اليمن: الكلمة الفصل تعود إلى الميدان…
} حسن حردان
طرح فشل الاتصالات السياسية في عمان لإطلاق مسار التسوية السياسية للأزمة اليمنية، بين وفدي أنصار الله وحكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة سعودياً وأميركياً، التساؤلات حول آفاق المرحلة المقبلة:
هل أقفلت الأبواب أمام عودة إطلاق المفاوضات والجهود الدبلوماسية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة يضع نهاية للحرب ومعاناة اليمنيين نتيجة هذه الحرب والحصار المفروض عليهم من قبل دول العدوان؟
وبالتالي هل ستدخل الحرب مرحلة جديدة من اشتداد المعارك وخصوصاً في مأرب التي يشكل حسم المعركة فيها لمصلحة أنصار الله واللجان الشعبية، نقطة تحوّل هامة ستكون لها انعكاساتها المباشرة على مسار العملية السياسية، خصوصاً أنّ تعثر المفاوضات ارتبط بمجريات المعركة في مأرب؟
أولاً، من الواضح أنّ عودة انطلاق الاتصالات والجهود الدبلوماسية في عمان في الآونة الأخيرة قد ترافق مع تطورات ثلاث:
التطور الأول، النقلة النوعية في هجمات المقاومة ضدّ مواقع عسكرية ومطارات ومنشآت اقتصادية نفطية في العمق السعودي ونجاح هذه الهجمات في إلحاق خسائر فادحة بالمملكة..
التطور الثاني، التقدّم الملحوظ لقوات الجيش اليمني واللجان الشعبية في ميدان المعارك البرية انْ كان في محافظة مأرب الاستراتيجية او في داخل الأراضي السعودية، وهو ما أثار حالة من الرعب والفزع لدى أطراف دول وقوى العدوان الذين أدركوا التداعيات الخطيرة لسقوط مأرب بيد الجيش واللجان، من النواحي الاقتصادية والعسكرية والسياسية ولهذا سارعوا إلى تنشيط الحراك الدبلوماسي لوقف الهجوم على مأرب ومنع سقوطها بيد اللجان الشعبية والجيش..
التطور الثالث، فوز الرئيس الأميركي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، وإعلانه في أول خطاب له عن التوجه لوقف الحرب في اليمن ودعم مفاوضات الحلّ السياسي.. ووقف صفقات بيع السلاح للسعودية.
هذه التطورات دفعت واشنطن والرياض إلى إبداء الاستعداد للعودة إلى المفاوضات، لكن سرعان ما بدأت تتبدّل الأجواء الايجابية التي عكسها موقف بايدن لتحلّ مكانها أجواء سلبية، تجسّدت بعودة واشنطن إلى لغة التشدّد في رفض رفع الحصار، او وقف دعمها للسعودية في مواصلة حربها، وذلك على خلفية ما يلي:
1 ـ رفض واشنطن والرياض رفع الحصار عن اليمن ووقف العدوان كمقدمة للبدء بمفاوضات الحلّ السياسي، وهو الشرط الذي أصرّ عليه ممثل حركة انصار الله محمد عبد السلام للبدء عملياً في البحث بسبل التوصل إلى حلول للأزمة…
2 ـ إقدام قوى العدوان على تعزيز قواتها في جبهة مأرب مدعومة بالطيران الحربي لوقف تقدّم قوات الجيش واللجان الشعبية ومنع سقوط مأرب، وهذا ما أدّى إلى إبطاء الهجوم لاستكمال تحرير المدينة.. وفتح معركة محافظة البيضاء للسيطرة عليها من قبل القاعدة وقوات هادي بدعم من تحالف العدوان…
3 ـ خفض منسوب هجمات المقاومة في الداخل السعودي، في سياق العمل على توفير مناخات إيجابية تساعد على تجاوب المملكة مع مطالب الشعب اليمني برفع الحصار..
هذه العوامل ادّت إلى تراجع منسوب الضغط على أطراف قوى العدوان ودفعها الى العودة لمحاولة فرض شروطها للبحث بالحلّ السياسي، في ظلّ استمرار الحصار، ومطالبتها بوقف النار على جبهة مأرب فقط.. مما، طبعاً، لاقى رفضاً من قبل وفد أنصار الله الذي أكد على التمسك برفض ايّ بحث في الحلّ السياسي في ظلّ استمرار الحصار الذي يستخدم وسيلة ضغط لفرض شروط قوى العدوان..
إنّ فشل المفاوضات لإطلاق عجلة الحلّ السياسي، كان هو النتجية الطبيعية لاستمرار واشنطن والرياض في سياستهما الفاشلة لإخضاع الشعب اليمني وقواه الوطنية، ومحاولة فرض الاستسلام عليهم.. وهو ما فشلوا فيه على مدى سنوات الحرب…
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنه في ظلّ عودة انسداد أفق وقف العدوان ورفع الحصار كشرط لعودة البدء بالبحث في الحلّ السياسي للأزمة اليمنية، فإنّ اليمن سيكون أمام سيناريوات العودة إلى استعار المعارك، وتصعيد في هجمات أنصار الله والجيش اليمني في اتجاهين:
الاتجاه الأول، باتجاه مدينة مأرب لتحرير وفرض موازين قوى جديدة لمصلحة الشعب اليمني بقيادة حركة أنصار الله وحلفائها من القوى الوطنية، ذلك أنّ تحرير مأرب سيشكل نقطة تحوّل هامة تعزز موقف المقاومة اليمنية لفرض شروطها القاضية بوقف العدوان وفكّ الحصار، كمدخل لبدء مفاوضات حلّ الأزمة، بعد أن تيقنت انّ قوى العدوان تناور لفرض شروطها السياسية وهي لا تخضع إلا للقوة… وبعد أن أحبطت محاولات هذه القوى للسيطرة على مديرية الزاهر في محافظة البيضاء بهدف تغيير موازين القوى وخلط الأوراق، حيث تمكنت قوات اللجان الشعبية والجيش اليمني من استعادة سيطرتها على الزاهر، وتحرير العديد من المناطق القريبة منها…
الاتجاه الثاني، تصعيد الهجمات الصاروخية وبالطائرات المسيرة ضدّ أهداف حيوية في العمق السعودي لرفع منسوب استنزاف المملكة باعتبار ذلك هو السبيل لجعل الحكومة السعودية تختار بين أمرين أحلاهما مرّ:
الخيار الأول، مواجهة ارتفاع الكلفة المادية لفاتورة استمرارها في الحرب ورفض التسليم بمطالب الشعب اليمني ومقاومته، وهو الأمر الذي سيكون له المزيد من التداعيات السلبية على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي واستطراداً السياسي للمملكة…
الخيار الثاني، التخلي عن الاستمرار في سياسة المراهنة على مواصلة الحرب لإخضاع الشعب اليمني للهيمنة السعودية الأميركية، والاقتناع بأنّ هذه السياسة لن تحقق أهدافها كما برهنت السنوات الماضية من عمر الحرب التي كان يتوقع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ان يحقق أهدافه منها في غضون أسابيع قليلة فإذا بها تجاوزت الست سنوات وأدّت إلى غرق المملكة في رمال اليمن المتحركة ومستنقع من الاستنزاف لا أفق للخروج منه إلا بالتوقف عن مواصلة هذه الحرب والإقرار بحق الشعب اليمني في تقرير مصيره بنفسه بعيداً عن التدخلات والاملاءات السعودية الأميركية..
انطلاقاً مما تقدم فإنّ الكلمة الفصل ستكون مجدّداً للميدان وموازين القوى، ومن يتحمّل أكثر قدرة مواصلة حرب الاستنزاف، التي برهن اليمنيون بقيادة تحالف أنصار الله والقوى الوطنية، على مدى سنوات الحرب الماضية، بأنهم يملكون القدرة والإرادة على الصمود والتحمّل والانتصار على أعدائهم…