استدعاءات القاضي طارق بيطار.. والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء
ناصر قنديل
– بخلاف الاستدعاءات التي أصدرها سلفه المحقق العدلي فادي صوان، تمكنت الاستدعاءات الصادرة عن المحقق العدلي القاضي طارق بيطار من تشكيل مناخ سمح لها بإحداث اختراق في جدار التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت، بمعزل عن الآراء المختلفة بدرجة مسؤولية كل من الأسماء الواردة في الاستدعاءات، حيث يملك كل فريق مطالعة لتبرئة شخصية أو أكثر من الأسماء المعنية.
– من المعلوم أن الاستدعاءات لا تعني اتهاماً نهائياً، يفترض أنه سيتمذ عبر القرار الاتهامي الذي يصدره المحقق العدلي في نهاية تحقيقاته، ويمكن القول إن لائحة مختلفة عن لائحة الاستدعاءات هي التي ستصدر في القرار الاتهامي، خصوصاً أن المعلومات تتحدّث عن لوائح استدعاءات أخرى ستلحق بلائحة الأمس.
– إذا سارت الأمور كما يرغب المحقق العدلي، بأن يتاح له الاستماع للذين وجه لهم الاتهامات، أي بأن ترفع الحصانات النيابية خصوصاً، أن يرتضي رئيس حكومة تصريف الأعمال المثول أمامه، وهذان أمران غير مؤكد حصولهما، رغم إعلان نواب معنيين بجاهزيّتهم للمثول أمامه من دون رفع الحصانة، والمثول هنا لا يعني أكثر من الإدلاء بمعلومات، ولا يبدو أن هذا ما يريده المحقق العدلي، من دون أن ننسى أن المحقق العدلي يستدعي النواب بصفتهم الوزاريّة بتبعة ما قاموا بهم في سياق ممارستهم لوظيفتهم، ما يفترض أنه يقع ضمن صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
– المسألة هي في الإجابة عن سؤال دستوريّ مرتقب من مجلس النواب، هل صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، تبدأ من الاتهام وتطال التحقيق ثم الادعاء والمحاكمة، أم أن هذه الصلاحيّة لا تتعارض مع قيام المحقق العدلي بالتحقيق والادعاء، على أن تنحصر صلاحية المجلس بالمحاكمة.
– خلط الأوراق الذي أحدثته استدعاءات المحقق العدلي لم تطلها اتهامات سياسية كما حدث مع القاضي فادي صوان، لكن المحطة الفاصلة ستكون في الأيام المقبلة التي ستكون ساخنة في هذا الملف وستسجل سابقة تحكم ما يليها في أي ملفات قضائيّة تتصل بمواقع تستفيد من الحصانات الدستورية، خصوصاً أن القضاء قد أصيب بشظايا السياسة بدرجة تجعل التوجس القائم من تعامل السياسيين مع مسؤولياتهم، ومحاولتهم التفلت من أية مساءلة، يطال التعامل مع ما يصدر عن القضاء والتساؤل عما إذا كانت اعتباراته قضائيّة صرفة.
– القضية ليست فقط في كشف حقيقة الانفجار، رغم أهميتها الراهنة، بل بما هو أبعد، لجهة توازن العلاقة بين المؤسسات، الدستورية والقضائية، بعد طغيان السياسة على معادلة هذه العلاقة سنوات، جعلت القضاء تابعاً سياسياً بنظر اللبنانيين، من جهة، ومن جهة موازية خشية من طغيان معاكس تحرّكه سياسة أخرى، يراد له أن يعوّض ضعفاً لبعض مواقع التأثير الداخلية والخارجية في السياسة، كما كان مضمون الاتهام المتداول بعد صدور استدعاءات القاضي صوان.
– تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وتكوين النيابة العامة فيه، وفقاً للنص القانوني، يبدأ بتشكيل هيئته التي تضمّ سبعة نواب تم انتخابهم، وثمانية قضاة هم الأعلى رتبة بين القضاة، ويترأسه أعلى القضاة رتبة، وهو في حالتنا رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي يفترض أن يترأس المجلس العدلي الذي ستتم محاكمة من يتهمهم المحقق العدلي في قراره الإتهامي في نهاية التحقيق، لكن المجلس لا يتشكل عملياً إلا إذا أدى بكامل أعضائه القسم أمام الهيئة العامة لمجلس النواب، وانعقد بعدها برئاسة رئيسه، رئيس مجلس القضاء الأعلى، وربما يكون إنجاز ذلك سريعاً مطلوباً قبل البتّ بطلبات رفع الحصانة، لتحقيق توازن في الصورة بين الإطارين القضائيين للمجلس العدلي ومجلس محكامة الرؤساء والوزراء.