اجتماع «أوبك» يجدد الخلاف بين السعودية والإمارات
لم يمرّ اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط «أوبك» مرور الكرام. وعلى الرغم من أنه شهد شبه اتفاق بين غالبية الأطراف المعنيّة، وسط معارضة إماراتية، إلا أنه أظهر للعلن خلافاً سعودياً إماراتياً، تبدّى حول اتفاق «أوبك+»، وأبطن في طياته خلافات حادة وقديمة بين الطرفين يبدو أنها بدأت تطفو على السطح.
وانطلاقاً مما جرى في اجتماع «أوبك+»، الذي استدعى استكمال المحادثات، أمس الإثنين، بعدما فشلت في الاتفاق على سياسة إنتاج النفط، تحدث وزيرا الطاقة في البلدين لوسائل الإعلام كل منهما عن موقف بلاده، حيث قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان إن «المقترح السعودي الروسي بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج حظي بقبول الجميع، ما عدا دولة الإمارات. وإذا كانت هناك تحفظات لدى أي دولة، فلماذا سكت عنها سابقاً».
في المقابل، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي إن مطلب بلاده هو العدالة والإنصاف، وإن بلاده تريد المعاملة بالمثل كبقية الدول، «ولا يمكن أن نقبل باستمرار الظلم والتضحية.. أكثر مما صبرنا وضحينا». تلقفت وسائل الإعلام العالمية هذه التصريحات، وبدأت تتحدث عن أوجه الخلاف. تحت عنوان «الإمارات تستعرض قوتها ضد السعودية»، تحدثت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية عن جذور الخلاف، وقالت: «في الإمارات، يُنظر إلى تهديد السعودية بمنع الشركات المتعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية المربحة، ما لم تنقل مقارها الرئيسية إلى الرياض، بوصفه هجوماً ضمنياً على دبي، المركز التجاري للإمارات، وحيث تتمركز معظم هذه الشركات متعددة الجنسيات، لكن السعوديين يقللون من شأن هذه التوترات، مشيرين إلى أن نزاعات أوبك هي مسألة أعمال، وأن القيود بسبب فيروس كورونا تتعلق بالسلامة، وليس بالسياسة».
لكنَّ هذا الخلاف الاقتصادي ليس الأول بينهما، فالتنافس بين أبو ظبي والرياض ليس سراً ولا حديثاً. ومع تزايد نفوذ الإمارات عسكرياً ومالياً، باتت تبحث عن مكانة خاصة.
في العام 2009 مثلاً، تلقّى مشروع الاتحاد النقدي لدول مجلس التعاون الخليجي ضربة موجعة مع إعلان الإمارات انسحابها منه، في إثر عدم اختيارها لتكون مقراً للمصرف المركزي الخليجي المستقبلي.
أتى هذا الإعلان بعد أن قرّر مجلس التعاون أن تكون السعودية مقراً للمصرف المركزي الخليجي المستقبلي، وليس الإمارات، التي تعتبر الأحق بذلك، إذ إنها كانت السباقة في تقديم ترشيحها، وسبق أن سجّلت تحفّظها على القرار.
يعود التوتر في العلاقات بين السعودية والإمارات إلى خلاف حدودي، بدأ مع وضع حدود المملكة السعودية من قبل مؤسسها عبد العزيز آل سعود، وتمدده باتجاه أراضي الامارات وقطر وسلطنة عُمان، ما شكل بداية نشوء هذا الخلاف، الذي كان موضوعه الأساسي واحة «البريمي»، والذي حلّ حينها بتقاسم المنطقة من قبل الأطراف المتنازعة، وأخذت الإمارات 6 قرى، وسلطنة عُمان 3.
فرضت السعودية، باعتبارها القوة الأكبر، اتفاقية حدودية على الإمارات، سميت باتفاقية «جدة» في العام 1974، وترافقت مع الاعتراف السعودي بالإمارات كدولة، وحصلت مقابل ذلك على مكافأة تمثلت بمساحة من الأراضي الغنية بالنفط في المنطقة الحدودية بين البلدين.
حاولت الإمارات لاحقاً تصحيح الأمر، لكنها قوبلت برفض سعودي أحياناً، وضغط بأشكال متعددة أحياناً أخرى، ومنها منع السعودية الإماراتيين من دخول أراضيها في العام 2009، باستخدام بطاقات الهوية الخاصة بهم، تحت ذريعة أن البطاقة تحتوي خريطة تظهر أراضي سعودية على أنها جزء من الإمارات.
مع تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز زمام السلطة في السعودية، وتنصيب نجله محمد منصب ولي العهد، بدا أن العلاقات بين السعودية والإمارات أخذت طابعاً مغايراً، وخصوصاً أنّ الإمارات انخرطت سريعاً في التحالف السعودي ضد اليمن، وكانت رأس حربة في تحريض السعودية على حصار قطر ومقاطعتها.
ولكن سريعاً بدأت تظهر الخلافات حتى في ملف العدوان على اليمن، فالإمارات تضع ضمن أهدافها محاربة حزب الإصلاح في اليمن (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، بينما تستضيف الرياض قيادات الحزب وتتعاون مع قواته العسكرية على الأرض لمساندة قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ثمة مثال بسيط على هذه الخلافات برز في العام 2017، حين اعتقلت القوات الإماراتية في مطار عدن جنوب البلاد قائد اللواء الرابع حرس رئاسي، العميد مهران القباطي، المحسوب على الرئيس عبد ربه منصور هادي. وبعد ساعات من هذه الحادثة، صدر قرار من الرئيس هادي أقال بموجبه عيدروس الزُبيدي من منصب محافظ عدن، وعيّن عبد العزيز المفلحي خلفاً له، وهو الذي يعتبر من أبرز وأهم القيادات الجنوبية الموالية للإمارات.
ومع مرور أيام الحرب والخسائر العسكرية والاقتصادية التي مني بها الجيش السعودي، أدركت الإمارات أن السعودية غرقت في المستنقع اليمني، فأعلنت رسمياً في تموز من العام 2019 انسحابها، مدعيةً أن أسباب هذا القرار «استراتيجية وتكتيكية»، فيما كانت قد سيطرت على مناطق تعتبرها حيوية بالنسبة إليها في جنوب اليمن وجزيرة سقطرى ومحافظة المهرة، إضافة إلى السيطرة على المطارات والموانئ اليمنية الاستراتيجية المطلة على بحر العرب وخليج عدن، فضلاً عن حقول غاز ونفط في المحافظات الشرقية، وهو بالطبع ما لا يناسب السعودية.
كما يبدو، حاولت السعودية احتواء كل هذه الأزمات، وسعت للوصول إلى اتفاقيات تمنع الاقتتال بين الأطراف التي تدعمها والأطراف الأخرى التي تدعمها الإمارات، إلا أنَ هذا الخلاف كان دائماً يعود ليتجدد، وكانت الاشتباكات تندلع على الأرض.
مع نشوب الخلاف بين قطر ودول الخليج، ومعها مصر، بدا جلياً الدور الإماراتي الداعم لحصار قطر والتحريض عليها، حتى أنَ وسائل الإعلام القطرية كانت تركز هجومها على الإمارات، باعتبارها المحرض على الدوحة.
ومع إعادة تطبيع العلاقات بين السعودية وحلفائها من جهة، وقطر من جهة أخرى، بدا أن العلاقات مع الإمارات لا زالت تتسم بالبرود، ولم تعد إلى طبيعتها. وبالعودة إلى تقرير «فاينانشال تايمز» وما أوردته في هذا الموضوع بالذات، تقول الصحيفة: «تشعر أبو ظبي بالقلق من سرعة المصالحة مع الدوحة»، وتعتبر أن عودة قطر إلى سابق عهدها في العلاقة مع السعودية ستخسرها الكثير من نقاط القوة في تحالفها مع السعودية، وخصوصاً في التحالفات والاتفاقات الاقتصادية، وأيضاً في الدور السياسي في المنطقة، الذي يمكن أن تؤديه الدوحة في تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران أو بين السعودية وتركيا، وهذا كله على حساب الدور الإماراتي الذي يبدو أنه يتراجع، وخصوصاً بعد خطوة التطبيع الأخيرة مع إسرائيل».
آخر تمظهرات الخلاف برزت قبل أيام، إذ أعلنت السعودية تعليق الرحلات الجوية إلى 3 دول، من بينها الإمارات، «للوقاية من السلالة الجديدة لكورونا»، بحسب وزارة الداخلية السعودية.
هذا الإجراء قابلته الإمارات بالمثل، إذ علقت شركة «طيران الإمارات» جميع رحلات الركاب من المملكة وإليها حتى إشعار آخر. إجراء يراه محللون بعيداً عن السياق المتعلق بمكافحة انتشار كورونا، ويربطونه بالخلاف المستجد المتصاعد بين البلدين.