أيّة حرب ثالثة تريدها «إسرائيل»؟ وما الردّ؟
العميد د. أمين محمد حطيط*
في الذكرى الـ 15 لهزيمة «إسرائيل» في حرب لبنان الثانية كما تسمّى بالمصطلح «الإسرائيلي»، ولعدوان تموز 2006 كما هي في الواقع وبالمفهوم العسكري، في هذا الوقت خرج مسؤول أمني «إسرائيلي» رفيع المستوى (على حد ما وصفه موقع والا الإسرائيلي) خرج ليقول بأنّ «حرب لبنان الثالثة هي مسألة وقت فقط» في موقف شاء منه أن يقول إنّ القرار بالحرب «إسرائيلياً» متخذ وأنّ تنفيذه رهن ظرف أو ظروف يلزمها بعض الوقت لتتحقق وتدخل التشكيلات العسكرية في المواجهة في الميدان الذي ترغب «إسرائيل» بناره لتعالج ما تراه من أخطار يشكّلها سلاح المقاومة بأنواعه المتعددة على «إسرائيل» وجوداً وأمناً. فهل الواقع حقيقة هو كما يصف هذا المسؤول «الإسرائيلي»؟
في المبدأ ومن غير انتظار قول هذا المسؤول «الإسرائيليّ أو غيره، فإننا نقول إنّ الحرب المقبلة مع «إسرائيل» هي مسألة وقت، نقول بهذا ليس لمتغيّر طرأ بل انطلاقاً من ماهية وطبيعة «إسرائيل» ذاتها. فالطبيعة «الإسرائيلية» قائمة على مبدأ القوة و«إسرائيل» نظمت وجودها وأسّسته على القوة وترى أنّ استمراريتها رهن بهذه القوة توفراً واستعمالاً، وبالتالي فإنّ «إسرائيل» تكون في حال من اثنين إما في حرب أو في حالة الإعداد للحرب، وأخيراً ابتدعت مصطلحاً جديداً تشير به إلى المشاغلة بين الحربين وقالت بـ «الأيام القتالية»، وبالتالي فإنه ومن هذا المنظور المبدئي لا يكون المسؤول «الإسرائيلي» قد أتى بشيء جديد، لأنّ «إسرائيل» تعدّ للحرب المقبلة منذ اللحظة التي تتوقف فيها العمليات القتالية في الحرب الراهنة ويذكرني هذا بما حصل معي في العام 2000 عندما كنت رئيساً للجنة العسكرية اللبنانية التي كلفت بالتحقق من الاندحار «الإسرائيلي» ونشب نزاع مع العدو «الإسرائيلي» حول مساحة جرداء صغيرة في مرتفع يارون، حيث إننا طالبنا بخروج المحتلّ من الأرض وهي لبنانية، وسأل الجنرال الأممي رئيس اللجنة «الإسرائيلية» عن سبب تمسكه بمساحة ضيقة لا قيمة فعلية لها وهي حسب الخرائط لبنانيّة فقال له: «تلزمنا في الحرب المقبلة».
إذن في المبدأ لا يكون المسؤول «الإسرائيلي» قال جديداً، ولكن من زاوية أخرى ينبغي التوقف عند هذا القول الآن ربطاً بما يعانيه لبنان وما وصل اليه بتأثير المخطط أو الخطة المسمّاة «خطة بومبيو» لتدمير لبنان والمقاومة فيه، وهي الخطة التي تشتمل على مراحل خمس، تبدأ بالفراغ السياسي، ثم الانهيار المالي النقدي، ثم الانهيار الاقتصادي الاجتماعي (وقد تحققت هذه المراحل كلها) ثم تكون المرحلة الرابعة عبر الانفجار والانهيار الأمني (وهو ما يعمل عليه الآن وباتت الخشية جدية من تحققه) وصولاً إلى المرحلة الخامسة وهي التي يعنيها المسؤول «الإسرائيلي» بقوله «الحرب الثالثة مسألة وقت» فهو يعني بقوله إنّ خطة بومبيو نجحت في مراحلها الأربع ولم يتبقّ إلا اليسير في المرحلة الرابعة ما يعني أنّ على «إسرائيل» أن تكون مستعدة لإطلاق المرحلة الخامسة في أيّ وقت ترى فيه الأمن اللبناني قد انهار وبات ممكناً الإجهاز على المقاومة بعد أن تكون هي وبيئتها أنهكت وأشغلت أو تصدّعت اثر المراحل الأربع التي ذكرنا. فأين نحن من هذا التصور؟
إذا حللنا الأمر من الوجهة العسكرية المحض نستطيع أن نصل بسهولة وثقة إلى نفي إمكان مجازفة «إسرائيل» بشنّ حرب على لبنان في ظلّ الأوضاع العسكرية والميدانية التي تعانيها والتي فضحتها مؤخراً مجريات معركة «سيف القدس» حيث إنّ سؤالاً لا بدّ من طرحه بعد تلك المعركة يتضمّن القول: إذا كانت «إسرائيل» عجزت عن معالجة الأخطار التي شكلتها المقاومة الفلسطينية في غزة وأحجمت عن خوض الحرب البرية ضدها وعجزت عن إسكات مصادر الصواريخ التي أطلقت إلى العمق «الإسرائيلي»، فكيف سيكون حالها مع المقاومة في لبنان وهي التي تعمل في ظروف وبقدرات أفضل بكثير مما هو عليه وضع المقاومة في غزة. فـ «إسرائيل» تشكو الآن من عدم جهوزية قوى البر وتراجع فعالية الطيران وفقدانه صفة السلاح الحاسم في وجه المقاومة، كما أنها شهدت على نفسها بالضعف في مجال الدفاع عن الجبهة الداخلية وسقط شعار «شعب يعمل تحت النار وهو آمن»، مع افتضاح وهن القبة الفولاذية التي لم تستطع التصدي لأكثر من 30% من صواريخ العدو.
بيد أنّ البحث في الأمر لا يجب أن يكون محصوراً بهذا التقدير العسكري المحض، فـ «إسرائيل» غير مقيّدة في عدوانها بالعمل في الميدان وعلى الجبهات التي تناور فيها بالأسلحة التقليدية من قوى برّ وجو وبحر، بل إنها إلى جنب تلك القوى فإنّ الحروب «الإسرائيلية» تشمل العمل خلف الخطوط واستثمار حالة الاهتراء والتردّي في السياسة والاقتصاد والمجتمع، فإذا وجدت أنّ الظرف وصل إلى الحدّ الذي يمكنها من زجّ التشكيلات التقليدية فإنها تفعل ولا تتردّد.
على ضوء ما تقدّم نرى أنّ لبنان وفي حالة الانهيار التي أدخلته فيها الطبقة السياسية الفاسدة بمعظم مكوّناتها، بات أمام خطر جدي لتدخل أجنبي يتعدّى الهيمنة والسيطرة السياسية والمعبّر عنها بمقولة «فرض الوصاية والانتداب» كما هي إرهاصات حركة الثنائي الفرنسي – الأميركي الساعي لضمّ السعودية إليه، أو محاولة فرض واقع عسكري أممي عبر تعديل القرار 1701 لنشر قوات «اليونيفيل» على كامل الحدود والمعابر اللبنانية إلى الخارج بما في ذلك المرفأ والمطار وحدوده مع سورية، أو عبر ما طالبت به لجنة الدفاع في مجلس النواب – الجمعية العمومية الفرنسية من إرسال قوات دوليّة لأغراض إنسانية تعمل تحت سلطة الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدوليين.
فالصورة الإضافيّة من الأخطار التي تتهدّد لبنان بالإضافة إلى كلّ ما ذكرت باتت تتمثل بتدخل تخريبيّ «إسرائيلي» يتطوّر عسكرياً وميدانياً وفقاً للنتائج التي تحصد من العمليات الأولى. ولهذا نرى أنّ الدفاع عن لبنان ينبغي أن تتعدّد أشكاله وصوره بحيث توضع لكلّ فئة من الأخطار صيغة للمواجهة في سياق استراتيجية وطنية نعرف جيداً أنّ الطبقة السياسية اللبنانية لن تبادر اليها، فهي ليست على قدر من الكفاءة والشجاعة والقوة لاعتمادها، ما يجعلنا نتطلع إلى ثلاثية قوة لبنان من «جيش وشعب ومقاومة» لنقول للأطراف الثلاثة إنّ لبنان الذي رمته الطبقة السياسية في أتون المخاطر وعرّضته للزوال عليكم إنقاذه عبر:
1 ـ إنقاذ الاقتصاد والنقد والتوجه شرقاً إلى الإقليم ثم الشرق الأقصى.
ـ قطع الطريق على الحركة الأجنبيّة لفرض الانتداب والوصاية على لبنان.
3 ـ التهيّؤ لمواجهة ما تعدّ له «إسرائيل» وعلى مرحلتين، مرحلة الأعمال التخريبيّة لزعزعة الأمن وإثارة الفوضى، ومرحلة العمل العسكري الاحتلالي في حال نجحت الأولى. تهيّؤ يكون بتحصين الأمن الداخلي والاستعداد للردّ على عمق العدو ليدفع باهظاً ثمن تدخله ولتعزيز معادلة الردع الاستراتيجي التي تحمي لبنان.