومية ومقاتلي الإقليم، وسيطرة الحكومة على عاصمة الإقليم وأغلب مناطقه، وبعد 10 أيام من الانتخابات العامة الإثيوبية، التي لم يشارك فيها الإقليم، ولم تعلن نتائجها بعد.
وليل أول أمس الإثنين أعلنت الحكومة الإثيوبيّة أنها قبلت بطلب من إدارة إقليم تيغراي لتفعيل وقف لإطلاق النار لـ «أسباب إنسانية» في إقليم تيغراي، وقالت، في بيان، إن «الحكومة الفيدرالية قررت معالجة التحديات بطريقة صحيحة وصريحة وبجرأة، وقررت تفعيل وقف إطلاق نار إنساني أحادي الجانب (وقف مؤقت للأنشطة العسكرية) يسري على الفور».
وقالت الحكومة الإثيوبية، في بيانها، إن «هذا الإجراء سيساعد في ضمان وصول أفضل للمساعدات الإنسانية ويعزز الجهود لإعادة تأهيل إقليم تيغراي وإعادة بنائه. لذلك، صدرت أوامر لجميع المؤسسات المدنية والعسكرية الاتحادية والإقليمية بتنفيذ وقف إطلاق النار وفقًا للتوجيهات التي حددتها الحكومة الاتحادية».
وصباح أمس، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إنها «تجري اليوم عمليات لملاحقة قوات الحكومة الإثيوبية التي انسحبت من عاصمة الإقليم، وباتت المدينة تحت سيطرتها بالكامل».
في هذا الصدد، قال المحلل السياسي الإريتري المتخصص في شؤون القرن الأفريقي، شفاء العفاري إن «سقوط عاصمة إقليم تيغراي بهذه السرعة وقبل سقوط المدن الكبرى بالإقليم أمر غريب، يثير الكثير من التساؤلات».
وأضاف العفاري «كان واضحاً منذ شهرين أو ثلاثة أن قوات دفاع تيغراي كانت تزداد قوة وعدداً، وتحصل على الأسلحة، لكن أعتقد أن ما حدث هو صفقة من نوع ما، انسحاب الحكومة الإثيوبية من الإقليم مقابل اعتراف الدول الكبرى بنتيجة الانتخابات».
واعتبر المحلل السياسي أن «أثيوبيا وقعت في فخ كبير، لا يتمثل فقط بالحرب في إقليم تيغراي، ولكن أيضاً الأزمة على الحدود مع السودان ومشكلة سد النهضة، علاوة على الصراعات الداخلية في الصومال الإثيوبي وإقليمي أوروميا وبني شنقول. فكل هذا يعصف بإثيوبيا، ويمكن أن يؤدي إلى تفكك هذا البلد، وهو ما لا تريده أميركا والدول الكبرى ولن تتسامح معه لأنها سوف تعاني منه».
وحول تراجع القوات الحكومية واستعادة جبهة إقليم تيغراي السيطرة على العاصمة، رأى العفاري أن ما حدث هو «نوع من الصفقة»، تشمل «اعتراف الدول الكبرى وواشنطن بنتائج الانتخابات التي قام بها (رئيس الوزراء الإثيوبي) آبي أحمد، مقابل إعادة إقليم تيغراي».
وأردف «أعتقد أن القوى الكبرى تريد آبي أحمد في سدة الحكم».
وفي 21 حزيران، أجرت إثيوبيا انتخاباتها العامة السادسة، لاختيار أعضاء مجلس النواب والمجلس الفيدرالي، وجرت هذه الانتخابات بعد تأجيلها مرتين، حيث كان من المقرر إجراؤها في آب عام 2020، إلا أن الحكومة الإثيوبية قررت التأجيل بسبب تفشي وباء كوفيد-19، ما أدى إلى اندلاع أعمال عنف واسعة في إقليم تيغراي، تبعتها عملية عسكرية من الحكومة للسيطرة على الإقليم.
واستمرّت العملية العسكرية في تيغراي حتى كانون الثاني الماضي، حتى سيطرة القوات الحكوميّة على عاصمة الإقليم، وشنت حملة واسعة لملاحقة قادة الإقليم.
وأدت هذه العملية التي شاركت فيها قوات من الجيش الإريتري جانب الجيش الإثيوبي إلى مقتل وإصابة الآلاف، إضافة إلى فرار نحو 46 ألف لاجئ جراء عمليات القتال في الإقليم، كما أشارت تقارير أمميّة إلى وقوع «انتهاكات وحشية» و»انتهاكات جنسية ضد النساء» من القوات الإثيوبيّة خلال العملية في الإقليم.
وتقول الحكومة الإثيوبية إنها تحقق في هذه «المزاعم» وتعهدت بتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكمة.
كما رفضت أديس أبابا مراراً مطالب الولايات المتحدة وواشنطن بالحوار مع قادة إقليم تيغراي، وصنفت الجبهة الشعبية لإقليم تيغراي «منظمة إرهابية».
ولم يشارك إقليم تيغراي في الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي.
وأعرب المحلل السياسي الأفريقي عن اعتقاده بأن تراجع الحكومة الإثيوبية في إقليم تيغراي سيؤثر على العلاقة بين إثيوبيا وإريتريا، قائلاً «أعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد تغيراً كبيراً في العلاقة أو انهيار في العلاقة بين (الرئيس الأريتري) أسياس أفورقي وآبي أحمد، وستبدأ مشكلة في إريتريا لأن قوات كبيرة من إريتريا دخلت تيغراي، وهناك تململ في الجيش الإريتري جراء هذه العمليّة».
وتابع العفاري «قبول الحكومة الإثيوبية وقف إطلاق النار يعني استعدادها للتفاوض مع تيغراي، وهذه المفاوضات ستؤدي إلى خلافات بين آبي أحمد وآسياس أفورقي، لأن أفورقي معروف عنه أنه لا يقبل بالجلوس للتفاوض مع الأعداء إلا في حالة أنه يكون مجبراً على ذلك».
وأردف «جنوح آبي أحمد للمفاوضات مع تيغراي بداية الانشقاق بينه وبين أسياس أفورقي الذي سيعلن عليه حرباً كلامية بداية من اليوم على ما نعتقد»، مؤكداً هذا الانقلاب ربما سيؤدي لـ«خلافات أخرى وانشقاقات في الجيش داخل إريتريا».