عملاء بحصانة ديبلوماسية!
} شوقي عواضة
السّيادةُ مدماكُ بناءِ الأوطان ومصدرُ قوّتِها وعلى قدرِ ما يكونُ المدماكُ قوياً ومحصّناً على قدر ما يكونُ الوطنُ حرّاً وسيّداً ومستقلاً وللسّيادة مفاهيمُ واضحةٌ تتجلّى وتتحققُ من خلال أمرينِ…
الأوّلُ السيادةُ الخارجيّة وتقتضي تنظيمَ علاقةِ الدولة مع الدّول الأخرى وعدم السّماحِ لها بالتدخلِ بشؤونها.
الثاني السّيادةُ الداخليّةُ وتتحقّق من خلال تطبيقِ القانون وتحقيقِ العدالةِ والمساواة وعدم التمييزِ بين مواطنيها وفصلِ القضاء عن السياسة وعدم التّدخلِ به خارجيّاً وداخليّاً.
وهذا ما نفتقدُه في لبنانَ وما لمسناه من خلال معركةِ القضاء التي خاضها عوائلُ الشهداءِ والجرحى والأسرى المحرّرين الذين خطوا على جدرانِ زنازينهم حكاياتِ تضحياتهم من أجل لبنان واستقلالِه وسيادتِه وتحريره من دنس الاحتلالِ الإسرائيلي، حكاياتٌ بدأت من معتقل أنصار الى معتقلِ الخيام وعسقلان إلى كلِّ معتقلاتِ الداخل حيث كان الجلّادُ والسجان يُعتقل ويعذبُ ويُقتل بقوّةِ الاحتلال «الإسرائيلي»، واليوم يعودُ الجلادُ والسجان إلى لبنانَ محمياً ومحصّناً بالقوانينِ وبالتدخلات الأميركيّةِ السافرة كما حصل في قضيةِ جزّار الخيام العميل عامر الفاخوري والعميل جعفر غضبوني. فبعدَ إصدارِ المحكمة العسكريّة برئاسةِ العميد حسين عبد الله، حكماً في 16 آذار/ مارس من العام الماضي قضى بكفِّ التعقبات عن الموقوفِ العميل عامر الفاخوري، رغم إقدامه على خطفِ مواطنين لبنانيين واعتقالِهم وتعذيبهم داخل سجنِ الخيام، ما أدّى إلى وفاة اثنين منهم واختفاء المعتقل علي حمزة الذي لا يزال مجهول المصير، وعدا عن التسبّب بإعاقات وأمراض مستدامة لبعض المعتقلين وقد استند العميد عبد الله في حكمِه على أنّ الجرائمَ المسندة إلى العميل عامر الفاخوري، لجهةِ تعذيب سجناء عام 1998، سقطت بمرورِ الزّمن العشري ليصدرَ بعد ذلك قاضي التحقيقِ في بيروتَ القاضيين بلال حلاوي وأحمد مزهر في آذار من العام الماضي مذكرةَ توقيفٍ غيابية، وقرار بمنع سفره بحق العميل. ورغم ذلك شكّل قرارُ العميد حسين عبد الله حافزاً قوياً لعودة العملاءِ الى لبنان بل كان دافعاً رئيسيّاً لإقدامِ السّفارةِ الأميركية في بيروت على هتكِ السّيادة اللبنانيةِ وتحدّي قرارِ القاضيين حلاوي ومزهر بمنع السفرِ من خلال التدخلِ السافر لإقدامها على تهريبِ العميل الفاخوري بطوافةٍ عسكريّةٍ خاصّة من سفارتها في عوكر. كذلك الأمرّ بالنّسبة إلى العميلِ جعفر غضبوني الذي دخل لبنانَ ولم يتمّ توقيفُه بناءً على إشارةِ مفوّض الحكومةِ لدى المحكمة العسكريّة القاضي فادي عقيقي بحجّةِ مرورِ الزمن، وللتّذكير أنّ القاضي عقيقي استلم ملفَ إخبار ضدّ المعمّم علي الأمين الذي التقى كبيرَ حاخامات الكيان الصهيوني شلومو عمار في البحرين وبعد مرورِ عام من استلامه الإخبار لا يزالُ ملف الأمين محفوظاً في أدراجِ عقيقي دون توجيه أيّ سؤالٍ له حولَ اللقاء ممّا طرح الكثيرَ من التساؤلات حول مصير القضية التي تدخل فيها أفرقاء من الخارج والداخل. وبالعودة الى تاريخِ الأوطان والمقاومات لا شفاعةٌ لجاسوسٍ وعميلٍ وخائنٍ والشّواهدُ التاريخيّة كثيرةٌ ففي فرنسا أعدمت المقاومة الفرنسية عشرةِ آلافِ عميلٍ رمياً بالرّصاصِ. حتى في الكيان الصهيوني وقعت العديد من المحاكمات بحقِ عملاءَ إسرائيليين كان آخرُها عام 2019 حيث حكم على وزير الطاقة والبنى التحتية الأسبق غونين سيغيف بالسجن 11 عاماً بتهمة التجسّسِ لصالح إيران وهنا إشارة إلى أنّ القضاء الصهيوني لم يراعِ ولم يحمِ أيّ شخص مهما كانت مسؤوليتُه السّياسيةُ أو الأمنيّةُ والعسكريةُ في موضوعِ العمالةِ والتجسس والخيانة. حتى الولايات المتحدة الداعم الاول للكيانِ الصهيوني لم تتهاون في قضية العمالة والخيانة ففي العام 1986 أقدمت المخابراتُ الأميركية على اعتقال جوناثان بولارد اليهودي الأميركي بتهمةِ التجسّسِ لصالح الكيانِ «الإسرائيلي»، وحكمت عليه بالمؤبد أمضى بولارد منها ثلاثين عاماً في السجن. أما في لبنانَ فالمقاومةُ التي انتصرت عام 2000 ولم تقتل عميلاً واحداً ولو بضربة كفٍّ ولم تنهج نهج المقاومة الفرنسيّة حفاظاً على القانون والسيادةِ وتطبيقاً للعدالة من خلال محاكمة العملاءِ وما قامت به المقاومة ليس ضعفاً ولا عجزاً إنما كان موقفاً نابعاً عن قدرة وقوةِ وإصرارِ على أن يستكمل القضاء تحرير الوطن من العملاء وتحصين لبنان وشعبه من خلال محاكمة العملاء لكن ما حصل على عكس ذلك حيث أصبحنا نرى أن البعضَ أراد أن يسقط القضاء ويهشّم صورته ويحطم سيادة الدولة من خلال التدخلات الخارجية والداخلية، ففي لبنان فقط يُستقبل العميل في صالون الشرف في المطار، وفي لبنان فقط تتدخل السفارة الأميركية وتنتهك سيادة القضاء والدولة، وفي لبنان فقط تبرّر الخيانة والعمالة للعدو وتصبح وجهة نظر في ظلّ التمسك بقوانين مرور الزمن اتقاء شرّ الأميركي. فحتى لا تتكرّسُ الخيانةُ ومن أجل أن لا يسقط الوطن بسقوط القضاء وصوناً لتضحياتِ المقاومين والشهداء والجرحى والأسرى المضحّين لا بدّ من وضع حدّ للتدخلات الأميركية وغيرها وضرورة تفعيلِ القضاءِ واستحداثِ القوانين التي تحمي لبنانَ وتحققُ العدالة لكلّ اللبنانيين الشرفاء.