«دار سعاده الثقافية الاجتماعية»… من حيّز الحلم إلى الواقع المُنجز حكاية الدار التي ارتفعت صرحاً ثقافياً اجتماعياً مهيباً
اعتدال صادق
من جديد يأخذنا الضوء الى ضهور الشوير، قبلة القوميين الاجتماعيين ومحجّتهم وعقر دارهم…
إلى ضهور الشوير… حيث الولادة، وانطلاقة الفكر، والبطولة صعوداً الى سمو الاستشهاد.
الى ضهور الشوير… الى ساحة النصب التذكاري لمؤسّس وزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي.
الى ضهور الشوير الى ساحة «الزوبعة»،
الى ضهور الشوير… الى شارع الشهيدة سناء محيدلي… الى نصب المقاومة الوطنية… الى ساحة العلامة خليل سعاده «المفكر النابغة»،
إلى ضهور الشوير… إلى «درب سعاده»، الى دار سعاده
إلى «عرزال الزعيم…
إلى ضهور الشوير… والمناسبة هذه المرة حفل افتتاح «دار سعاده الثقافية الاجتماعية»، وقد أرادها الحزب صرحاً معمارياً مهيباً يليق بمكانة الاسم والذكرى تماماً في موقع الحجر الأساس الذي وضعه سعاده في العام 1948 حيث اغتالته يد الغدر قبل ان تطأ قدمه أرض الدار. وها هو الحزب بعد زهاء ثلاثة وسبعين عاماً يرفع الدار ويبني له مكتباً يطلّ على جبل صنين شرقاً ويشرف على بحر بيروت مغيباً، كما رغب سعاده تماماً…
اليوم… من رحم الحكاية، حضر صاحب الدعوة سعاده، سعاده العظيم في دار الزعامة… دار الأمة… دار سعاده الثقافية الاجتماعية…
إنه ها هنا… بيننا في محرابه في موعد متجدّد لمواسم العز والوفاء.
نحن العائدين إليك دائماً وأبداً في أمثولة حياتك وضوء شهادتك.
أنطون سعاده ابن العلامة الفذ الدكتور خليل سعاده، لم يرث ملكاً ولا ميراثاً ولم يكدّس أموالاً ولا مقتنيات، هو الذي أقسم انه لم يقدّم «منّة للأمة»… بل أقسم أن يعيد للأمة وديعتها… ما أغراه شيء من خصوصيات الأنانية الصغيرة… فهي لا «تحقق حلماً أو طموحاً أو هدفاً جللاً».
فجعل من قضية أمته هدفاً أوحد لحياته فاستحوذت على كلّ وجوده… فكلّ طموح او أمنية أحسّ بها او تطلع رغب في تحقيقه، كلّ خطوة خطاها، ارتبطت بهذا الهدف العظيم…
للكاهن الذي عرّفه أقرّ وأعترف: ليس من خطيئة أرجو العفو عنها، لم أسرق، أو أدجّل، لم أشهد زوراً، لم أقتل، لم أخدع، لم أسبّب التعاسة لأحد.
وهناك حيث الجلاد متنكراً في ثوب العدالة لم يطلب سعاده شيئاً لنفسه طوال الساعات الثمانية التي قضاها واقفاً يدافع، ويدافع ويرافع عن قضيته العظمى.
هو طلب وحيد أراده… أن يرى زوجته وبناته، ثلاث مرات سأل… وثلاث مرات رُفض طلبه، فأودعهم أمانة في ذمة التاريخ.
راعهم شموخه ووضوحه، فظفر بشرف الموت شهيداً من أجل عقيدة… وكان لهم خجل التاريخ من جبنهم وخزيهم.
ثلاثة وسبعون عاماً مضت على آخر الكلام… ثلاثة وسبعون عاماً مضت منذ وقوف سعاده على تلك الرابية المطلة في ضهور الشوير، يخطو عدة خطوات، ويلتقت إلى صحبه ويتوجه إليهم بالقول: يطيب لي أن يكون لي مكتب أطلّ به على جبل صنين من جهة وعلى بحر بيروت من جهة أخرى… كلمة قالها ومضى يوم دبّر للأمة مكيدة في ليلة ليلاء حيث لا شرف يردع ولا ضمير، اغتالوا الجسد من سعاده لتسطع حقيقة مفاهيمه النهضوية منارة شاءها منظومة في حركة ريادية فاعلة عمّد دربها بدمه في فجر الثامن من تموزِ… فاختار له التاريخ أرقى مقام ليقيم فيه… مقام الخالدين أبداً…
ولترتفع صورته في رحاب صدر الأمة الواسع وليسكن في عقيدة شرعت لها كلّ البيوت، وليقيم في وجدان أولئك الذين رفعوا الأيادي زاوية قائمة لتحيا سورية هاتفين .
آمنوا به زعيماً وقدوة منذ فجر الولادة حتى ريادة الاستشهاد. مقيماً في نبضات قلوبهم، بيقينهم به، بفكره وفعله بوجهه وسيرته حاضراً أبداً في أبجديتهم نضالاً وبطولة واستشهاداً جاعلين من مبادئه شعاراً لهم ولعائلتهم.
اليوم في هذه المناسبة التي يحتفل بها جموع القوميين الاجتماعيين في باحة الدار… تستذكر «البناء» مراحل وفصول نشأة الدار منذ وضع سعاده حجر أساسها في العام 1948 الى حين وضع حجر الأساس مجدّداً في الثامن من تموز 2009 بفارق ثلاثة وسبعين عاماً من الزمن على الحلم الذي خرج الى واقع منجز جميل… وبهذا الإنجاز تكون قيادة الحزب والقوميون الاجتماعيون قد وضعوا حداً للألم الذي يمثله مشهد البيت المهدّم.
الشويريون يتذكرون الدار وأهل الدار
(في هذه المناسبة تستعيد «البناء» تقريراً سبق أن أعدّته في حينه كـ «بانوراما» حول دار سعاده)
هي فرصة أردنا فيها ان نتفقد «جيرانه» وأهله ممن أطال الله في عمرهم، نتوغل في غابر ذاكرتهم تقصياً في شواردها لترتيب أحداثها وتنسيق تواريخها، نستحضر وجوه وأسماء… «منهم» من صبّح على الجار الطيب… ومنهم من لوّح بيديه «لصاحب الدار» ومنهم من حمل معولاً وساعد في شقّ الطريق نستذكر كلّ من وضع «مدماكاً» او نقل «شوال» رمل او دار «بشربة مي» على أصحاب الهمة يرفعون حجارة البيت.
هم جيرانه والمثل بقول «مين أدرى فيك غير ربك وجارك»
الجيران الذين يستذكرون السيدة الوقور المتشحة بالسواد إجلالاً لدم زوجها الشهيد.
يتذكرون سيدة الدار «أم الصغيرات» يلعبن في باحة منزلهن، حتى أنهم يحفظون أسماءهن… صفية هي الكبرى تليها أليسار وأصغرهن سناً ويتماً راغدة… وأيضاً زوار يأتون ويذهبون.
هم الجيران «أصحاب النخوة» الذين جعلوا من البيت «شغلهم الشاغل» لملموا محتوياته لمّا تطاولت يد الإجرام على «رزق الزعيم» فوضعوا العوارض الخشبية على باب الدار ونوافذه لمنع الأيادي العابثة من أن «تمتدّ» إلى حرمة الدار.
ويتذكرون جيداً حين جاء عام 1976 وتسللت يد الغدر واللؤم مجدّداً ودائماً تحت ستار العتمة على عادة خفافيش الليل لتنال هذه المرة من الحجر «فزنّروا» البيت و»فجروه»… فاهتزت جدرانه ومال سقفه وخرّبوا أساساته… بس البيت ما وقعت «حجارتو».
زوجي الأمين وديع الياس مجاعص تحدثنا السيدة ليا بعقليني تربطه علاقة قربى بحضرة الزعيم (والدته السيدة كاترين عمّة الزعيم»، وتضيف السيدة ليا: زوجي وأنا جعلنا من دار الزعيم شغلنا الشاغل خاصة انّ زوجي أكبر سناً من الزعيم ويعتبر نفسه راعياً لمصالحه وللأعمال التي لا وقت لسعاده لمتابعتها.
تقول السيدة ليا: بعد عودة سعاده من مغتربه القسري وفي خلال انتظار عودة عائلته كان لا بدّ من تجهيز منزل لإقامته مع زوجته وابنتيه صفية وأليسار (راغدة لم تكن قد ولدت بعد) فصارح سعاده ابن عمته بهذا الأمر (بالمناسبة الأمين وديع الياس هو من الرفقاء الأوائل الذين صارحهم سعاده بنيّته تأسيس الحزب) فرحب زوجي بالفكرة وفعلاً هيك صار «توقعوا» على قطعة أرض بالقرب من المطلّ حيث العرزال ولكن الذي حصل انّ موقع الأرض لم يكن مناسباً لبناء مكتب الزعيم ضمن الدار كما كان يرغب… (التفاصيل في مكان آخر كما رواها الشهود العيان) وتستكمل السيدة ليا «وهيك صار، تملّكوا الأرض من الدير وكلفوا مهندسين و»معمرجية» و»مشو بالعمار» وخلص «الطابق التحتي» قبل استشهاد سعاده غير أنه لم يكن جاهزاً للسكن… والزعيم لم يسكنه.
أما ظريفة البنت «الزغيرة» ابنة متري أبو زيد مجاعص تروي قصتها أيضاً: «أنا بيّي والزعيم كانوا رفقة طفولة، لما كانت الدني غير هلق، كنت في السادسة من عمري هونيك يوم عرفنا انّ الزعيم عاد ويريد ان يبني منزلاً له ولعائلته على قطعة الأرض التي يملكها على المطلّ واسمها المطلّ لانها مطلة على كلّ الجهات… «بتذَكَّر كتير منيح» يومها أشرف الزعيم على وضع حجر الأساس للبيت شخصياً هو والشباب الذين «دبّوا الصوت» وأقاموا «عونة» لمساعدته في إنجاز العمل على عادة أهل القرى في بلادنا، ولما شقوا الطريق حمل الرفش وشق طريق «اجر» توصل ع البيت… بس يا «دلي» ما لحق يوضع اجرو على درب البيت يلي شقوا»… وتسكت ظريفة وقد أيقظنا فيها ذكريات أثارت فيها حنيناً دفيناً (كبرت ظريفة وتزوّجت من الرفيق فؤاد فرج فرج).
وفي هذا السياق أيضاً ذكر الأمين الراحل شوقي صوايا (ابن البلدة والرئيس الأسبق لبلديتها) في حديث له يقول: «في البدايات لم يكن في ضهور الشوير مدرسة ثانوية، وكان الأهالي يرسلون أولادهم الى القرى والبلدات المجاورة التي فيها ثانويات لإكمال تحصليهم الثانوي، وذلك حتى العام 1948 حيث أنشئت في ضهور الشوير أول ثانوية وبدأ يلتحق بها التلامذة الشويريون. في ذاك العام عاد الزعيم من مغتربه القسري وأقام في ضهور الشوير وأعطت تلك العودة زخماً للعمل الحزبي وحافزاً متجدّداً للقوميين، وخلال مرحلة بناء بيت الزعيم «لحقنا» الدور في المساهمة فكانت مهمتنا نحن التلامذة وأذكر منهم شاكر قيامة (له وقفة في يوم بكفيا) وفيليب سماحة وأبناء توفيق دحروج وحنا صليبا، «نكش» البورة التي كانت بالقرب من بيت سليم مجاعص الجدّ، ونجمع الرمل ليتمّ نقله الى ورشة البناء بسيارة «بيك أب» يملكها ميشال الحلبي وشخص آخر يلقب «بالنمرود»… ويذكر رئيس بلدية ضهور الشوير الراحل للتوضيح انّ دار سعاده لا تقع في نطاق بلدية الضهور بل في نطاق بلدية زغرين، أما العرزال فيقع في نطاق بلدية الشوير.
حكاية دير مار الياس للموارنة مع الزعيم… ومرويات أخرى
رحى الحكاية التي دارت بين سعاده والقيّمين على دير مار الياس للموارنة بين ثلاث مرويات تختلف بالتفاصيل وتؤكد الحاصل… يرويها شهود عيان لتلك الفترة من الزمن
(ولا بدّ من الإشارة في هذا الشأن قبل ان نستكمل جولتنا الى اللجنة التي شكلها حضرة الزعيم لمتابعة أمور بناء المنزل لعدم قدرته على متابعة التفاصيل لانشغاله بالأمور الحزبية اثر عودته من مغتربه القسري، وضمّت اللجنة كما يروي الأمين عبدالله قبرصي: جورج عبد المسيح، أديب قدورة، إدغار عبود، الرفيق خالد جنبلاط، وأصدر الزعيم مرسوماً بتعيين الأمين قبرصي رئيساً لها… على أن يتولى المهندسان الأمين إدغار عبود والرفيق وليم سابا وضع الخرائط والإشراف على التنفيذ).
نستكمل جولتنا في بلدة ضهور الشوير خلال رحلة التقصّي هذه التي قادتنا الى منزل السيد نعمة الصباغ نستكمل تفاصيل تملّك سعاده لقطعة الأرض من دير مار الياس كما رواها له والده فريد الذي كان مقرّباً من حضرة الزعيم.
بعد التحية والتعارف ومقدّمات لا بدّ منها قال لنا فريد: كنت صغيراً عند عودة الزعيم من مغتربه القسري ولجوئه «القسري» الى ضهور الشوير اثر صدور مذكرة التوقيف بحقه وإقامته في إحدى غرف منزلنا المستقلة عن البيت في فترة من الفترات… أما الكلام عن بناء دار الزعيم موضوع لقائنا اليوم فقد ذكر لنا والدي انّ الزعيم خلال الإعداد الهندسي للمنزل أبدى رغبة ان يكون في موقع يستطيع ان يبني مكتبه «كما سبق وذكرنا» مطلاً على جبل صنين شرقاً وبحر بيروت (والجدير ذكره انّ رواية نعمة الصباغ لنا تمّ تداولها عن مرويات والده في لقاءات عدة أمام عدد من الرفقاء ومسوؤلي الحزب وهي منقولة كالتالي:
«انّ سعاده بعدما كان اشترى قطعة أرض من وقف دير مار الياس شويا للروم الأرثوذكس، في مكان يُدعى المطلّ يشرف على المنطقة الممتدّة من البحر وصولاً الى قمم جبل صنين، قرّر بناء منزل له في تلك البقعة. فكلف المهندسيْن الأمين إدغار عبود والرفيق وليم سابا بوضع الخرائط .
وبعد الانتهاء من الأمور الهندسية والاستحصال على الرخصة بوشر بدرس كيفية التنفيذ، فكان رأي الزعيم أن يتمّ وضع دفتر شروط عام لوضع المشروع في المناقصة، فلا يكون التنفيذ بانتقاء أشخاص وتلزيم العمل بواسطة الاستنساب. لذا نشر إعلاناً بتحديد موعد المناقصة حسب دفتر شروط كامل، وفي اليوم المحدّد تقدم أشخاص عدة، قوميون وغير قوميين، وبعد فتح الظروف رسا الإلتزام على السيد فؤاد نجيب وتمّ وضع الإشراف الهندسي والفني بأكمله تحت رعاية المهندس إدغار عبود ولما لم تكن مساحة الأرض تكفي للمخطط الهندسي كما وضعه سعاده ارتأى الزعيم ان تستكمل المساحة المطلوبة من أرض مجاورة التي صودف أنّ ملكيتها تعود لوقف دير مار الياس للموارنة… ورغم تحذير سعاده بأنّ الكنيسة المارونية لن تقبل أن تبيعه جزءاً من ممتلكاتها خاصة أنها سبق ورمت الحزب بالحرم الكنسي ومنعت رعاياها من الانتماء الى الحزب، وذلك اثر انكشاف أمر الحزب في السادس عشر من تشرين الثاني 1935، والحملة المغرضة التي شنّت على الحزب من قبل سلطة الانتداب وتجاوب معها المتضرّرون من نشوء الحزب…
(نشرت جريدة البشير المعادية للحزب الحرم الكنسي الماروني بتاريخ 28 تموز 1936) فطلب من الأمين وديع الياس أن يستدعي رئيس الدير الأب يوسف داغر (كان رفيقاً سرياً) الذي أكد مخاوفه من أنّ الرئيس العام للدير الأب مهنا لن يوافق، ولكنه صرّح له بموعد الاجتماع الأسبوعي في الدير عندها قرّر سعاده ان يباغتهم خلال الاجتماع وفعلاً قصد سعاده دير اللويزة يرافقه فريد صباغ ووديع الياس ووليم سابا، وكان الأب مهنا مجتمعاً الى مجلس المدبّرين، وهذا المجلس مؤلف من سبعة أشخاص، وجميعهم من خريجي معهد روما ويحملون شهادات عاليه كالدكتوراه في اللاهوت أو في الفلسفة، وتمّ استقبال سعاده بكلّ لياقة واحترام… وفي هذه الجلسة استغرق سعاده في شرح مبادئ الحزب خاصة لجهة الأديان السماوية ما يقارب ساعة ونصف الساعة أكد فيها سعاده انّ مبادئ وأهداف الحزب السوري القومي الاجتماعي هي ضمانة للمسيحيين كما هي ضمانة للمسلمين، وتبيّن خلال الحوار انّ الآباء على بيّنة من أفكار سعاده ولم يسعهم إلا الاعتراف بصحة وجهة نظره (للأسف لم يتمّ تسجيل الحوار من قبل الوفد المرافق) في اليوم التالي للقاء أوعز الرئيس العام ومجلس المدبّرين لرئيس الدير الأب داغر أن يبلغ حضرة الزعيم أنه أصبح بإمكانه أن يأخذ من أرض وقف الدير المساحة التي يريد، وهم مستعدّون لكلّ مساعدة، وأهلاً وسهلاً به.
وعندها تمّ إجراء المسح وفرز قطعة من أرض وقف الدير مقدار حاجة البناء لاستكماله. تمّ عرض تسديد ثمن الأرض الى الرئيس العام ورئيس الدير، فرفضا ذلك وقدّمت على اعتبار أنها هدية للزعيم، الذي اعترض على ذلك قائلاً: أنا لا أريد أخذ شبر واحد من أرض الدير من دون أن أدفع ثمنه، وعندما تشبّث الآباء اعترض سعاده على ذلك قائلاً: أمرني الزعيم (والكلام ما زال لفريد صباغ) أن يتمّ لقاء ذلك إيصال الماء والكهرباء والهاتف وشق الطريق للدير من دون أيّ مقابل، وهكذا حصل، فأدخلنا ماء «المنبوخ» والكهرباء والهاتف الى دير مار الياس الماروني قبل إيصالها الى دير مار الياس الأرثوذكسي. وتمّت المباشرة في رفع أساسات البيت…
ولكن لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ حضرة الزعيم لم يبدأ العمل في إنشاء دارته في العام 1947 كما هو متداول عند الكثيرين، بل في أواخر العام 1948، وهذا كلام مؤكد بحسب بتسلسل الأحداث التي رافقت عودة الزعيم الى الوطن في 2 آذار 1947 وصدور مذكرة توقيف بحقه فور انتهائه من خطابه الشهير وصعوده وتواريه في ضهور الشوير كما بات معروفاً، إلا أنه كان ينتقل ما بين ضهور الشوير ودير مار الياس والمتن الأعلى والشوف ويعقد الاجتماعات ويجري المقابلات الصحافية واللقاءات الفكرية والسياسية ويجتمع الى مجلس العمُد، وسط كلّ هذا لم يكن لديه الوقت ولم تسنح له الفرصة للمباشرة بإنشاء منزل إضافة الى سبب أساسي ومهم يجب ان نأخذه بعين الاعتبار هو أنه كان ينتظر عودة زوجته الأمينة الأولى وبناته، فهو لن يقدم على إنشاء منزل عائلي وتأسيسه إلا بالتشاور والتوافق بينه وبين زوجته لم يكن متفرّداً برأيه على طريقة انّ الرجل هو من يقرّر…، وهكذا بدأ البناء في العام 1948 بعد عودة عائلته.
الدار التي لم يسكنها
الدار التي لم يتح لسعاه ان يسكنها… حملت كثيراً من الجروح والآلام من فئة مضللة من أبناء شعبنا حرص عليهم صاحب الدار برموش عينيه، بقلبه، بعقله، بأعصابه، بقلمه وبدمه، ولأنّ النسق المتعمد قد سبّب لرفقائه وعائلته الكثير من المعاناة، فقد قرّرت قيادة الحزب بمجرد انتقال ملكية العقار رسمياً الى المؤسسة الحزبية ان تضع حداً للألم الذي يمثله البيت المهدم بحيث أعادت إعماره صرحاً ثقافياً واجتماعياً يؤمّه أبناء شعبنا المتعطشون للمعين الذي نهل منه المفكرون والشعراء والمناضلون.
على أيّ حال لهذا البيت تاريخ حافل بالاعتداءات ففي العام 1962 اثر الثورة الانقلابية جاء من يمارس حقده على الحجر من قبل المكتب الثاني وأعوانه لعملية تخريب منظمة ومقصودة، ولم يكتفوا بذلك بل أكملوا باتجاه العرزال فعمدوا الى حرقه ثم الى قطع شجرات الصنوبر التي يرتفع عليها العرزال وصبوا الأسيد على أصول جذورها إمعاناً منهم في الحقد على كلّ ما يتعلق بسعاده.
وصولاً الى العام 1975 حيث عاد الحقد يمارس هواياته واجتيحت منطقة ضهور الشوير والقرى المحيطة وتمّ التنكيل بأهلها فهجروا ودمّرت منازلهم وفي وطئها تمّ ارتكاب مجزرة عينطورة الدامية وطبعاً لحق التفجير منزل سعاده…
وأيضاً تعرّض مكتب الزعيم للسرقة والنهب على اثر المحاولة الانقلابية حيث بقي المنزل مشرعاً للمداهمات ومعرضاً لكلّ أنواع الانتهاكات.
وبصدد بناء وهندسة البيت لفت الدكتور سليم مجاعص (صاحب سلسلة إصدارات ـ أنطون سعاده ـ باللغتين الانكليزية والعربية) انّ متانة هندسة البيت حالت دون سقوطه، فالمهندسان اللذان أشرفا على وضع أسسه ادغار عبود ووليم سابا اعتمدا الأسلوب المعماري «الشويري المحلي» ايّ بناء المنزل على صخر واعتماد الحائط الحجري بديلاً عن العمود، خاصة انّ محيط الحجر غالباً ما يكون عريضاً تماماً كما هي الحجار المستعملة في بناء مزل الزعيم. الى جانب الأسلوب الهندسي الحديث خاصة لجهة إنشاء القناطر وتدعيمها بالحديد وهذه طريقة متبعة في يومنا هذا في أرقى البلدان.
الأمينة الاولى تستكمل بناء الدار وتزيّن بوابته بـ «الزوبعة» وارجوحة حمراء على شرفته…
جولييت المير سعاده، المتشحة بالأسود جللاً وحزناً على الدم المهدور غدراً… وبهيبة الآلام، متمسكة بقوةِ الإقرار والمعنى النبيل، سعت ورغم الجراحات الكبيرة التي عانتها مع بناتها أبت إلا أن تشكل محور الضوء والقوميين حولها ومعها… يستمدّون منها الأمل بعد فاجعة الحزب باستشهاد الزعيم. ولعلّ هذا ما أعانَها على الصمودِ بعد استشهادِ زوجِها الذي نظرتْ إليه كزعيمِها. وواصلوا الطريق سوياً… بلا أيِّ ضمانٍ على الإطلاق مادياً ولا مصدر للرزق ثابتاً او استقرار أمني مضمون، لحزب لم يخرج بعد من فاجعة استشهاد زعيمه والحزب ما زال على شفير الخطر…
احتضنتِ الحلمَ الكبيرَ والرؤيةَ المثالية، وعملت بمساعدة نخبة من القوميين على استكمال المنزل، وعملت على «تأثيثه» وداومت على الاصطياف فيه مع بناتها منذ العام 1952 حتى العام 1954… والمؤكد انّ الطابق الارضي كان شبه منته الذي كان مؤلفاً من ثلاث غرف نوم من الجهة اليمنى وصالونين وغرفة طعام وشرفة وضعت عليها الأمينة الأولى أرجوحة حمراء، وأضافت اليه طابقين آخرين دون ان تتمكّن من إتمامهما نهائياً… الطابق الثاني «مرفوعة حيطانه» وبدون تقسيم داخلي والدرج الملتف «على الباطون غير مبلط» وفي العام 1955 كانت واقعة المالكي… وكان ما كان…
وأضحت الأمينة الأولى نزيلة السجن اثر عملية اغتيال المالكي العام 1955 واتهام الحزب بالضلوع بتنفيذها. وفور إطلاق سراحها غادرت الى فرنسا للعلاج من مرض عضال أصابها خلال فترة السجن، غير أنها بعد عودتها في العام 1969 أعادت ترميم المنزل من جديد وأحاطته بـ باب حديد جميل محفور عليه شعار الزوبعة… لكن «ما طوّلت الأيام» حتى أثقلت الحرب الأهلية بكلّ أوزارها على لبنان»، و» كما سبق وذكرنا عن تعرّض دار عائلة الزعيم للسرقة والتفجير ولم تسلم حتى بوابته الحديد من النهب،حيث حاول الامين وديع إنقاذ بقية أثاث المنزل ليس لقيمته المادية بل لقيمته المعنوية، وقد تمّ نقل ما توفر من «أغراض» الى منزل له في عين القسيس وهناك ايضاً لم يسلم من السرقة، وبقي اليوم الجزء اليسير تحتفظ به عائلة الأمين وديع على «المتخت» في المنزل (على ما أفادت السيدة ليا مجاعص آنذاك».
مساحة المبنى القديم: 200م2 مساحة الدار اليوم 1800م2
وبناء على هذا الإعلان تمّ تشكيل لجنة تشرف على إنجاز هذا الصرح وإدارته، وقد أفادت لجنة المهندسين انّ البناء القديم متصدّع كلياً وغير مؤهّل للصمود او الترميم او حتى التوسع به، لذلك تمّ الاستعاضة عنه بنموذج جديد مستند الى دراسة علمية على أن يستخدم في عملية البناء كلّ ما يمكن استخدامه من الحجارة الموجودة…
رئيس الحزب يعلن انطلاق ورشة بناء دار سعاده الثقافية الاجتماعية 16 تشرين الثاني 2009
قال رئيس الحزب الأمين أسعد حردان في كلمة ألقاها في حفل الاستقبال الذي أقامه الحزب بمناسبة الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الحزب بتاريخ 16 تشرين الثاني 2009: «إني أودّ في رحاب هذه المناسبة أن أعلن أمامكم إطلاق مشروع «دار سعاده الثقافية الاجتماعية» في منزل حضرة الزعيم في ضهور الشوير الذي تعرّض لأبشع جريمة بربرية خلال بداية الأحداث اللبنانية، وسيعيد رفقاء سعاده إعادة إعمار دار سعاده، بعد أن اكتملت حيثيات هذا المشروع. كما أودّ توجيه تحية شكر وتقدير لجميع الذين ساهموا في إنجاح الوصول الى هذه المرحلة الأساسية من المشروع»…