اتحاد الشام من دون الشام أيّة دلالات…؟
طارق الأحمد
لم يكن إطلاق الملك الأردني عبدالله الثاني لتعبير «الهلال الشيعي» بُعيْد حرب تموز 2006، والتي لاحظ فيها المراقبون ليس فقط رفع صور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله داخل حرم الجامع الأزهر في القاهرة، بل وتسمية أحد أنواع التمور المحبّبة لدى الشعب المصري باسم نصر الله، ففاق سعرها الأربعة دولارات للكيلوغرام بحسب صحيفة «الأيام» المصرية…
فأيّ مزاج فطريّ بعيد عن الطائفية كان عليه شعب مصر، ومن ذا الذي انزعج منه وخطط لتعكيره أو حتى ضربه؟
ثم ما هذا “الهلال الشيعي” الذي يضمّ بغالبيته قوى علمانيّة أو غير شيعيّة في ذلك الوقت بالإشارة إلى الأحزاب السورية والفلسطينية المعنية به؟
كلّ ذلك وبغداد تحت وطأة الاحتلال الأميركي في ذروته آنذاك أيّ منذ 2003.
لا شك في أنّ الهلال المقصود به هو الذي أرّخ له وأسّس فلسفته ومشروعه لنهضته هو أنطون سعاده في مطلع القرن الماضي وهو الهلال الخصيب، وهو إنْ كان خصيباً زراعياً في التاريخ وقد تصحّر جله اليوم، لكنه خصيب إنْ توحّد استراتيجياً اليوم وهو قادر على أن يقلب المعادلات الاستراتيجية الدولية بفعل وصل قوّة الضخ الصناعية الصينية والشرق آسيوية التي هي اليوم مصنع الكرة الأرضية الكبير وقلبه المالي والإنتاجي، بالقارات القديمة الثلاث أوروبا التي استمدّت اسمها من الأميرة السورية أخت الملك قدموس التي اختطفها الإله زيوس وأرسل يبحث عنها وتتوسّط آسيا وأفريقيا، والحديث يقاس لخمسين سنة مقبلة وليس لخمس سنوات أو أقلّ وأكثر…
فبناء طريق الحرير والحزام والطريق سيقلب العالم فعلاً وسيغيّر ملامحه كلياّ وقد وصل إلى باكستان ولم يبق سوى إيران التي وقعت الاتفاقيات الاستراتيجية الضخمة مع الصين وجاء رئيسها الجديد إبراهيم رئيسي المنتمي إلى هذه المدرسة في التفكير ولم يبق سوى العراق والشام حيث كلفة المشروع بسيطة جداً مقارنة مع التكلفة في باكستان وجبالها، أيّ لن يتعدّى الأمر شق ألف كيلومتر من الطرق والسكك الحديدية السريعة في البادية المنبسطة السهلة وتصبح موانئ شنغهاي على تواصل مشترك مع موانئ طرطوس وبيروت…
وللدلالة على خطورة الأمر بالنسبة للغرب تكفينا قراءة الموضوع الرئيس لقمة الدول السبعة الكبار والتي اجتمعت مؤخراً في بريطانيا وخلصت لأول مرة في التاريخ الى نتيجة مفادها بضرورة تأليف مشروع مشابه ومناهض لمشروع الحزام والطريق الصيني، وهذا هو المدهش حقاً!
لماذا هو مدهش؟
لأنّ الدول السبع الكبار والمفترض أنها الأكثر تصنيعاً لم تعد الأكثر تصنيعاً، ثم هي دول استعمارية سابقاً وحالياً ولو بطرق أخرى، وهي ولو استثمرت في الدول التي استعمرتها في المدارس والمشافي ولكنها لم ولن يمكن أبداً ان تستثمر في البنى التحتيّة وبخاصة الطرق الضخمة والسكك الواصلة بين الدول. وإن مجرد نظرة خاطفة إلى خريطة تقسيمات الدول الأفريقية المتحاربة على الحدود والأنهار العابرة، لكافية ليكتشف الناظر كمية الإجرام التاريخي الاستعماري في تفتيت هذي الدول، فنظرة إلى خريطة دولة غامبيا التي تشبه دودة شريطية ممتدة ضمن السنغال سيظهر مدى الجريمة المرتكبة استعمارياً في رسم هذه الحدود والتي جاؤوا ليغطوا عليها بكذبة الديمقراطية التي اكتشفها أنطون سعاده في وضعه للأسس العلميّة في نشوء الأمم ومبرّرات تكوينها، وهو التعريف غير المقتصر على أمته سورية فحسب، فغامبيا هي ببساطة دولة سكان ضفتي نهر غامبيا وعليك بالقياس أن تتخيّل لا سمح الله أن يكون لديك دولة سكان ضفتي الفرات بعرض 10 كم ولو استطاع الاستعمار الغربي تحقيق ذلك لفعل…
أما الغرب فهو يقيم الاتحاد الأوروبي الذي تتجوّل بين دوله لشراء مواد من البقاليّة الألمانية وتعود إلى منزلك في هولندا… بينما في المقابل المقيت تستشرس بعض القوى والأحزاب في بلداننا من المؤدلجين جداً في مدارس الاستعمار الغربية في الدفاع عن الحدود ويأتي حراس الحدود لإذلال المواطن وهو يقطع عشرات الأمتار واقفاً في الطوابير أمام قوات الأمن العام والجمارك مقدّماً أوراقه وكأنه يقف أمام قوس محكمة ولا يبق سوى أن يجلب معه المحامي الشخصي ليرافع عنه قبل أن يعبر من سورية إلى لبنان مثلاً…!
لنعد إلى اتحاد الشام…
فاجتماع القادة بين العراق والأردن ومصر تحت هذا المسمّى الذي كان يمكن اتخاذ أيّ اسم آخر له، هو اجتماع الضرورة، وأنا بهذه المناسبة أختلف مع من يسارع إلى تصويب السهام عليه قبل الخوض في الأمر وظروفه وما يمكن أن تتغيّر عليه تلك الضرورة وفقاً لتغيّر الأثقال والأحجام، تماماً كما وصل الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى نتيجة قال هو إنها أتت متأخرة في حزب البعث وصل إليها معه القيادي السابق في حزب البعث عبد الله الأحمد أيضاً، في استنتاج الخطأ الذي مارسه البعثيون في استعداء الاتحاد بين العراق والأردن ولو تحت العرش الهاشمي لأنّ الوضع الجيوسياسي لهذا الامتداد إذا نحا نحو الوحدة فهو لا بد سيأتي إلى الشام ولا بد سينعكس عليها ايجابياً وقد آن لنا أن نعتبر من التاريخ وهو أن التفتيت هو السرطان الأكبر في جسد أمتنا..
مشروع الضرورة الذي يتضح بأنه مدعوم من الغرب لكون الحكومات الثلاثية في العراق والأردن ومصر قريبة من الغرب بأشكال عدة، قد يكون غير بعيد عن مشروع الضرورة لإقامة مشروع طرق وبنى تحتية في العالم تناهض مشروع الحزام والطريق الصيني، وقد تجد دوائر التخطيط وصنع القرار الغربي بأنّ هذا ما يمكن أن يخفف من سرعة اندفاعه إنْ لم يوقفه وبخاصة لإيجاد بدائل بين مصر والعراق عن التداخل الإيراني العراقي ما قد يخفف من خطر امتداد محور المقاومة اقتصادياً، كما يعتقدون.
في فلسفة الأمر نجد أنّ من يسمع لخطابات الأمين العام لحزب الله حول الاقتصاد في لبنان فهو يعد الناس بإمكانية جلب الوقود من إيران مثلاً ويدعو في الوقت نفسه القوى المناهضة له بفعل نفس الشيء مع حلفائهم في نبرة تحمل التحدي كما تحمل التعاطي الإيجابي مع حاجات الناس…
إذن… فما الضير من قيام هذه الشراكة الاقتصادية بين العراق والأردن ومصر والتي لا بدّ انها ستتمتع بعلاقات متوازنة بالضرورة أيضاً وليس عدائية مع إيران كما ستكتمل شراكتها مع الشام ولبنان الذي تسمّى مدينة طرابلس فيه أصلاً طرابلس الشام…
أعتقد أننا جميعاً نريد الشراكة الاقتصادية بين كلّ هذه الدول، وإنّ الغرب الذي احتلّ بلادنا وفتتها وهو لم يعد قادراً على أكثر من ذلك فهو يحاول إيجاد صيغ جديدة لتخفيف خسائره الجيوسياسية في العالم وعلينا الاستفادة من هذا المعطى التاريخي بذكاء وفطنة. وأما الكيانات المستحدثة المصطنعة بدعم تركي في إدلب وجرابلس والباب أو في شمال شرق سورية وغيرها من الأحلام في جنوبها في درعا والسويداء على نسق قسد ومسد، فلا حياة مستقبلية لها البتة…
الخرائط يرسمها الكبار، والتوجهات اتضحت،
مشروعان فقط في العالم، يتصارعان، مشروع صيني صاعد معه شرق آسيا وروسيا وإيران بأشكال مختلفة، ومشروع غربي مهيمن على العالم لكنه متراجع ويبغي تخفيف سرعة تراجعه. وعمر الخرائط العالمية يقاس بعقود السنين وليس بالسنوات والأشهر، والكاسب هو مَن يعي ويصبر ويستعدّ للآتي فيقود بين المشروعين المتطاحنين على أرضنا على قاعدة جلب المصالح نحو مصلحة سورية الشام الحقيقية ليقدم الجميع قرابينه وليس سكاكينه…