مناورة الأميركيّ بداعش من الدوحة حتى البلطيق
محمد صادق الحسيني
بعد سحبهم منظومات الدفاع الجويّ من السعودية وغيرها من دول الخليج الفارسيّ… تقول الأنباء الواردة من الدوحة إن الاميركيين قاموا في الأسابيع القليلة الماضية وصولاً الى بداية الشهر الحالي بإخلاء قاعدة السيليّة الضخمة هناك، ونقل معداتها الأساسية الى شمال غرب الاردن.
متابعون يقولون إنّ وجهة هذا الانسحاب هي ميناء حيفا ومن ثم الأراضي الأميركية باعتبار أن الخطة هي الانسحاب الشامل للقوات الأميركيّة من المنطقة، وإن كان ثمة من يقول انها قد تستخدم في إطار الدفاع عن الكيان الصهيوني الذي بات مهدداً بالزوال في أية حرب مقبلة، لكن ذلك ضعيف في ظل احجام الاميركي الجديد عن الدخول في حروب كبرى حتى لو كانت دفاعاً عن ربيبته..!
والمعروف أن السيلية كانت تضم مئات الدبابات والعربات المدرعة، إضافة الى معدات ثقيلة اخرى كانت واشنطن تخزنها في القاعدة المذكورة بمثابة مقر ارتكاز لوجيستي لقواتها، مقابل أي هجوم محتمل، غالباً ما يُقصد به إيران البتة.
من جانب آخر قامت واشنطن كما تقول التقارير الواردة من كابول والدوحة بنقل نحو ٥٠ ألف شخص بين مترجم ومرشد مع عائلاتهم ممن كانوا يعملون مع القوات الأميركية المحتلة قبل إتمام انسحابها، الى الدوحة، وهم الذين باتوا بمثابة العديد المطلوبين ليعملوا في إطار ما يسميه الأميركيون بـ «مكتب التنسيق» التابع للقيادة الوسطى والذي مقرّه قاعدة العيديد في الدوحة.
المصادر المتابعة لعمليات أميركا للمناورة بقوات داعش الإرهابية منذ هزيمتها على يد الجنرال قاسم سليماني في كل من العراق وسورية تقول إنّ واشنطن التي تعمل منذ نحو سنتين على نشر قوات ما تبقى من داعش في آسيا الوسطى وأفغانستان، من خلال خط نقل جوي لم ينقطع، قررت استخدام مكتب التنسيق هذا لغرض الإشراف الفعلي على هذه العملية المستمرة منذ ذلك الوقت والتي ستزداد فاعليتها اكثر في المدى القريب والمتوسط بناء على خطة واشنطن البديلة للانسحاب من أفغانستان، والتي تؤكد التقارير بأنها تهدف لتطويق الروس شمالاً، ومشاغلة الصينيين شرقاً، ومحاولة زعزعة الأمن القومي الإيراني غرباً.
وفي هذا السياق، تؤكد المصادر نفسها بأن نحو 20 الى 30 ألف داعشي تم نقلهم الى دول البلطيق أيضاً، أي بمحاذاة الحدود الروسية شمالاً، ولم يبق أمام الاطلسي لتطويق الروس بالكامل بالحشد المعادي عملياً إلا «الجيب» البلاروسي أو روسيا البيضاء، الذي يشبّهه البعض بمنطقة «القصير» – على الحدود اللبنانية السورية – على الحدود الأطلسية مع الروس الذي لا يزال متحالفاً مع موسكو، وذلك بعد انتقال أوكرانيا من ضفة المعسكر الروسي الى ضفة الأطلسي.
وهذه الخطة الأميركية هي التي سبق ان وضعناها في اطار «الجلاء الأميركي تحت النار» أي انسحابهم المتدرج من منطقتنا، والاستعاضة عن ذلك بالحروب بالوكالة، وإثارة الفتن العرقية والمذهبية انطلاقاً من آسيا الوسطى.
والهدف دائماً منع تقدّم «النفوذ» الإيراني ومشاغلته، ومحاصرة الروسي عند حدوده الجنوبية الرخوة من أذربييجان حتى قرقيزيا، وسد منافذ الصين عند الحدود الشمالية الشرقية مع افغانستان.
من هنا تأتي أهمية التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران والصين ومحاولاتهم الحثيثة لانتزاع باكستان من ربقة تحالف الوهابية والإمبريالية الأميركية المتغلغلين في نسيج نظامه السياسي.
صعود عمران خان الى السلطة في اسلام آباد ساهم كثيراً ولا يزال في هذه النقلة التي يأمل تحققها ثلاثي الشرق الصاعد.
حيث من المعلوم أن الرجل بدأ يعاني من ضغوط أميركية هائلة بعد أن رفض رفضاً قاطعاً أية قواعد أميركية على أراضيه او مياهه مما جعل أحد اهداف الخطة الاميركية الجديدة هو زعزعة الحدود الأفغانية الباكستانية في منطقة وزيرستان.
يبقى الإيرانيون الذين ينظرون أيضاً بقلق مما يجري في افغانستان وفي المنطقة الآسيوية المذكورة لكنهم محصنون جيداً على ما يبدو تجاه هذا الخطر سواء بقوات رديفة عالية التدريب وصديقة وحليفة لهم من الهزارة الشيعة، أو حتى من الطاجيك والأوزبك السنة طبعاً من كابول حتى مزار شريف، إضافة الى فتح قنوات تعاون جدية من جانب الحكومة الإيرانية مع الطالبان الذين يسيطرون على مساحات شاسعة من البلاد والذين باتوا غير الطالبان القديمة المعادية لجيرانها، كما تقول المصادر المتابعة..!
لذلك ترجّح المصادر المطلعة أن تكون إيران بمثابة بيضة القبان في الدفاع عن أفغانستان التي تتشكل من جديد على وقع الانسحاب الأميركي منها رغم مشروع الأميركان الآنف الذكر.
صحيح ان اميركا تنسحب الآن من افغانستان مهزومة، لكن انسحابها بات مواكباً بمشروع مريب ومخادع يريد ان يحول افغانسان الجديدة ومحيطها الى حقل ألغام تنفجر فيه مجموعات داعش الإرهابية التي لا يزال الأميركي يناور بها من افريقيا حتى أقاصي آسيا رغم خسارته لكل معاركه بها في السنوات الأخيرة.
المصادر المواكبة لهذه التحركات تقول بان دراية الإيرانيين وقدراتهم وتحالفاتهم واطلاعهم الدقيق على هذه الساحة الجديدة المفتوحة على احتمالات صراع عالمي جديد يمكن أن تكون بمثابة خشبة الخلاص لروسيا التي لا تزال تراهن على ترويض التركي العثماني الجديد لحاجتها إليه في اكثر من ساحة وميدان!
وتؤكد أن هذا السيناريو الاميركي الجديد سيكون مصيره الفشل الحتمي أيضاً، لأن واشنطن يبدو عليها انها لم تأخذ الدروس الكافية من هزائمها عند بوابات مدن العرب وعواصمهم المقاومة، بانتظار أن ترى هزائم اكثر ايلاماً عند بوابات مدن العجم وبلداتهم التي سبق أن هزمت السوفيات وأسياد المحتلين الجدد أي الإنجليز الخبثاء، حيث لم يبق منهم سوى طبيب ليروي حكاية مقاومة بلاد النور لقوى الظلام (افغانستان كان اسمها قديماً نورستان)..!
بعدنا طيبين قولوا الله.