أولى

قمة الشام الجديد ومشاريع الوحدة الزائفة

 سعادة مصطفى أرشيد _

تمّ تقسيم الهلال الخصيب عام 1916 إلى دويلات، بين الإنجليز والفرنسيين باتفاقية سايكس – بيكو، وعملت تلك القوى الاستعمارية المهيمنة في ذلك الوقت، على إقامة وطن لليهود الأوروبيين (الاشكناز)، في فلسطين (إسرائيل)، ومن وظائف هذا الكيان الغريب منع التواصل بين الهلال الخصيب ومصر، ولتمثل (إسرائيل) عامل عدم استقرار في المحيط القوميّ وتحول دون وحدته، من أجل ذلك عملت القوى الاستعمارية على خلق طبقات طفيلية ذات هويات زائفة تتناقض مصالحها وانتماءاتها مع واقعها القومي وتعمل في خدمة أعدائها. في مراحل لاحقة، استكمل الانجليز مشروعهم لتكريس التجزئة، بالاحتيال على مشاريع الوحدة وذلك بخلق مشاريع وحدة مزيفة كان أشهرها إقامة جامعة الدول العربية عام 1945، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عملت هذه المنظمة، الجامعة، على الحؤول دون أي وحدة حقيقية، ومارست دورها القذر في استجلاب التدخل الأجنبي في العراق واليمن وليبيا. وإذا كانت تلك المشاريع قد أقيمت بإرادات أجنبية لتحقيق مصالح أجنبية على حساب المصلحة القوميّة، فإن مشروع الشام الجديد قد تسرّب عام 2014، من غرف البنك الدولي السوداء (الذي أطلق عليه مؤخراً لقب القاتل الاقتصادي)، اشتمل المشروع في حينه على كامل سوراقيا ومعها مصر وتركيا، بالطبع لتنضمّ إليها لاحقا (إسرائيل)، وانضمام (إسرائيل) هو أحد ركنين للمشروع، وركنه الثاني هو بناء تحالف إقليمي سني – عربي – تركي في مواجهة إيران الفارسية – الشيعية. لكن المشروع لم يجد طريقة للتنفيذ إلا عندما تعاظمت أزمات أطرافه الثلاثة التي تشكل منها، وها هو يعقد قمته الرابعة في بغداد، وللتذكير فإنّ قمتة الثانية عقدت في واشنطن، يقوم المشروع ظاهرياً على التعاون الاقتصادي بين الشركاء فيه، الأردن الذي نعم لسنوات طوال في أيامه الجميلة – أيام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ببترول مجاني أو يكاد، يريد الحصول على هذه النعمة من جديد، بشراء البترول العراقي بأسعار تفضيلية متهاودة، والاستفادة من عبور خط بترول جديد يصل الخليج العقبة ومنها إلى السوق العالمي ومصر، مقابل الخط السعودي – الخليجي، الذي يوصل بترولهم إلى السوق العالمي من جنوب العقبة كما إلى (إسرائيل) دون المرور بالأراضي الأردنية المصرية، حارماً الدولتين من أية مكاسب أو أرباح، وتقوم الأردن بتزويد العراق بالكهرباء التي يحصل عليها العراق اليوم من إيران، إضافة إلى استدراج رؤوس أموال واستثمارات إلى العراق، بوساطة وكفالة من الأردن ومصر، وإيجاد سوق للعمالة المصرية التي تمرّ في حالة كساد، وفي قول لمسؤول عراقي أنّ اتحاد الشام الجديد، يستهدف استثمار طاقات تمتلكها البلدان الثلاثة بشكل تكاملي، العراق يملك النفط ومصر الطاقات البشرية، فيما الأردن بموقعه الاستراتيجي يمثل نقطة الوصل، وأن ذلك في حال تحققه يمنح كلّاً من العراق ومصر القدرة على لعب الأدوار الإقليمية التي كانت تمتلكانها في زمن قريب. يحمل هذا الاتحاد الجديد بعض ملامح مجلس التعاون الخليجي، فكلاهما ذو ارتباط وثيق بالولايات المتحدة والغرب، ولكن مجلس التعاون الخليجي كان نادياً للأغنياء بترولاً ومالاً، أهّله ثراؤه لأن يلعب أدواراً إقليمية، ولو على طريقة الكومبارس نيابة عن مشغليه وضامني بقائه في الغرب، في حين يملك اتحاد الشام مصادر قوة بشرية وحضارية سبق لها أن أهّلته لأن يكون قائداً ورائداً لا في الإقليم فحسب وإنما على مستوى أفريقيا وغرب آسيا والعالم الثالث، ولكنها نتيجة لضغوط البقاء السياسي للأنظمة تآكل أمنها القوميّ وأخذت تلهث في تأمين الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة لشعوبها، وازدادت حاجتها وتبعيتها لدول المجلس الخليجي، التي وصل بها الأمر مؤخراً إلى حالة التطبيع السياسي والأمني مع «إسرائيل» التي أخذت ترى بها حاميًا إقليمياً في مواجهة إيران. في مصر، سادت فلسفة السياسة العاجلة وضرورات البقاء السياسي للحاكم، على مستلزمات البقاء القوميّ والأمن الاستراتيجيّ فقايضت هذا بذاك، وذلك عندما وقعت مع إثيوبيا اتفاقها المائي عام 2015، وذلك بأن تموت أمّ الدنيا (مصر) عطشاً مقابل أن تدعم إثيوبيا النظام في الاتحاد الأفريقي، وتحول دون مقاطعته اثر انقلابه على الانتخابات، النتيجة كانت أن أسرعت إثيوبيا في عملية بناء سد النهضة، وفي حين تردّدت مؤسسات مالية دولية عملاقة في الاستثمار بتمويله، أقدمت مؤسسات مصرفية ومالية ربوية في مصر على شراء سندات لتمويله، تحت سمع وبصر الأمن المصري القوي، ولحقت بها بيوتات مالية خليجية وخبرات (إسرائيلية)، يتبجّح رئيس دائرة الهندسة في وزارة الدفاع الإثيوبية، أنّ السدّ قد قام وعمليات ملئه مستمرة، وأن لا أحد يستطيع إيذاءه بسبب نوع الخرسانة وكميات الحديد المستعملة، إضافة إلى المنظومات الدفاعية التي تحيط به، ويوم الاثنين الماضي، صرّح مسؤول أميركي أنّ بلاده لن تسمح بموت مصر والسودان عطشاً، بالطبع ذلك لم يكن بالمجان، وإنما لكل شيء ثمنه، إذ سرعان ما أعلنت الخرطوم عن قرارها بتسليم مطلوبي دارفور للمحكمة الجنائية الدولية، وهؤلاء هم من قاتل ودافع عن السودان ووحدة أراضيه أمام المشاريع الانفصاليّة، وقد وصل تهافت الوضع المصري – السوداني لدرجة أنهم يقفون عاجزين أمام جوبا (دولة جنوب السودان) التي تعلن عن رغبتها بإقامة سد كبير يحتجز مياه النيل الأبيض الآتي من بحيرة فيكتوريا مكملة الإطباق المائيّ على حوض النيل التاريخي.

العراق بدوره، مهد الحضارات قديماً، والقوة القومية والإقليمية الأكبر حديثاً، كما مصر يعاني من تقديم مصالح الحاكم على ضرورات الأمن القومي، يعيش حالة تشظي متعددة الأشكال منها الاثني والطائفي، ومحاولات الانفصال الكردي، فيما يعصف بثرواته فساد فاق الخيال، مهدّد بالعطش إثر بناء السدود التركية والإيرانية، كما مصر، فيما الكاظمي يرى أنّ بقاءه وفساده مرتبط بالخروج من العباءة الإيرانية، والدخول بشكل كامل إلى رحاب العباءة الأميركية، والعثور على مصادر كهرباء بديلة للمصدر الإيراني، لكن حتى المشغل الأميركي لم يبد الحدّ الأدنى من الاحترام لقمة الشام الجديد، فما أن وقع البيان الختامي وقبل أن يغادر الضيوف بغداد كانت الضربات الجوية الأميركية تستهدف مواقع عراقية على الحدود السورية العراقية.

الأردن، الفقير الذي يعاني من المؤامرات الداخلية والمدعومة من اخوته الأعداء، يعاني اقتصادياً ويعاني سياسياً، ويجد نفسه أمام خيارات كلّ منها صعب وخطير، ووجد في هذا المشروع والدخول في نادي الفقراء والمهمّشين، الطريق الوحيد لكسب الوقت، إلى أن يجد حلاً أو يختار طريقاً أو تحدث معجزة. لا يمكن النظر لهذا المشروع بعين مطمئنة، بل إن الارتياب به هو السيد السائد وذلك في حال نجاحه، ولكن ما قد يطمئن بعض الشيء انه في غالب الأمر سينهار سريعاً، مثله كمثل مشاريع الوحدة الزائفة والتي من وظائفها أن تحول دون الوحدة الحقيقيّة.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى