سدّ النهضة يفجّر حروباً كبرى في أفريقيا
} د. وفيق إبراهيم
ثلاث دول أفريقيّة هي مصر وإثيوبيا والسودان في طور الاستعداد لحرب كبرى تجتاحهما لأسباب تتعلّق بالإصرار الإثيوبي على استكمال سد النهضة على نهر النيل.
أما مصر من جهتها فتقول إن النيل يزوّدها بـ97 في المئة من مياه الشرب والري وكذلك السودان انما بكميات أقلّ، في حين أن إثيوبيا تؤكد ان مياه سد النهضة كفيلة بتعميم الكهرباء المفيدة الى كامل إثيوبيا وري أراضيها غير المزروعة والتي تشكل غالبية اراضي البلاد.
«إسرائيل» دخلت بدورها على خط هذه الخلافات وأيّدت إثيوبيا وحرّضتها على استكمال السد وكذلك تركيا، فيما تحفّظ الأميركيون عن هذه الخطوة الإثيوبية مطالبين اديس ابابا بالتوقف عن استفزاز القاهرة والخرطوم وعدم التعرّض بأذى لنهر النيل.
إن المفاوضات على هذا السد بدأت في 2011 وتواصلت حتى بلوغ إثيوبيا في 2015 بناء المرحلة الثانية من بناء سد النهضة وتعبئته بكميات كبيرة من مياه النيل، ولم تتأخر في إبلاغ مصر وإثيوبيا بخطوة المرحلة الثانية على النيل الأزرق، للاشارة فإن السد يتسع بـ74 مليار متر مكعب مقابل 94 مليار متر مكعب قوة نهر النيل في احتضان المياه العابرة في مصر.
هذا الموقف الإثيوبي أدى الى صدور موقف من وزارة الري المصرية تتهم فيه إثيوبيا بانتهاك احواض الأنهار.
هذه الانتهاكات استولدت صراعاً مصرياً سودانياً من جهة وإثيوبيا من جهة ثانية يعدّ العدة لحرب واسعة في أفريقيا لم يعد ممكناً وقفها وسط موقف اميركي يبدو محايداً.
فهل تندلع هذه الحرب في وقت قريب؟ الحرب واقعة لا شك فيها وتندرج في إطارها إثيوبيا و»إسرائيل» بدعم تركي، ومصر والسودان وجامعة الدول العربية التي أعلنت تأييدها للموقف المصري – السوداني.
لكن المشكلة تشتد تفاقماً لرفض إثيوبيا اي تنازل عن أقسام من مياه النهضة ما يتسبب بتراجع حصة مصر من النيل بمعدلات تسيء الى حصة مصر من النهر التي تتعدى 97 مليار مكعب، يشرب منها ويسقي مزروعاته نحو مئة مليون مصري.
الموقف اذاً شديد القسوة يؤشر الى اقتراب موعد الحرب المصرية – السودانية مع إثيوبيا ودول افريقية أخرى تؤيدها، لكن تونس تندفع لعقد مصالحات بين الدول المتنازعات في إطار مجلس الامن، الا ان الفرنسيين يعتقدون ان هذا الأمر لا يكفي ويعجز عن ايجاد حل فعلي له.
لكن ما يثير الدهشة هو الصمت العربي الكامل الذي يتصرف وكأن الأمر لا يعنيه في حين ان موقفاً عربياً صارماً بوسعه وضع حد للموقف الإثيوبي التصعيدي مؤسساً لموقف عربي أساسي يستطيع المحافظة على مياه مصر اكبر بلد عربي وقد تستطيع مصر منح دول عربية مجاورة قسماً من هذه المياه، خصوصاً السودان وجزر القمر.
هناك اذاً انتظار مصري – سوداني لاجتماع مجلس الأمن الدولي (اليوم الخميس) لاجتماع دولي لبحث موضوع سد النهضة وسط رفض مصريّ – سودانيّ لإعلان إثيوبيا بدء عملية المرحلة الثانية من السد واعتبرته تصعيداً يكشف عن سوء نية.
وعلى الرغم من رفض إثيوبيا لاجتماع مجلس الأمن اليوم، لكنها أكدت أنها لن تغيب عنه واستنكرت تدخل جامعة الدول العربية بموضوع سد النهضة.
هنا يعوّل الجانبان المصري والسوداني على قرار ملزم لإثيوبيا يمنعها من ملء الجزء الثاني من السد.
لا بأس من الاشارة الى ان وزير الخارجية المصري سامح شكري أجرى سلسلة لقاءات شملت مندوبي روسيا والصين وتونس واستونيا وايرلندا والمكسيك والنرويج لدفع مجلس الأمن الدولي لتأييد الموقف المصري – السوداني.
لذلك فإن السودان ومصر يرغبان في صدور قرار أممي يؤيد موقفهما المناهض لإثيوبيا ويعزز دور الاتحاد الأفريقي المناهض لأديس ابابا.
وبحسب المصادر، فإن السودان ومصر بحاجة إلى 9 اصوات من دون استخدام أي دولة حق الفيتو، وهذا ممكن لأن الولايات المتحدة تبدو اقرب الى مصر منها الى إثيوبيا.
لا بدّ من الاشارة هنا الى أن مصر حسب ما صرح وزير الموارد المائية المصري محمد عبد العاطي ليست ضد التنمية وتطوير الزراعة في إثيوبيا، لكنها حسب رأيه، يجب ان تتم وقف قواعد القانون الدولي.
يذكر ان مصر والسودان وإثيوبيا يتفاوضون منذ 10 سنوات تقريباً بشكل متقطع للوصول الى اتفاق حول ملء السد الذي تبنيه إثيوبيا ليصبح أكبر مصدر لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا بقدرة متوقعة تصل إلى 6500 ميغاواط وترى إثيوبيا أن السد ضروري لتحقيق التنمية الاقتصادية في حين تعتبره مصر تهديداً حيوياً لها إذ يعتبر نهر النيل مصدراً لنحو 97 في المئة من مياه الري والشرب في البلاد.
لمزيد من التوضيح فإن جامعة الدول العربية لم تمنح هذا الموضوع أهمية مركزية على الرغم من انه يتعلق بمصلحة بلدين عربيين بإمكاناتها عبر مياه النيل تحقيق تنمية زراعة كهربائية متطورة.
فهل تنشب الحرب في أفريقيا؟ المصالح المصرية والسودانية تفترض وقف بناء السد وإعادة استعماله مع إثيوبيا في اطار من الشراكة التي تؤسس لعلاقات عميقة بين مصر والسودان وإثيوبيا، فإن «اسرائيل» بخلفية تركيا تدعم أديس ابابا وأعلنتا اكثر من مرة عن استعدادهما لمشاركتها اي حرب في وجه العرب، خصوصاً أن مصر بلد عربي متميز يستطيع تحقيق تطور هائل في 97 مليار متر مكعب من المياه؟
يبدو أن الأميركيين لن يسمحوا بهذه الحروب ولديهم القدرة على وقفها بالضغط على أطرافها الأربعة وإيجاد حل سلمي لها.