جعجع قائداً للمحور السعوديّ – الأميركيّ؟
} د.وفيق إبراهيم
هذه ليست مجرد تهمة تثير الضحك فقط، خصوصاً أن السيد سمير جعجع في مواقع قيادية ميدانية في تنظيمات موالية لأميركا منذ أكثر من ستة عقود ونيّف، وهو بالتالي حليف لكل حلفائها في الإقليم، خصوصاً بما يتعلق بالتماهي مع موقفها نظرياً وعملياً في الصراع العربي الإسرائيلي وكذلك في مجابهة المقاومة في حزب الله وسورية وإيران.
قريباً ينتقل جعجع خلسة إلى السعودية حيث يستقبله ملوكها وأمراؤها وبعض الأجهزة الوظيفية في تنسيق مكشوف لمحاربة حزب الله وسورية. وهذا بمثابة إعلان إضافي أن الدور السعودي في لبنان متقلص إلى أدنى درجة بحيث انه لم يعد يجد قائداً له القدر والقيمة والسمعة الحسنة لتمرير مشاريعه، فكان جعجع الذي أكد على دور السفير النجاري.
جعجع اذاً مقبل على حصر زعامة الدور السعودي الأميركي في لبنان بقيادته الشخصية، وهذا له وظائفه فهو يكشف أولاً سقوط قيادات تاريخيّة متتابعة لهذا الدور من سعد الحريري الى رؤساء الحكومات السابقين فوليد جنبلاط ونجاة جعجع منفرداً.
هذا بالإضافة الى أن طبيعة الصراع الداخلي تتطلب احتكار الموقف المسيحيّ، وهذا يعني وجود قائد مسيحي بقياسات لبنانية له المقدرة على مجابهة التيار الوطني الحر، أي الطرف المسيحي الاساس الذي لا يزال قوياً في الساحة اللبنانية.
هنا تظهر النتائج السريعة وأولها ان الحلف السعودي الاميركي اصبح يائساً من الأحلاف الإسلامية والدرزية لمقاومة حزب الله وسورية وإيران.
كما انه اصبح مضطراً لتغيير خطته من صراع بين أحلاف لبنانية منوّعة لا تقتصر على طائفة واحدة الى قتال داخلي شرس له شكل طائفي بين مسيحيين ومسلمين بحياديّة الدروز.
إن مثل هذا التخطيط يتطلب قائداً له المقدرة على الإمساك بالساحة المسيحية ونصبها في وجه ساحة مسيحية أخرى، ما يؤدي الى خطتين من نقطتين: الاولى عرقلة الدور الوطني لحزب الله، أما الثانية فهي العودة الى التحالف مع قوى سنية وشيعية ودرزية لنزع الطابع الوطني عن حزب الله نهائياً وإعادة طرح قيادات اسلامية لكي تستكمل مرحلة إعادة بناء لبنان على الطريقة الإسرائيلية. وهذا يؤدي الى سحب مصادر القوة التاريخية من حزب الله وسورية.
لماذا اختيار جعجع بالذات من قبل الأميركيين؟
لحاجتهم لحزب مسيحي قوي هو حزب القوات في وجه بقية الأحزاب المسيحية.
هناك نقطة سريّة قوية جداً وتتعلق بالتقارب السياسي بين قوات جعجع والبطريركية المارونية التي يقودها حالياً الكاردينال الراعي.
فتحالف هذين الموقعين يمنح جعجع قوة مسيحية كبيرة خصوصاً أن الراعي يحمل خطأ تصعيدياً يعتبر أن المرحلة الحالية هي مرحلة إنقاذ لبنان من سيطرة حزب الله وسورية والرياح الإيرانية.
هذا من دون ان ينسى احد ان الراعي يعتبر نفسه وريث النظرية التي لا تزال ترى لبنان قطعة من الانتداب الفرنسي وجزءاً هاماً من التحالفات الاميركية في المنطقة، وهو لذلك متعاون مع السعودية والأردن ومصر و»إسرائيل» والإمارات الى أقصى حدود.
هذا يمنح الراعي تبريرات تأييد جعجع لعلهما سوياً يستعيدان «لبنان الفرنسي» المتأمرك حالياً، وذلك بإقصاء أدوار حزب الله وحلفائه.
هناك نقطة إضافية وهي ان جعجع اصبح شديد التمرس بالسياسات الإقليمية والدولية كجزء من العلاقات التي ربطت حزبه القوات مع السعودية والخليج والأميركيين و»إسرائيل»، أما الأسئلة الأخيرة فتتعلّق بأسباب اختيار ماروني لقيادة الجبهة الأميركيّة وانتقاء سمير جعجع بالذات؟
إن اختيار ماروني يتوجّب أن يكون لديه خبرة في السياسة والحرب والعلاقات. وهذه من صفات جعجع صاحب التاريخ الطويل والمتخصص بالتاريخ المسيحي الماروني الكاثوليكي – الارثوذكسي والارمني والسريان، فهل نسي اللبنانيون كيف نظم الحكيم في إطار حزبه في الثلاثة عقود الماضية الألاف من الأرمن من السريان وأبناء الطوائف المسيحية غير المارونية؟
وهل يمكن اعتبار فؤاد السنيورة مثلاً قائداً بديلاً لجعجع في هذا المشروع الأميركو – لبناني؟
وكذلك الحال بالنسبة لميقاتي وسلام ومعظم القيادات السنية.
هذا هو المشروع الأميركي الجديد الذي يرى اساساً في جعجع إلا آلية لتنفيس المشروع السوري – الايراني وضرب أدوار حزب الله التي زعزعت الاسس الأميركية للإقليم وتتواصل بصعود غريب يؤكد مجدداً أن المنطقة بحاجة لحزب الله كدور يقف في وجه المشاريع الأميركية الخليجية الإسرائيلية؟
واخيراً هل يجد الحكيم حلفاء مسلمين له للتمويه؟ قد يؤسس الأميركيون له أسماء قليلة من قبيلة رؤساء الحكومات، لكنه لن يعثر على شيعي واحد يقبل بهذا الدور وربما ايضاً لن يجد درزياً قابلاً للخروج من عباءات الزعماء.
مشروع جعجع خاسر بالمنطق، والأميركيون يعرفون ولا يستطيعون الا بناء محاولات جعجعية لزعزعة حزب الله وأدواره الطليعية في الإقليم.