الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تستذكر غسان كنفاني بوقفة حول ضريحه في مقبرة شهداء الثورة في شاتيلا
عبدالعال: أسستَ الكلمة المقاتلة وتعلُّم الوطنية يبدأ بقراءتك
بمناسبة الذكرى السنوية الـ 46 لاستشهاد عضو المكتب السياسيّ للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأديب غسان كنفاني نظمت وقفة عند ضريحه في مقبرة شهداء الثورة الفلسطينية في شاتيلا.
شارك في الوقفة عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي سماح مهدي يرافقه الناموس المساعد في عمدة الإذاعة رامي شحرور إلى جانب مسؤول الجبهة في لبنان مروان عبد العال وقيادتها. كما حضر ممثلون عن فصائل المقاومة واللجان الشعبية الفلسطينية، والأحزاب والقوى الوطنية اللبنانية.
وبعد أن وضع إكليل من الزهر على ضريح الشهيد تحدّث مسؤول الجبهة في لبنان مروان عبد العال، قائلًا:
في الثامن من تموز من كل عام، يدعونا غسان إليه، إلى زمنه الجميل، نلتقي مع أحبة ورفاق وأصدقاء، وأطفال غسان، ومؤسسة غسان، ورئيس المؤسسة خال غسان كنفاني، الأستاذ الفاضل فاروق غندور الذي رحل قبل أشهر – وإلى روحه السلام- وأبناء رياضه ورفيقة العمر والذكرى السيدة آني كنفاني.
تكتمل باقة الشهداء مع روح لميس في هذا المكان ومع شهدائنا العظام… قادة ومقاتلين ومناضلين.
نتذكّر معنى التضحية في هذه الأسطورة الفلسطينية الخالدة، التي جسّدت الفكر والثقافة والأدب المقاوم، وقد ظلت مدرسة نتعلّم منها وتسكن روحنا وأحلامنا وأعماقنا، وقدّمت لنا حقائق لا بدّ من المرور عليها:
– الحقيقة الأولى: في حماية قيم الحقيقة، وحرية الإنسان والوطن، الحق لا يُستحق بدون الحقيقة التي غرسها غسان في جيل كامل، لذلك ظلّ غسان النبوءة الثوريّة هتفت يومًا بجملة خالدة: «تسقط الأجساد لا الفكرة». قلتها لأعداء الحقيقة، أعداء الشمس، وأعداء الحرية، وأعداء الكلمة، وأعداء الوطن (إنهم قتلوك وما قتلوك، ولكن شبّه لهم)؛ لأنهم أرادوا بغيابك أن يقتلوا نموذج هذا الحلم والفكرة التي أشهد أن الحلم حي لا يموت،، وإبداعك لأدب المقاومة وفكرها يوماً، فأبدعت حكاية ودراسة، وموقفاً وسياسة وريشة، وكتابًا ورواية ومسرحية، وقصة وسؤالًا، ومقالًا.
ونحن اليوم أمام المأزق السياسي، الذي له بعد ثقافيّ قيميّ. لنا الحق بالاختلاف والنقد والرأي الحر باللغة الوطنية، والموقف المسؤول، وليس أي كلام آخر، وما نخشاه أن تتحول التعددية السياسية إلى تنافس سلبي وفئوي غرائزي مدمّر للمشروع الوطني، ويضرب وحدة الشعب الفلسطيني ونسيجه الوطني، وبدل من أن يكون التنوّع أهم رافعة له، يصير أهم أسباب فشله.
الحقيقة الثانية: كل سنوات الغياب فشلت من انتزاعه من زمنه الفلسطيني، قوة السردية الفلسطينية، فلسطين كل فلسطين تجلّت في حكاياته وكتاباته وأبطاله، وجدناها حيّة في الأيام المجيدة من سيف القدس وانتفاضة البطولة في كل فلسطين. شاهدنا ولم نقرأ فقط ما تبقى لكم وموت سرير رقم 12، وما كتب للرجال والبنادق. رأينا أم سعد تذهب إلى الحدود ولرجال في الشمس يرفضون الموت كبضاعة مهرّبة في غيتوات عنصرية، وعائد إلى حيفا الذي يؤكد هويته الوطنية، وعما هو الوطن حيث لا يحدث ذلك كله! والقبعة والنبي والباب وعالم ليس لنا، والبرتقال الحزين.
الفكرة التي توقد فينا روح المقاومة تكتب زمن الاشتباك التاريخيّ والمقاومة الحقيقيذة، وتبشر بإشراق الرجال الحقيقيين. هذا معنى فلسطين غير القابلة للاختزال أو القسمة، بكامل أحرفها وأقانيمها وروحها وناسها.
لقد اعتقدوا أنهم يجرّدوننا من غسان ليغتالوا فلسطين، لأنهم وجدوا فيك مواصفات الإنسان يعني فلسطين التي رفعها إلى مرتبة الشرف، بمعايير طهرها وعدالتها وإنسانيتها.
والحقيقة الثابتة هي أن تكون فلسطين الهدف المشترك، والجامع للتحرير، والعودة والاستقلال، على أساس المقاومة الشاملة، فالوطن هو الأساس، والحقيقة التي تجسّدت في انتفاضة أيار سر القوة أن يظل الناظم الوطني هو التناقض الرئيسيّ مع الاحتلال بين الكل الفلسطيني وكل العدو؛ لأنه وحده له مصلحة في تحوير الصراع، وتدمير كل إنجاز ومشروع وطنيّ، والعلاقات الوطنيّة وتشويه فكرة فلسطين.
الحقيقة الثالثة: يقف إلى جانب المخيم كما قال في رواية أم سعد «إلى الذين تحت سقف البؤس الواطي ولكن في الصف العالي من المعركة»، والخيمة والمقاتل والحنين والغربة والمنافي والسجون، و»الحبوس أنواع». يوم حذرت مبكراً أن يصبح المخيم حبسًا أو حالة زعامتية أو سياحية أو «حالة تجارية»، خيمة عن خيمة تفرق، عبر تحويلها إلى شظايا ونثرات وفتاة تلهث وراء لقمة العيش على موائد الأنظمة والدول الكبرى.
ألم تقل إن الإنسان في نهاية الأمر قضية؟ الإنسان الحر سواء بالقتل المعنوي أو الجسدي، او تطبيع الذاكرة والعقل والإرادة، لأن المستهدَف دائماً الإنسان القضية وفلسطين القضية.
ونحن في المخيمات اكثر مَن يدرك ان السياسة ليست نداء استغاثة لضمير العالم، لأن العالم لا يفهم لغة الاستكانة والاستجداء والشفقة. نلوم الآخر وننتقد الآخر، لكن الأهم النقد الذاتي بل علينا توجيه نداء الى أنفسنا، ان نوحّد ذواتنا ومكوناتنا وطاقاتنا، يكفينا استنزافًا وتشويهًا لقضيتنا، وبأن نكون جديرين بالحق، وعلينا أن نتقن اللغة التي يفهمها العالم .
وختم كلامه بالقول من خلال توجيه رسالة إلى غسان: «نحن بقرار موجز سنظل ننتمي إلى دمك وفكرك وحلمك وحزبك وثورتك وفلسطينك وعروبتك وإنسانيتك، وإلى مَن يريد أن يتعلم قانــون الجاذبية عليه أولاً أن يقرأ نيوتن، ومن يريد أن يتعلم الوطنية عليه أولاً أن يقرأ غسان كنفاني».
غسان الحكاية المستمرة، المقاومة المستمرة، وثقافة ممتدة وعابرة للأجيال. وعد النصر، وعد الشمس التي ستشرق من القدس، والضفة، وغزة والجليل والنقب، وتحت الحصار وصليب الآلام في المنافي في المخيمات.
كلها بشارة الفجر الجديد نحمل الأمانة الى جيل الانقلاب الثوري القادر على حمل القنديل الصغير، وجلب نور الشمس إلى كل البلاد. الى فلسطين من الماء إلى الماء .
اليوم للتأكيد تلتحم الكلمة بالبندقية بالشهداء والأسرى والأبطال في كل مربع على أرض فلسطين وكل التحية لروح الذي تزامن رحيله اليوم مع ذكراك، الى روح القائد أبو جهاد جبريل الذي أسس للفعل المقاتل كما أسست انت الكلمة المقاتلة.