رحلة عودة لبنان إلى الأمة
} السيد سامي خضرا
النمطية السياسية السائدة في لبنان منذ قرن ونصف القرن سقطت ولم تعد قادرة على الإستمرار بأي شكلٍ من الأشكال، وهذه حقيقةٌ يجب أن يُدركها الغرب أولاً ومُريدوه في لبنان من الذين اعتادوا التقاط الفتات من فضلات ما يتركه لهم وإنْ كان مُضمَّخاً بالذلّ والهوان.
وهذا الأمر يُساعدنا على فهم الدور الروسي الآتي والمستجدّ في المستقبل القريب:
فالظروف وقياساً مع القرن الماضي تَبدَّلت كلياً فعندما حطَّ الغربيون من تبشيريين وتنصيريين وغزاة على سواحل بلاد الشام وافدين من إيطاليا والنمسا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا كانت هناك ظروفٌ داخلية ومحيطة وخارجية لكنها إختلفت بجملتها عن حالنا اليوم.
ومن الصعب في مقال واحد أن نتحدث عن الوضع اللبناني الذي كان وأصبح، وعن التركيبة ومراكز القوى والظروف والمعطيات فضلاً عن المحيط والدول الإقليمية والتطورات الميدانية التي فتحت طريقاً واسعاً ليصبح لبنان محمية غربيةً وثُكنةً متقدمةً تحت حالة استعمارية سُمّيت “إنتداباً” أو بلداً “مستقلاً” في ما بعد من دون أن يتغيّر الجوهر، فبقِيَ هذا “اللبنان” بمؤسّساته العميقة ومفاصله المُؤثرة مُرتَهناً للغرب المستعمِر ولتكون النتيجة هذا الواقع المأساوي الذي نراه اليوم.
لكن مَن يريد أن يُفكر بعقلية الماضي أو أن يُسلم خياله للوقوف على الأطلال فهو خارجٌ عن حدود التعقل والمنطق.
فيومنا ليس كأمسنا أبداً.
من هنا نستطيع التأكيد أنّ لبنان الذي أنشأه الاستعمار بكلّ تفاصيله الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية والترفيهية والوظيفية… ما كان ظاهراً منه أو مخفياً سقط لينتقل الكلام لعودة لبنان إلى حضن محيطه الطبيعي كجزءٍ من بلاد الشام والأمة.
وبدقةٍ أكثر كجزءٍ بلحاظ فلسطين والأردن وسورية والعراق وإلاَّ فإنّ لبنان سوف يبقى مُصَنَّعاً ومُتصنَّعاً!
فالنصيحة اليوم لِمن يريد أن يسمعها وشاءَ أم أبى سوف يستمع إليها بإرادته أو مرغماً في ما يأتي من الأيام أنّ لبنان الجديد قوي بشعبه وبمغتربيه وبمقاومته التي صنعت العجائب.
ومن السخف الاععتقاد أنها مرحلة وتمرّ بل هي الأساس في لبنان الجديد العائد إلى تاريخه.
وأنّ من شاء أن يبقى طريح الأوهام وسُكرة الأحلام فليفعل هو وتَخَيُّلاته ما يريد لأنّ سراب الصحراء لم يشفِ يوماً غليلاً.
وكلّ الذي تقدّم لا يعني أبداً أنّ الرحلة بسيطة:
فالصراع بين الحق والباطل وبين العبودية والحرية وبين المُستَعمِر والمُستَعمَر والكيانات التي اعتادت على النهب والسرقة وأن لا تشبع من زهق الأرواح وسفك الدماء وطبيعة المنطقة… لن تستسلم بسهولة.
لكنه في المقابل فإنّ مَن نصرنا بالأمس في غاية ضعفنا مقابل غاية جبروت عدوّنا لن يتركنا اليوم بعد أن أصبحنا في موقعٍ لا يُستهان به من قوة مقابل موقع ضعف لعدونا لا يمكن الإغفال عنه.
والأيام بيننا سِجال…