إنزالات الأطلسيّ لفكّ التحالف الروسيّ الصينيّ الإيرانيّ
محمد صادق الحسينيّ
لا بدّ لأيّ محلل سياسيّ، ينتهج أسلوب البحث العلمي الموضوعي والمستند الى المنطق، ان يعود قليلاً بالذاكرة الى الوراء، كي يتمكن من تقديم تحليل موضوعيّ وتقدير موقف دقيق للمناورات البحرية الواسعة النطاق، التي تجريها القوات البحرية لدول حلف شمال الأطلسي، الى جانب قوات بحرية إسرائيلية ومن أربع دول عربية هي: مصر، المغرب، الإمارات وتونس! منذ 28/6/2021 وتُختتم اليوم 10/7/2021، خاصة أنّ المهمة، التي تتدرب هذه القوات البحرية على تنفيذها، تتمثل أساساً في:
1) عمليات إنزال بحرية على ارض العدو.
2) تنفيذ عمليات برية على أرض العدو. وهذا يعني في العلم العسكري القيام بعمليات الإنزال البحري لإقامة رؤوس جسور للقوات المدرّعة والمشاة الميكانيكية، التي سيتم إبرارها من سفن الإنزال، بعد نجاح تثبيت رؤوس الجسور على أرض العدو (وهي في هذه الحالة روسيا بلا أدنى شك لأنها البلد الوحيد في حوض البحر الأسود، التي تتعامل معها الولايات المتحدة وحلف الأطلسي كبلد عدو).
3) عمليات بحرية تنفذها وحدات من الضفادع البشرية، التابعة لدول حلف الأطلسي (وهي بالتأكيد عمليات زراعة ألغام بحرية في طرق تحرّكات الأساطيل الروسية المدنية والحربية في البحر الاسود، إضافة الى القيام بعمليات تخريب لمنشآت عسكرية بحرية روسية في موانئ البحر الأسود.
٤) التدرّب على حرب الغواصات.
٥) التدرّب على عمليات الدفاع الجوي وعمليات القوات الخاصة. (وهذا يعني، من الناحية العسكرية، إنزال قوات خاصة تابعة لحلف الأطلسي خلف خطوط العدو وتقديم الغطاء الجوي لها لتمكينها من تنفيذ العمليات المكلفة بها من دون أن تتعرّض لنيران المقاتلات الروسية في ارض المعركة. بالاضافة الى تأمين الغطاء الجوي لعمليات الانزال البحري وللسفن الحربية الاطلسية المشاركة في العمليات ايضاً، وذلك حسب ما أعلن على الصفحة الرسمية لسلاح البحرية الأميركي، قبيل بدء المناورات.
إذن فإن الهدف من هذه المناورات هو التدرب، وعلى مقربة شديدة من الأهداف الروسية، على عمليات عسكرية اطلسية تُشنُ على أراضي جمهورية روسيا الاتحادية، بحراً وجواً.
علماً أن خطة المناورات، التي تجري حالياً في البحر الأسود، هي نسخة طبق الأصل عن خطة عسكرية بريطانية فرنسية، جرى البدء بالتخطيط لها في شهر 12/1939 وأنجزت في شهر 1/1940، وأطلق عليها اسم: عملية الرمح – Operation Pike – وتمثلت أهداف الخطة آنذاك في:
أ) قصف كافة آبار النفط السوفياتية، في منطقة القوقاز الشمالي، خاصة في باكو وغروزني، وتدميرها تدميراً كاملاً.
ب) أسندت قيادة العمليّة لجنرال سلاح الجو البريطاني، سيدني كوتون Sydney Cotton، والذي بدأ بإعداد أول الصور الجوية لمناطق الحقول المستهدفة في شهري آذار ونيسان 3 و4/1940.
ج) بعد استكمال عمليات الاستطلاع الأخيرة للأهداف بدأت قيادة العملية، تحت إشراف وزارتي الحرب البريطانية والفرنسية، بنقل ثلاثة أسراب من الطائرات المقاتلة البريطانيّة الى الموصل، في العراق، وستة أسراب جوية فرنسيّة الى سورية. وقد ضمّت هذه الأسراب طائرات من طراز: فامرمان / ف 221 / طائرات مارتن ميري لاند Maryland Farman F – 221 ، Martin، وطائرات فيكرز / Fickers /. بحيث أصبح العدد الإجمالي، لطائرات القوة الجوية البريطانية الفرنسية، المكلفة بتدمير آبار النفط السوفياتية، هو 117 طائرة.
د) وفي الوقت نفسة تابعت القيادة العامة للعملية استكمال بعض التفاصيل الميدانية على أن يبدأ تنفيذ عمليات القصف الجوي لموانئ كل من: باكو / باتومي / باتو / على البحر الأسود، إضافة الى مدينة غروزني في جمهورية الشيشان، في نهاية شهر حزيران 1940.
ه) لكن قيام الجيش الألماني الهتلري بشن هجومه على فرنسا، بتاريخ 20/5/1940 واحتلالها بسرعة قياسية، وعثور فرقة الدبابات التاسعة الألمانية، بتاريخ 16/6/1940، على خطة العملية البريطانية الفرنسية، في هيئة أركان الجيش الفرنسي في ناحية La Charité – sur Loire، قد كشف العملية.
و) ومن الجدير بالذكر أن الماريشال هيرمان غويرينغ Hermann Göring، وهو وزير الطيران الحربي الألماني الهتلريّ، قد أكد في محكمة نورينبيرغ، التي حوكم فيها من بقي على قيد الحياة من القادة النازيين، أن قيادة الاستطلاع الاستراتيجي الألمانية كانت قد سجلت تحشيداً جوياً، بريطانياً فرنسياً، استعداداً لتنفيذ عملية السهم.
كان الهدف المعلن في خطط هيئة الأركان، من قبل لندن وباريس، لهذه العملية هو حرمان ألمانيا النازية من الموارد النفطية السوفياتية، خاصة بعد توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي السوفياتية الألمانية، في صيف 1939، حسب الوثائق السرية المتعلقة بهذا الموضوع والتي رفعت عنها السرية قبل فترة وجيزة.
لكن الأهداف الحقيقية من وراء ذلك كانت مختلفةً عما تضمنتة وثائق هيئة الأركان الفرنسية والبريطانية. إذ إنهما كانتا تهدفان الى البدء بتدمير موارد النفط السوفياتية تمهيداً للبدء بعمليات هجوميّة بحرية وجوية ضد أراضي الاتحاد السوفياتي، تحت حجة التعاون السوفياتي الألماني. أي ابتزاز الاتحاد السوفياتي تحت تهديد العدوان العسكري بهدف إلغاء اتفاقياته مع ألمانيا.
وفي هذا الإطار قام السفير البريطاني في موسكو ريتشارد ستافورد كريبس Richard Stafford Cripps، في شهر 10/1940، بتقديم عرض لوزير الخارجية السوفياتي، مولوتوف، يسمّى باللاتينيه: Quid pro quo اي هذا مقابل ذاك، ينص على تخلي بريطانيا عن عمليات تدمير حقول النفط السوفياتية مقابل أن يتخذ الاتحاد السوفياتي موقفاً محايداً في الحرب الألمانية البريطانية.
وهذه هي السياسة نفسها، التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية مستخدمة حلف الاطلسي ومجموعة من الدول العميلة لها، في ابتزاز القيادة الروسية الآن لتقديم تنازلات سياسية، سواء على الصعيد الاستراتيجي الدولي او في مواضيع إقليمية تهم الأمن القومي الروسي، كموضوع العلاقة مع إيران وسورية وغيرها من المواضيع والملفات.
إلا أن هدف واشنطن الاستراتيجي الاول، من وراء مواصلة الضغط العسكري على روسيا، من خلال التحركات العسكرية الاستفزازية، لواشنطن وحلف الاطلسي على حدود روسيا الشمالية الغربية وفي البحر الأسود، انما هو محاولة لوقف التعاون الصيني الروسي، على الصعيد الاستراتيجي الدولي، خاصة في مجال الدفاع المشترك، او ما تسميه واشنطن منع تشكل وتعمق الحلف العسكري الروسي الصيني المتنامي، الذي “يهدّد” الأمن القومي الأميركي.
وهو ما يؤكد أن سياسة الدول الاستعمارية الغربية هي السياسة العدوانية التوسعية نفسها، القائمة على الابتزاز وفرض الهيمنة، وتهديد السلم الدولي. ولكن موازين القوى الدولية الحاليّة ومنطق حركية (ديناميكية) العلاقات الدولية الحاليّة، بما في ذلك وجود محور مقاومة معادٍ للسياسة التوسعية الأميركية، ومستنداً الى دعم سياسي ودبلوماسي، وعسكري في بعض المواقع، من كل من جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، نقول إن كل ذلك سيفشل النسخة الجديدة من السياسة الاستعمارية الغربية، التي تجمع بين التهديد العسكري والعدوان الاقتصادي المباشر، عبر فرض العقوبات الاقتصادية والمالية على العديد من الدول وعلى رأسها الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران وسورية وفنزويلا.
بعدنا طيبين قولوا الله…