ماذا يمكن أن تغيّر الاستشارات وبعدها التكليف… والتأليف!؟
} علي بدر الدين
لم تنته فصول وتداعيات اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة، لأنه لم يتخلّ عن تكليفه بمزاجه أو بعفوية، أو عن قصور وعجز وفشل في الوصول إلى التأليف والنهايات السعيدة، من وجهة نظره، واعتقاده ومعطياته، بل أُحرج فأُخرج، وهو كما يبدو من خلال مواقف أعلنها وأخرى لم يفصح عنها، تتمثل برفضه تسمية أيّ مرشح لرئاسة الحكومة، أقله بالعلن، وقد لا يمنح الحكومة، إذا ما أخذت طريقها إلى التأليف، الثقة في مجلس النواب، وتمثيله فيها لا يزال موضع أخذ وردّ، يعني «بالعربي المشبرح»، أنه لن يدع غيره ينجح، حيث فشل هو، لذا فهو يعتبر نفسه أنه لا يزال ممسكاً برأس الخيط، ولن يفوت عليه، أيّ تفصيل مهما كان صغيراً، ولن يتخلى عن عرقلة التكليف والتأليف، إلا إذا حقق شروطه ومطالبه ولو بحدها الأدنى، لا سيما أنّ أيّ شخص سيخلفه، لا يستطيع الخروج عن طوعه، لأنّ سيف المرجعية الطائفية والشارع لن يغادره، ومصلتاً عليه في كلّ موقف او حركة أو رأي يقدم عليه، وعليه ان يحسب خطواته جيداً، لأنّ المطلوب منه أن يمشي على عجين الحريري ولا «يلخبطه».
غير أنّ التفاؤل بسرعة الاستشارات النيابية الملزمة، هي بطبيعة الحال «لزوم ما لا يلزم»، لأنّ التفاهم والاتفاق على اسم من يتمّ تكليفه يسبقان في العادة أية استشارات، والتداول بإسم رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي ليس في محله، وكأنه حسم لصالحه، وهو لغاية الآن الأوفر حظاً، لأنه حالياً خارج البلد، ولم يلتق أحداً، وتحديداً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وكلّ ما يحصل هو عبارة عن اتصالات هاتفية، تطغى عليها المجاملات، وكلام الودّ والاحترام والتعاون، تحت شعارات وعناوين كبيرة لإنقاذ البلد.
التعويل على التكليف وحده لا يوحي دائماً بالإيجابية المطلقة، لأنّ مشوار التأليف طويل ودونه عقبات وشروط وتحاصص، وخلافات حول حجم الحكومة وشكلها وتوزيع حقائبها وحصة كلّ فريق، ومن الخطأ الفادح الاعتقاد أنّ القوى السياسية السلطوية الحاكمة، ورئيس الجمهورية والرئيس الذي سيُكلف أياً كان، سيبدأون من حيث انتهى مشوار الحريري، وهذا يعني أنّ التكليف إذا حصل، وقد يحصل، لا يعني أنّ مسار التأليف سيعبر من دون عراقيل وتعقيدات وشروط وأخرى مضادة، وتجربة الحريري، ستظلّ شاهدة وماثلة وطاغية في كلّ تفصيل للتأليف، مع أنه نال نسبة عالية من أصوات الكتل النيابية التي دعمت تكليفه، ما أدى حينها، إلى إشاعة أجواء تفاؤلية بمنسوب عال، بأنّ تأليف الحكومة سيكون بأسرع ما توقعه أكثر المتفائلين، ولكن «حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل» حيث ازدادت الأمور تعقيداً وتأزماً ووقع الخلاف ثم الطلاق الخلعي بين قصري بعبدا وبيت الوسط، في حين انّ اللبنانيين وحدهم يدفعون الثمن المكلف جداً، الذي يتمثل بطغيان الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال وهم لم يشهدوا مثله، في ظلّ الحروب والمعارك والفتن والانفجارات، ورغم تمترس كلّ فريق خلف مصالحه وطموحاته وطوائفه ومذاهبه وحصصه.
التاريخ القريب يعيد نفسه، بدءاً من استشارات التكليف، الذي إذا ما تمّ التفاهم على إسم نجيب ميقاتي سلفاً، ولكن من يضمن انّ التأليف سيكون ميسّراً وسهلاً وخالياً من الشروط والسقوف العالية؟ وهل سيتخلى كلّ فريق عن شروطه وحساباته وحصصه ومصالحه، وإذا حصل ذلك، لماذا لم تؤلف حكومة الحريري قبل الدخول في النفق المظلم وإغراق البلاد والعباد في العتمة الشاملة وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، والغلاء الفاحش والجنوني وانقطاع المياه وإقفال الصيدليات وفقدان الدواء والاستشفاء، وكلّ هذا الذلّ للشعب المسكين؟ ما الذي تغيّر حتى يتفاءل اللبنانيون، هل سيخرج الرئيس المكلف عن دائرة وطغيان الحريري والمرجعية الطائفية؟ وهل سيتراجع فريق رئيس الجمهورية، وخاصة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عن خطابه ومطالبه وشكل الحكومة وتسمية الوزيرين المسيحيين وغيرها؟ ما عدا مما بدا ما دام الوضع على ثباته وحاله من التناتش على الصغيرة والكبيرة؟
ربما يكون الرهان على المؤتمر الدولي الذي حدّدت فرنسا موعده في الذكرى السنوية الأولى لكارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، وهدّدت وتوعّدت ببدء سريان العقوبات على مسؤولين وسياسيّين لبنانيّين، تحت عنوان مساعدة لبنان، وقد تكون فرنسا جدية هذه المرة، بعد ان تيقنت أنّ السلطة السياسية لا تفهم سوى بالعصا و»الكرباج»، وقد حان وقته وأوانه، وانّ الاستمرار بتطويل حبل هذه السلطة، سيؤدّي إلى الخراب الشامل، الذي قد يصعب إصلاحه.
حتى لو تشكلت الحكومة غصباً او بالرضى والقبول، فإنها ستكون كما يسوّق لها للتحضير والإشراف على الإنتخابات النيابية المقرّرة بعد أشهر، وهذا يعني أن لا إصلاح ولا من «يصلحون»، ويعني أيضاً تدحرجاً أكثر وانزلاقاً نحو هاوية اللاعودة، ومضاعفة معاناة الشعب ومآسيه التي فاقت كلّ تصوّر واحتمال ووصف، والترويج لحصول انفجار كبير قد يطيح بكل شيء ويقضي على كلّ أمل، حتى تشكيل الحكومة لا نفع منه ولا فائدة مرجوة.
كان الله بعون اللبنانيين الذين ابتلوا بطبقة سياسية ومالية فاسدة وقحة، لا ترى أبعد من مصالحها، حتى لو كان مصيرها السقوط المحتوم.