عون سيدعو إلى استشارات نيابية في أسرع وقت
رئاسة الجمهورية: الحريري رفض بحث التعديلات على التشكيلة واعتذر عن التكليف
بعد حوالى التسعة أشهر من تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف حكومة تخلف حكومة الرئيس حسان دياب المستقيلة، وما أعقب ذلك من تجاذبات واشتراطات متبادلة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتيار الوطني الحرّ من جهة والرئيس المكلّف وفريقه السياسي المدعوم من نادي رؤساء الحكومات السابقين من جهة ثانية، وفشل الضغوط الدولية العديدة لتسهيل ولادة الحكومة العتيدة، اعتذر أمس، الحريري الذي قدّم آخر تشكيلة له أول من أمس، إلى رئيس الجمهورية، عن متابعة مهمته عازياً السبب إلى عدم التوافق مع الأخير على التشكيلة، رافضاً التعديلات التي طرحها عون عليها.
وبعد هذه الخطوة أعلن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أن عون سيُحدّد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة في أسرع وقت ممكن.
وأوضح مكتب الإعلام في بيان وقائع اللقاء الأخير، فأشار إلى أنه “خلال اللقاء عرض الرئيس عون على الرئيس المكلّف ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالباً البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة إلى الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه خلال الفترة الماضية من خلال مسعى الرئيس نبيه برّي. إلا أنّ الرئيس الحريري لم يكن مستعداً للبحث في أي تعديل من أي نوع كان، مقترحاً على الرئيس عون أن يأخذ يوماً إضافياً واحداً للقبول بالتشكيلة المقترحة. وعليه سأله الرئيس عون ما الفائدة من يوم إضافي إذا كان باب البحث مقفلاً. وعند هذا الحدّ انتهى اللقاء وغادر الرئيس الحريري معلناً اعتذار”.
أضاف مكتب الإعلام «لقد شدّد الرئيس عون على ضرورة الالتزام بالاتفاق الذي تمّ التوصل إليه سابقاً إلاّ أن الرئيس الحريري رفض أي تعديل يتعلق بأي تبديل بالوزارات وبالتوزيع الطائفي لها وبالأسماء المرتبطة بها، أو الأخذ بأي رأي للكتل النيابية لكي تحصل الحكومة على الثقة اللازمة من المجلس النيابي، وأصرّ على اختياره هو لأسماء الوزراء».
ورأى أن «رفض الرئيس المكلّف لمبدأ الاتفاق مع رئيس الجمهورية ولفكرة التشاور معه لإجراء أي تغيير في الأسماء والحقائب يدلّ على أنه اتخذ قراراً مسبقاً بالاعتذار ساعياً إلى إيجاد أسباب لتبرير خطوته، وذلك على رغم الاستعداد الذي أبداه رئيس الجمهورية لتسهيل مهمة التأليف إدراكاً منه لدقّة المرحلة والتزاماً منه بضرورة الإسراع في تأليف حكومة قادرة على الإصلاح، فضلاً عن الالتزام بما أبلغه رئيس الجمهورية إلى سائر الموفدين الإقليميين والدوليين الذين زاروا لبنان في الأيام الماضية والمراسلات التي تلقّاها من مسؤولين عرب وأجانب».
وختم «وعليه، وبعد اعتذار الرئيس المكلّف، سيُحدّد رئيس الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة بأسرع وقت ممكن».
وكان الحريري صرّح بعد اللقاء الذي استمرّ ثلث ساعة «التقيت بفخامة الرئيس وأجرينا مشاورات في الموضوع الحكومي. خلال الحديث، طلب الرئيس إجراء تعديلات في التشكيلة الحكومية اعتبرتها جوهرية. وناقشنا الأمور التي لها علاقة بالثقة، وتسمية الآخرين، المسيحيين وغيرهم. من الواضح أن الموقف لم يتغيّر في هذا الموضوع، وأننا لن نتمكن من الاتفاق مع فخامة الرئيس. وخلال الحديث معه، سألته إذا كان يحتاج لوقت إضافي للتفكير في الموضوع، فأجاب بأننا لن نستطيع التوافق، لذلك قدّمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة، والله يعين البلد، وسنتكلم الليلة (أمس) مطوّلاً».
وقال الحريري في حديث إلى قناة «الجديد»: «لقد تمنّيت على الرئيس عون دراسة التشكيلة في 24 ساعة، ولم أفرض شروطي، وهم فهموها هكذا». وأضاف «رشّحت نفسي لحلّ مشكلة البلد بحسب المبادرة الفرنسية. واليوم، اعتذرت عن عدم تأليف حكومة الرئيس ميشال عون. كنت سائراً بورقة الرئيس برّي، لكن الرئيس عون يريد كل شيء. لقد سألت الرئيس عون اليوم عن موضوع إعطاء الثقة وتسمية المسيحيين فأجابني الإجابة نفسها بأن كتلة التيار الوطني قد تعطيني ربع ثقة».
وسأل «بأي منطق يطلبون الثلث المعطّل، طالما لم يسموني ولا يريدون إعطائي الثقة؟». وتابع «كنت أريد أن أقدّم اعتذاري منذ فترة طويلة، لولا تمنّي الجميع، وبخاصة الفرنسيين. اليوم، اكتشفت خلال زيارتي أن الحديث السابق نفسه ما زلنا نتحاور فيه ولم يتغيّر شيء. لقد أبلغت الرئيس عون أنني لا أُقفل الباب أمام تغيير بعض الأسماء، لكنني اكتشفت أننا نُضيّع الوقت».
وأردف «عندما أبلغت الرئيس عون أنني سأزوره غداً في الرابعة، أجابني ألاّ ضرورة لذلك». واعتبر أن «الحلّ الوحيد هو أن تتشكّل الحكومة بغضّ النظر عن اسم رئيسها، شرط العمل على تحقيق برنامج صندوق النقد الدولي وإجراء الانتخابات، وهذا ما كنت سأعمل أنا عليه».
وقبل اجتماع عون مع الحريري، تابع الثاني درس الصيغة الحكومية التي قدّمها إليه الحريري أول من أمس. وتلقى اتصالاً هاتفياً من لحريري تقرّر في خلاله أن يزور الرئيس المكلّف قصر بعبدا بعد ظهر أمس لاستكمال التشاور.
واستقبل عون السفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، وعرض معهما للأوضاع العامّة في البلاد والمستجدات الحكومية.
وسلّمت السفيرتان الرئيس عون رسالة خطية مشتركة من وزيري الخارجية الأميركية والفرنسية أنطوني بلينكن وجان إيف لودريان، أكدا فيها “اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وضرورة الإسراع في تشكيل حكومة جديدة تواجه الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان”.
واعتبرت الخارجية الأميركية أن “على قادة لبنان تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات للخروج من الأزمة”. وكشفت أن الوزير بلينكن سيبحث مع نظيره الفرنسي الجهود المبذولة لمعالجة الوضع في لبنان.
وبعد اجتماعه مع لودريان قال الأخير في تصريح خلال مؤتمر صحافي، تخلّلته فقرة خاصة بلبنان “أمّا في ما يتعلّق بلبنان، فقد اتفقت مع وزير الخارجية الأميركي على مواصلة تنسيق أنشطتنا على نحو وثيق، من أجل التوصّل إلى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية التي تعانيها البلاد. وإننا نعمل على اتخاذ تدابير فرنسية وأميركية لممارسة الضغوط على المسؤولين عن التعطيل في لبنان، إضافةً إلى القرارات التي اتخذها مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في 12 تموز الحالي. وإننا نسعى معاً إلى حشد جهود شركائنا الإقليميين دعماً لهذه المساعي، وذلك بعد الزيارة المشتركة التي أجرتها السفيرتان الفرنسية والأميركية إلى الرياض في 8 تموز”.
وغب أول رد فعل عربي على اعتذار الحريري، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في تصريحات صحافية من نيويورك، حيث يُشارك في جلسة مجلس الأمن عن ليبيا، بحسب وكالة “أنباء الشرق الاوسط”، عن “خيبة الأمل الكبيرة” إزاء قرار الحريري، الاعتذار عن تشكيل الحكومة. وأعرب عن اعتقاده أن تبعات “قد تكون خطيرة على مستقبل الوضع في لبنان”، متعهداً بـ”مواصلة الجامعة العربية مواكبتها للوضع في لبنان، ومدّ يد الدعم له في هذا الظرف الدقيق من تاريخه الحديث”.
وناشد أبو الغيط، “المجتمع الدولي الاستمرار في مساعدة الشعب اللبناني في هذا الظرف الدقيق”، وقال “إن مسؤولية الفشل والتعطيل في التوصل إلى التوافق السياسي باتت معروفة للقاصي والداني، وإن كان الإنصاف يقتضي أيضاً تحميل جميع السياسيين اللبنانيين مسؤولية إيصال لبنان إلى هذا الوضع المتدهور، الذي لا يستحقه شعب لبنان الصامد والمثابر”.
وفي لبنان علّق النائب فريد هيكل الخازن عبر حسابه على “تويتر” على إعلان الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة، قائلاً “دخلنا في المأزق الكبير.. الله يعين لبنان”، فيما رأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في بيان أن “لبنان الآن أمام مفترق خطير جداً، الاعتذار كارثي، والفراغ أخطر من كارثي”، معتبراً أن “الحلّ بطاولة أقطاب لإنقاذ لبنان، وإلاّ فانتظروا الأيام السوداء، والقرار الدولي الإقليمي لا لإنقاذ لبنان والإستثمار بالخراب جاهز على الطاولة، والفوضى الكبرى مسألة وقت، الحلّ الآن وليس غداً بطاولة أقطاب، وإلاّ طار البلد».