أيها اللبنانيون خلاصكم بأيديكم٠٠٠ اطردوا لصوص الهيكل
} علي بدر الدين
يُحكى أنّ “تيسا دخل غرفة، كانت فيها العائلة تتناول العشاء، فطلب الأب من ابنه الأكبر حمدان أن يطرد التيس ويربطه، خشية أن ينطح أحداً ويفسد العشاء، فاستجاب حمدان على الفور، وفي قيامه ضرب رأسه باللمبة فكسرها، ثم داس على المائدة فانقلب بعض الطعام، فقفز حمدان محاولاً تفادي المزيد من الخسائر، فإذا برجله اليمنى تدوس بطن أبيه، واليسرى تصيب جبهته، فتألم الأب وصرخ في أولاده بصوت عالي النبرة وقال لهم: اتركوا التيس واربطوا حمدان، لأنّ ضرره فاق نطحة التيس، ويكفي ما أصابنا من تدخله”٠
هذا هو حال الشعب اللبناني المسكين مع الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، التي كلما تدخلت في أمر ما أفسدته وزادت من خسائره، وبدلاً من التكحيل تعمي الأبصار والبصائر وتزرع الخراب وتطيح بالأحلام والآمال وبحاضر الشعب ومستقبله، بل بمصيره كله، وتداعيات تدخلها ونتائجه الكارثية باتت مكشوفة ومعلومة بالأدلة والوقائع.
التجارب والأزمات والمآزق والمآسي التي حلت بالشعب واستوطنت الوطن هي أكثر من أن تعد وتحصى على مدى عقود من حكم هذه الطبقة وتحكمها وتسلطها واستبدادها الذي لا نهاية قريبة له٠ على ما يبدو، لا حل، ولا بدائل أمام اللبنانيين، إلا بطرد رموزها ومكوناتها من الهيكل، وإنزالهم عن عروشهم وأبراجهم المحصنة بالمربعات الأمنية والمدشمة بالأزلام “القبضايات” الحرصاء والخلصاء جداً لأولياء نعمتهم، بعيداً عن الوطن والدولة والسلطة والشعب والمؤسسات، أو بإسقاط العلة الأساس المتمثلة بالنظام السياسي الطائفي المذهبي السلطوي والتحاصصي، الذي ولدت هذه الطبقة من رحمه المشوه، ونمت على مخلفاته، وترعرع فسادها وتكاثر جشعها وتضخم احتكارها في أحضانه الملوثة، وبتدمير هيكله على الرؤوس الحامية والمفخخة، وعقولها الممنهجة على النهب والتحاصص وإذلال شعبها وقهره وحرمانه من أبسط حقوقه، كإنسان ومواطن، وهي متقوقعة في شرانق مصالحها، وساديتها وحبها لذاتها والأنا التي تلزمها كظلها، ومن بعدها لا “ينبت حشيش ولا أحد يعيش”٠
آخر “إنجازات” هذه الطبقة وسلطتها الحاكمة، إقرارها البطاقة التمويلية التي تفاخر فيها، وكأنها حققت مطلباً أو حلماً للشعب، كأنه المنقذ المعول عليه الذي طال انتظاره، مع أنه لا يزال مجرد قرار وحبر على الورق، لا قيمة له ولا معنى ولا فائدة مرجوة، وهي تتعاطى معه باستخفاف وعشوائية، أو تحول إلى عبء عليها وجب عليها رمي حمولته على الشعب، ليتلهى به وتشتري منه وقتاً إضافياً لإسكاته، ولا يعدو كونه مجرد جرعة تخدير، أو حتى رشوة انتخابية، ولبنان على بعد أشهر من الانتخابات النيابية، إذا ما كتب لها أن تحصل في موعدها المحدّد، في ظلّ ما يحكى عن تمديد غير معلن لمجلس النواب الحالي، بذريعة التأزم الحاصل على كل المستويات، وتفاقم الأوضاع التي ستشهد فصولاً أخرى تنذر بالشر المستطير والخطر الداهم.
وليس غريباً على هذه السلطة وكعادتها، أن تلجأ إلى ألاعيبها وأساليبها الملتوية والمغشوشة، عند كل استحقاق انتخابي، تكون فيه في مواجهة مع الشعب وتتحول بقدرة قادر إلى حمل وديع، لتجير صوته لها في صناديق الاقتراع٠
هذا الاستحقاق أيضاً هو فرصة متاحة لهذا الشعب ليقول كلمته الفصل لينتقم من الذين سلخوا جلده وطوّعوه لخدمة مصالحهم وركعوه وأذلوه وأفقروه وجوعوه في كل المحطات والقطاعات والمرافق الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية٠
أي فائدة متوقعة من هذه البطاقة التي لا تزال أسرارها مخبأة ومقفل عليها بإحكام، ولم يعرف بعد المحظي بنيلها والتمتع بقيمتها الشرائية الهابطة، إذا ما دخلت حيز التنفيذ، وكل يوم تتآكل قيمة العملة الوطنية، وتتفلت الأسعار من كل الضوابط، حتى بلغت حداً غير مسبوق، وكسرت ظهور المواطنين وأغرقتهم في الفقر والقلة والجوع؟ كيف لهذه البطاقة أن تسلك وتتحقق الغاية من إقرارها، ولم تحدّد الشروط المطلوبة للاستفادة منها، ومن هي الشرائح الاجتماعية المعنية، ومن أين سيتم تمويلها؟ لم تبدأ هذه السلطة الغشاشة بأي إجراء ميداني يسهل بل يعجل من إمرارها، خاصة أن الوقت يعبر قاسياً وصعباً على الناس، والجوع يضرب كلّ عائلة فقيرة أو في طريقها للدخول إلى جهنم الفقر والعوز والحاجة من دون هوادة أو رحمة.
يخطئ اللبنانيين كثيراً، إذا صدقوا السلطة السياسية والمالية الحاكمة، أو وثقوا مرة جديدة بقراراتها ووعودها، والخطأ الأكبر الذي لا يغتفر، إذا ما راهنوا على هذه البطاقة التي لا تغني ولا تسمن ولا تطعم جائعاً ولا تعالج مريضاً ولا تؤمن تعليماً، ولا ترفع من كرامات أهدرت على الطرقات، ولا تؤمن الوقود ولا الدواء ولا الرغيف المهدّد كحلقة جديدة من حلقات التجويع والإذلال والحرمان، ولن تكون البديل المنتظر لوقف الهجرة من البلد ولا للقضاء على البطالة المتفشية وانعدام فرص العمل.
أيها الشعب اللبناني العظيم، المشكلة الأساس، ليست في إقرار البطاقة، وليست في وجودها أو عدمه، وعليك أن تعلم وتتعلم من سلوك هذه السلطة التي أغرقتك في وحولها وأفقرتك وجوعتك وأذلتك وأهانتك وسطت على المال العام والخاص ولا تزال، فإياك أن تركض خلف سراب الوعود الكاذبة والقرارات الصادرة والمجيرة في نهاية الأمر لصالح من حولك إلى مجرد متراس لحمايته وإعادة نتاجه ليبقى حاكماً عليك، ومتحكما بك وبمقدرات الوطن والدولة، وإذا صدقت السلطة وهي بالطبع لن تصدق، ونلت البطاقة الموعودة الملغومة، فهي لن تكون إلا لمرة واحدة ولأجل محدّد ولسبب انتخابي، وفوق ذلك هي من حقك ومن مالك وعلى حساب فقرك وجوعك ومرضك.
من حقك أيها الشعب أن تسأل، لماذا إصرار الحكام على عدم تأليف الحكومة، وأين أصبح التدقيق الجنائي ورفع السرية المصرفية والإثراء غير المشروع والكابيتال كونترول؟
أين أصبحت أموال المودعين في المصارف من اللبنانيين المقيمين والمغتربين، ولماذا استمرار طوابير الذل على محطات الوقود رغم رفع الأسعار؟ أين أصبحت قرارات مصرف لبنان وتعاميمه وقرارته التي وعد بها مراراً وتكراراً لوقف تدهور العملة الوطنية في مواجهة تحليق سعر صرف الدولار، وماذا فعلت السلطة الشريكة والمتواطئة لتقويض أسس محتكري وتجار الجشع والطمع الذين يخبئون الدواء والمستلزمات الطبية والطحين وحليب الأطفال وغيرها؟
هذا قليل من كثير ارتكبته العهود والحكومات والسلطات المتعاقبة، من دون محاسبة أو معاقبة أي فاسد أو مرتكب، لأن الكلّ يغطي الكل، ولأن نوافذ الجميع من زجاج٠
الفعل الوحيد المطلوب اليوم قبل الغد، هو تطهير الهيكل من لصوصه وطردهم منه، قبل استفحال الخسائر والقضاء على الشعب بكامله، لأنهم ليسوا مؤهلين لحمايتكم وإدارة شؤونكم، خاصة أن الأوضاع على الصعد كافة تزداد سوءاً وتفاقماً وخطراً داهماً وقد يبقى مقيماً إلى الأبد٠
عندها لا ينفع ندم ولا أسف ولا حزن٠