محمد بن سلمان والطريق الموصدة إلى أوروبا… رؤية جديدة
} د. حسن مرهج
كثيرة هي الممارسات المُنافية لكل المعايير الإنسانية، التي يقوم بها النظام السعودي، وولي العهد محمد بن سلمان، إذ لا يكاد يخبو تقرير حقوقي يُدين ابن سلمان ونظامه، حتى يخرج للعلن تقرير أكثر فظاعة وقتامة من سابقه، حتى باتت السعودية في عيون المراقبين، الدولة الديكتاتورية الأولى في العالم العربي، وهنا لا ننكر بأنّ الكثير من الدول الإقليمية، تلجأ لبعض السياسات القمعية، لكن لا يُمكن مقارنتها بما ينتهجه النظام السعودي، وصحيح أنّ غالبية الدول العربية، لديها سياسات تقييد الحريات، وتكميم الأفواه، لكن الحالة السياسية لتلك الدول مرتبطة بأجندات أميركية تسعى لشرذمة الأوطان، وتقطيع أوصالها، وبالتالي تبدو تلك السياسات متوافقة مع هذا النهج، لضرورات واعتبارات أمنية، مع التأكيد بأنّ اليوم تتمتع الكثير من الدول العربية لا سيما سورية مثلاً، بهامش حريات مختلف عن الفترة السابقة، وهذا ما نلاحظه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، شريطة أن لا يُهدّد أمن البلاد.
في هذا المقام، لا نُبرّر بعض الممارسات السلطوية الرامية لتقييد الحريات، لكن المرحلة التي وصلت لها السعودية، تكاد تكون علامة فارقة، لا مثيل لها في دول العالم العربي، وبصرف النظر عن توجهات الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لكن جراء آرائه السياسية ضد النظام السعودي، قُطعت جثته في قنصلية بلاده في اسطنبول، الأمر الذي أماط اللثام عن الوجه الحقيقي للمملكة السعودية، وبات مشهد المنشار الذي قطع جثة خاشقجي، رمزاً للإرهاب السعودي.
عطفاً على ما سبق، فإنّ السياسات السعودية والتي تتمتع بصبغة إرهابية، لم تعد مؤطرة في السياسات الخارجية لولي العهد ابن سلمان، بل انعكست تلك السياسات على الداخل السعودي، والذي بات كالنار تحت الرماد، نتيجة سياسات القمع وتكميم الأفواه، ومطاردة المعارضين وقتلهم سواء أكانوا في السعودية أو خارجها، والأمثلة في هذا الإطار كثيرة لا يُمكن الإحاطة بها، نتيجة لذلك، فقد كشفت مواقع إخبارية، نقلاً عن مصدر دبلوماسي غربي، رفض دول أوروبيّة عدة استقبال ابن سلمان على أراضيها، ربما بسبب إصرار الأخير على الاستمرار بنهج الاعتقالات التعسفيّة والانتهاكات ضد النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، حيث لم تترك المنظمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان، كلمة تنديد إلا واستخدمتها في بياناتها المتعلقة بحقوق الإنسان وحريّة الرأي والتعبير في المملكة، وقد ملّت المنظمات الدوليّة من كثرة ما انتقدت السلوك القمعيّ لولي العهد الذي يوجّه أجهزته الأمنيّة بشكل مباشر لتنفيذ حملاتها ضد المواطنين.
طريق ابن سلمان إلى القارة العجوز باتت موصدة، والأكثر من ذلك، أنّ ابن سلمان يواجه عزلة دولية جُملة وتفصيلاً، والأخير يدفع السعودية نحو الهاوية نتيجة سياساته الصبيانية الانفعالية، والتي لا تتناسب ونهج زعيم الدولة، فالسياسات المفضوحة دولياً لإبن سلمان، والتي ترتكز على محاولة تلميع الصورة الدموية، والتي ارتبطت به، إنما هي محاولات فاشلة، لا يُمكن أن تكون جواز سفر إلى الدول الأوربية، في هذا الإطار، ويشير مصدر دبلوماسي، إلى أن سفارات السعودية في بريطانيا وفرنسا ودول أوروبيّة أُخرى، سعت منذ أسابيع لترتيب زيارة رسمية لولي العهد إلى تلك الدول، لكن الحكومات الأوروبية رفضت بشدة استقبال ابن سلمان في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب، وخاصة بعد سلسلة الإجرام المتواصلة التي يرتكبها حكام السعودية.
انعدام الحقوق السياسية والمدنية في السعودية، وتحديداً منذ تولي محمد بن سلمان، ولاية العهد، يضع السعودية وحُكامها في بوتقة التساؤلات والهواجس الأوروبية، ولعلّ جرائم السعودية في اليمن، والتي كُشفت عبر تقارير أوروبية، لم تُفلح كل المشاريع والفعاليات وحتى نهج التحرر الجديد في السعودية، من التغطية على تلك التقارير، وحتى على المستوى الداخلي، فإن كل المحاولات لترميم المشهد الحقوقي والإنساني، باءت بالفشل، والدليل الذي يُساق في هذا الإطار، على أن السعودية فشلت في تلميع سجلها الحقوقي، هو غرضها الأساس من كل الفعاليات التي تقوم بها، هو رفض عدد من المشاهير والأشخاص المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي السفر إلى الرياض، بسبب سجلها الحقوقي المريع، ويجد محمد بن سلمان نفسه معزولاً في ظلّ ما يتعرّض له من مقاطعة دولية تتزايد حدتها مؤخراً على خلفية فضائحه وملاحقته قضائياً في المحاكم الأجنبيّة ما جعله منعزلاً أكثر من أي وقت مضى.
حقيقة الأمر، أنّ ابن سلمان يحتاج إلى الكثير من الإجراءات الجدية لتلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطية على الصورة الحقيقيّة التي طبعها في الأذهان الدولية، وإن خلق “صورة إيجابيّة” للمملكة على الصعيد الدوليّ أمر صعب للغاية، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدموي الذي يتبعه حكام المملكة للبقاء في سدة الحكم، وبالتالي فقد باتت العلاقة الأوروبية مع السعودية وإبن سلمان، عاراً كبيراً في ظل الاستمرار بنهج الإجرام والاعتقالات والانتهاكات ضدّ النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، وعليه، فإنّ الرؤية الجديدة للفترة العجوز تُجاه أبن سلمان، ترتبط بالتأثيرات السلبية التي من الممكن أن تنعكس على الحكومات الأوروبية من قبل الشعوب، وأمام المنظمات الحقوقية والإنسانية.