رفع الدعم قبل نفاذ الكميات المخبّأة والمخزّنة والمحتكرة سرقة مكشوفة وجريمة موصوفة لأنها من مال الشعب!
} علي بدر الدين
يعترف الشعب اللبناني المسالم، غير التابع أو المرتهن للمنظومة السياسية والمالية والطائفية والمذهبية الحاكمة، وهو «بكامل قواه العقلية والنفسية»، أنّ هذه المنظومة المتسلطة منذ أكثر من ثلاثة عقود، حققت «انتصارات» ساحقة ماحقة عليه، في كلّ «معاركها» التي خاضتها ضدّه بشراسة غير مسبوقة او معهودة من قبل، بضربات قاضية متتالية على كلّ المستويات وفي كلّ القطاعات والخدمات، من دون رحمة أو رأفة او ضمير أو إنسانية، وهي في الأصل، مفقودة ومعدومة عندها منذ زمن بعيد، و»بطَحته» أرضاً وكبّلته وشلّحته حقوقه وكرامته كإنسان وكمواطن، وصادرت لقمة عيشه وسطت على أمواله، بعد أن تحكمت بكلّ شاردة وواردة، صغيرة كانت أو كبيرة، من خلال حصرية وكالات الشركات المستوردة فيها، أو من خلال وكلائها وأزلامها، أو عبر شراكتها مع «مافيات» وتجار الاحتكار والجشع والطمع.
في جردة بسيطة للمكشوف المعلوم عن «مآثر» هذه المنظومة السياسية والمالية المستبدّة وسرقاتها و»إبداعاتها» وفسادها وصفقاتها وتحاصصها، تظهر أنها بكلّ مكوّناتها، تفاهمت واتفقت وتآمرت على مؤسّسة كهرباء لبنان، وهدر أموالها وإفلاسها ومراكمة ديونها، حتى نجحت في إدخال البلاد والعباد في العتمة الشاملة، عن سابق تخطيط وإصرار وتصميم لتحلّ المولدات المملوكة منها حصرياً، كبديل لإنتاج التيار الكهربائي من خلال أزلامها ووكلائها، حيث أطفأت كهرباء مؤسسة كهرباء لبنان «الرسمية» وشغلت محركات مولداتها التي تنتشر في كلّ مناطق لبنان، وبأعداد تتجاوز العشرة آلاف مولد، وفق بعض الإحصائيات التي صدرت مؤخراً، وأصحابها هم أركان المنظومة السلطوية ورموزها مباشرة أو بالتكليف والتوكيل،
وإنّ سكوتها المريب على الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية المتفاقمة التي تعصف بالشعب من دون هوادة، وإصرارها على الإنزلاق بالأوضاع المعيشية، وإخفاء واحتكار المحروقات والدواء وحليب الأطفال والسلع الغذائية، ورفع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، والغلاء الفاحش والجنوني في الأسعار الذي يفوق بكثير قدرة المواطن العادي الذي لا يزال يقبض الحدّ الأدنى (675 ألف ليرة) او حتى الملايين من الليرات، التي خسرت لغاية اليوم أكثر من 90 بالمائة من قيمتها الشرائية يؤكد نواياها وأهدافها الخبيثة والمشبوهة المعدة سلفا بشكل واضح وجلي، هو حصدها لجوائز مالية ضخمة، ولتحقيق أرباح إضافية تراكم ثرواتها المكدّسة في الخزائن الحديدية وفي مصارف الخارج، ورفع الدعم عن السلع الضرورية والبنزين والدواء، في هذا التوقيت بالذات ومع ارتفاع سعر صرف الدولار، يشكل سرقة مكشوفة وجريمة موصوفة، لأنه يأتي قبل نفاذ الكميات المخبّأة والمخزنة المدفوع ثمنها من مال الدولة والشعب بوصفها مدعومة، ليجني منها تجار الاحتكار والشركات المستوردة أموالاً طائلة بالتواطؤ مع مصرف لبنان والمصارف والسلطة، في مرحلة يدق فيها «نواقيس» الخطر والفقر والجوع والبطالة والمرض.
إنّ ما يحصل على المكشوف هدفه تيئيس اللبنانيين وإذلالهم للقبول بأية «حلول» تخرجهم من «جهنم» ذلّ الوقوف في الطوابير على محطات الوقود لساعات، او البحث عن دواء في الصيدليات قبل إطلاق صافرات الاعلان الرسمي عن رفع الدعم، الذي بدأ يشقّ طريقه الى التنفيد حيث سيغرق السوق بالبنزين والمازوت، وتفتح الصيدليات أبوابها وتمتلئ رفوفها بالأدوية على أنواعها، وفتح محتكروها أبواب مخازنهم بسحر ساحر واحتفلوا بالإفراج عنها بأسعار مرتفعة جداً سينوء الشعب الفقير والمريض تحت أعبائها وكلفتها العالية جداً، لأنّ ما يجنيه من مال في حال كان لا يزال يعمل أو كان موظفاً أو متقاعداً قد يكون ثمن «روشتة» وأجرة الطبيب، فكيف إذا اضطر لدخول المستشفى وإجراء عملية جراحية طارئة؟ هل يرهن بيته او يبيع كليته أو جزءاً آخر من جسده ليدفع الفاتورة الباهظة الكلفة؟
هذه المنظومة الاحتكارية بكلّ حقدها ولؤمها وعدم إنسانيتها ونهمها للمال، استبقت رفع الدعم، باعتماد سياسة القضم والهضم لمقدرات الدولة، ولمدّخرات الشعب المسكين وأرزاقه وانتظار ردات فعله التي لا تزال صفراً، المعروفة حدودها سلفاً من قبلها، وهي عادة وبحكم التجربة والاختبار المزمن، لا تعوّل على هذا الشعب ولا على ردات فعله كثيراً أو قليلاً، لأنها هي مَن عجنته وخبزته وخبرته وخدّرته وطوّعته، وتدرك تماماً كلّ نقاط ضعفه وسهولة إيقاعه في فخاخها وشباكها وألاعيبها الملتوية والمغشوشة واحتيالها، وهو المتمسك بها بسكوته راضياً وقانعاً، بكلّ ما يفعله مسؤولوه وقادته وزعماؤه وأولياء أموره ونعمته، ولأنه لا يزال واثقاً بقرارتهم وخياراتهم وخزعبلاتهم على «العمياني»، وأكثر من ذلك، فهو لا يزال يصفّق لهم، ويفديهم بدمه وروحه، مع انّ هؤلاء أفقروه وجوّعوه وأذلوه وأهدروا دمه من دون ذنب ارتكبه، وهو لا يعني لهم شيئاً، ولا أهمية له عندهم إلا كرقم في الانتخابات، حيث الحاجة إليه في صناديق الاقتراع.
وهذا ما أكد عليه الرئيس المكلف المعتذر سعد الحريري، مهدّداً ومتوعّداً بأن تكون معركة الفصل، بل «أمّ المعارك»الانتخابات النيابية المرتقبة، لأنه على ما يبدو، واثق جداً من أنّ جمهوره لن يخذله في صناديق الإقتراع، وهو لم يخذله بعد الاعتذار، حيث أقفل الطرق وأشعل الدواليب وحطم السيارات وزجاج المحال التجارية والمطاعم والمقاهي، في حين أنّ مؤيّدي التيار الوطني الحر احتفلوا بـ «النصر» على الحريري على طريقتهم…
لم ينظر أحد إلى حال الشعب اللبناني الذي يفقر ويجوع ويذلّ ويهاجر وتهدر حقوقه وكرامته، ويحرم من أبسط مقومات الحياة الكريمة، بسبب هؤلاء «القادة الكبار» وشركائهم في المنظومة السياسية الحاكمة الذين لم يتركوا عيناً إلا وأبكوها، ومالاً إلا وسرقوه، وحقاً الا وهدروه ووضعوا يدهم عليه، فعلاً صدق من قال: «القط يعشق خناقه»، ونقول بعض الشعب اللبناني العظيم يجب جلاده «ومن الحب ما قتل».
الأسوأ والأخطر، أنّ حبل المعاناة لا يزال طويلاً، وليس في الأفق القريب والبعيد بصيص أمل بأنّ الآتي سيكون أفضل حالاً، المكتوب يُعرف من عنوانه، وتشكيل الحكومة بعد الاعتذار تزداد تعقيداته، و»بيضة قبان» التكليف والتأليف مرهونة بقرار من سعد الحريري، الذي أعلن صراحة، انه لن يسمّي أحداً، ولن يشارك في ايّ حكومة ولن يمنحها الثقة في مجلس النواب، يعني يردّ بالمثل وأكثر على قصر بعبدا وعلى التيار الوطني الحر.
كلها مؤشرات تؤكد أن لا حكومة في هذا العهد، ولا بدّ من العودة إلى حكومة تصريف الأعمال وتعويمها، مع انه غير مرغوب أو مرحب فيها من قوى سياسية وحزبية في السلطة وخارجها، يعني «مكانك راوح»، والثابت الوحيد المتحرك هو الشعب الضحية الذي وحده من يدفع ثمن صراع الديكة والثيران والفيلة. ولا نملك سوى الدّعاء له بالوعي، وبالخروج من صمته وارتهانه وتبعيته العمياء، قبل فوات الأوان، وعندها لن ينفعه عضّ الأصابع ندماً…