لماذا تخسر مصر معاركها… ومَنْ يورِّطها في الرهانات الخاطئة؟
ناصر قنديل
– خلال تسلُّم الإخوان المسلمين الحكم في مصر، شكّل الجيش المصري الضامن لموقع مصر الاستراتيجي في ملفات المنطقة، وقام جهاز المخابرات العامة في الجيش برسم وتحديد المخاطر، وكانت الأولوية لما وصفه بالخطر على الأمن القوميّ الذي يمثله الإرهاب المدعوم من تركيا في سورية، وبدأت الرسائل التي تصل الى دمشق تشدّ على أيدي الجيش السوري للصمود واعتبار أن مصير المنطقة واستقرار ساحاتها، خصوصاً مصر، سيتقرّر من سورية وقدرتها على الصمود بوجه المشروع التركي الداعم للإرهاب، وانتبه المعنيون في الجيش المصري ومخابراته الى خطورة الدور الإثيوبي المدعوم من كيان الاحتلال وعدد من دول الخليج برعاية واشنطن لإضعاف مكانة مصر وابتزازها انطلاقاً من مكانة نهر النيل في حياتها واستقرارها. ووضع الجيش المصري معادلة للتعامل مع المقاومة في غزة تبدأ من عدم تورطها في المواجهة القائمة والتي ستقوم بين الجيش والأخوان في مصر، وعندما انتهى المشهد الإخواني في الحكم، وأعيد تركيب مؤسسات الدولة، تراجع الجيش وتراجعت المخابرات، لصالح وزارة الخارجية، ووزيرها سامح شكري الآتي من سفارة مصر في واشنطن، بعدما أمضى فيها أربع سنوات.
– خلال تسع سنوات تغير كل شيء، فبدأت العلاقة التركية المصرية تحت الطاولة قبل أن تظهر إلى العلن في حوارات تتبنّاها وزارة الخارجية لتطبيع العلاقات، ويتحفظ عليها الجيش والمخابرات، وخرج خطاب مصريّ حول سورية يتطابق مع الخطاب الأميركي، والقطري. فالقضية لم تعد بالخطر الذي تمثله الأطماع التركية ولا بالإرهاب، بل بمطالبة الدولة السورية باستيعاب الجماعات الإرهابية ضمن الدولة تحت شعار الحل السياسي، وتسليم برعاية تركيا لمسميات المعارضة السورية المشاركة في الحوار وإحباط المحاولات الروسية لفرض مصر شريكاً في هذه الرعاية، ومحاولتها حجز مقعد لمصر في مسار أستانة، والمعارضة التي ترعاها تركيا هي فرع الإخوان المسلمين وامتدادات جبهة النصرة، وبدأ التهاون مع الوقائع التي تصل لجهاز المخابرات المصري عن تقدّم بناء سد النهضة ومخاطره على مصر، وتمّ تسويق رهان عنوانه أن واشنطن لن تترك مصر ولن تتهاون مع إثيوبيا، وأن العلاقات الإثيوبية بكيان الاحتلال يتم احتواؤها عبر تطوير علاقة القاهرة بتل أبيب، وجاءت المصالحة القطرية مع السعودية والإمارات ومصر بتشجيع من وزارة الخارجية المصرية لواشنطن، لتفتح الباب لتنسيق قطري مصري دبلوماسي عنوانه إحباط تعاون روسي سعودي حول سورية، خصوصاً بعد وصول إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الى البيت الأبيض، وتأزم علاقاته بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي تستغرب أوساط قريبة منه دور وزير الخارجية المصرية في التعامل مع ملف عودة سورية الى الجامعة العربيّة.
– قادت وزارة الخارجية المصرية مشروعين كبيرين خلال السنوات الأخيرة، الأول مشروع أنبوب غاز مشترك مع كيان الاحتلال، منحه وزير الخارجية الأميركية السابق مايك بومبيو رعايته في مواجهة مفترضة مع روسيا في أوروبا، رغم كل التركيز الروسيّ على تحسين التعاون مع مصر، في مجالات عديدة تقع خارج نطاق تأثير الدبلوماسية المصرية، ويمسك بها الجيش، أما المشروع الثاني فهو ما سُمّي بحلف الشام الجديد الذي يضم مصر والأردن والعراق، برعاية أميركية عبرت بين إدارتي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وإدارة الرئيس الجديد جو بايدن، وليس خافياً أن المشروع الذي يستبعد الشام الحقيقية ويستخدم اسمها، يستهدف بناء عازل مزدوج، من جهة بين دول التطبيع في الخليج وجبهات المواجهة مع كيان الاحتلال، ومن جهة بين جبهات المواجهة وإيران، وذلك بمشاريع تقوم على محاولة تعويض مصر خسائرها المتوقعة من قناة السويس عندما يضخّ النفط الخليجي على المتوسط من موانئ الكيان، وتولي هذه الموانئ استقبال البضائع الأوروبية الذاهبة إلى الخليج، والتعويض عراقي بشراء الغاز والكهرباء من مصر، وحصة الأردن كممر للشبكات والأنابيب، كما لقوافل التطبيع، عبر عائدات المرور لتحصينه بوجه انفجار سيتسبب به التطبيع في البلد الذي تتشكل النسبة الغالبة من سكانه من اللاجئين الفلسطينيين وذوي الأصول الفلسطينية، ويحمل سكانه الأصليون هوية قومية متجذّرة في تمسكها بالقضية الفلسطينية، بينما يهدف المشروع إلى تأمين بديل عن الغاز والكهرباء الإيرانيين للعراق لفصله عنها، وتشكيل حزام يحاصر سورية بعد عزلها عن إيران، من حدودها مع كل من العراق والأردن حيث ترابط قوات أميركيّة، والهدف توفير مناخ اقتصادي ضاغط على سورية لفرض شروط التفاوض الأميركية عليها.
– في حصيلة السياسات كانت مصر تخسر، فالرهان على دور واشنطن وتل أبيب في وضع حد للتقدم الأثيوبي في مسار سد النهضة باء بفشل ذريع، ويشعر الجيش المصري أنه بات معنياً والاستعداد للأسوا بسبب فشل الدبلوماسيّة، وفي المسار التركي المصري أرباح من طرف واحد، على الضفة التركية، بينما مصر لم تنل ما وعدت به دبلوماسيتها بوقف التدخلات التركية في ليبيا، التي توصف بالخاصرة المصريّة الرخوة، والرهان على العراق يواجه معادلات أكبر من التلاعب بالكلمات أن يغيرها، فقد ظهرت قوى المقاومة كلاعب حاسم في العراق، وباتت اولوية الانسحاب الأميركي على الطاولة، ومعها مصير كل المشاريع التي يسوقها الأميركي، ومنها مشروع الشام الجديد. وفي الملف الفلسطيني تحوّلت الدبلوماسية المصرية الى مجرد امتداد لتسويق الوساطة القطرية، التي عادت إلى الواجهة بسبب تراخي الدبلوماسية المصرية، بعدما كانت المخابرات المصرية قد فرضت حضوراً مختلفاً حتى في أيام حكم الأخوان المسلمين.
– تبقى بوصلة القياس لتحرك مواقف مصر، كيفية تعاملها مع الوضع في سورية، كما كان يقول الضباط المصريون في فترة حكم الأخوان.