تركيا وإيران بلدان كبيران لكنّ سورية قلب الشرق الأكبر
} د. وفيق إبراهيم
يتباهى الأتراك والإيرانيون بأنهم من أكبر الدول في الشرق الأوسط مُحجِّمين مصر وهي البلد الأساسي في الجناح العربي – الأفريقي الآسيوي من المنطقة العربية. بدورها، لم تكترث إيران لجزيرة العرب واليمن، فهي ترى فيهما مناطق تاريخية إنما مضروبة بستار من التخلف والانصياع للغرب مع وجود عائلات حاكمة متسللة من القرون الوسطى لا تزال تمسك بالأنظمة وممالكها بسلسلة قائد قبيلة لم تعد تتلاءم مع المعاصر من التاريخ والسياسة.
كيف نوصف الدول الكبرى؟ بعديد السكان وتاريخية الحكم السياسي ووجود موارد اقتصادية كافية لحاجات السكان مع قدرة على حماية الدولة بتدابير داخلية وخارجية، فالداخلية هي القدرة على حماية الدولة بشكل عسكري واقتصادي وسياسي، والخارجية تتعلق باستعداد الدولة لحماية استمراريتها من أي هجمات خارجية أو انفعالات شعبية داخلية. ضمن هذا الإطار، يمكن اعتبار تركيا وإيران بلدين تاريخيين يتمتعان بكل المواصفات التاريخية للدول، وسبق أن أدّيا معاً أدواراً سياسية على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط قبل تشكله، حتى أنّ الأتراك أدّوا أدواراً أوسع من إيران أدركت مناطق إسلامية وتصارعت مع دول أوروبية وحاربت بلداناً غربية أساسية.
لكنّ هذا الوضع لا يكفي لحصر صفة الأهمية السياسية عليهما بمفردهما، فسورية صمتت على الاستعمار العثماني بعد العام 1516 لأسباب دينية واعتبرت أنّ البعد الإسلامي كافٍ لفرض الطاعة عليها، كما أنّ العراق استكان لإيران للتجانس المذهبي بين البلدين، إلا أنه لا يجوز نسيان الأهمية السورية قبل انتشار الإسلام بألفٍ عام تقريباً حيث أسّس السوريون عشرات الدول وحكموا منطقة تشمل تقريباً جزيرة العرب والمشرق بعشرات الممالك والاإمارات، فتبيّن ولمدة طويلة أنهم سادة «بحر الروم» قبل تسميته بالبحر المتوسط وقبل تلقيبه أيضاً من قبل العرب الفاتحين ببحر اللاذقية. أما اسم البحر المتوسط فتلى هذه التسميات ونتج عن صراعات بين دول سورية وقوات أوروبية بمعركة ذات الصواري.
ما ينتج هذه المعطيات أنّ أهمية الدول لا تقاس فقط بعديد سكانها ومدى مساحاتها. فها هي اليونان تقارب سورية وتمكنت قبل ألفي عام تقريباً من اجتياح الشرق الأوسط وأوروبا.
ما هي إذاً المواصفات التي تعطي سورية لقب بلد كبير؟ الضخامة هنا هي في التاريخ وسورية كسبته من خلال سيطرتها على كل المنطقة المجاورة لها واستتباعها لكلّ المناطق الأخرى التي تعتبر جزءاً أساسياً منها.
كيف يمكن إذاً لكلّ من تركيا وإيران اعتبار نفسيهما دولتين كبيرتين وحيدتين في المنطقة وهما تعرفان تاريخية سورية وأهميتها في سياسات المنطقة؟
وللتواضع نسألهم: كيف لهما تجاهل أهمية سورية وعدم تقييم أدوارها التاريخية؟
لذلك، لا يجوز أبداً ربط أهميات الدول بالتاريخ الكبير، فالولايات المتحدة الأميركية عمرها لا يزيد عن مئتي عام تقريباً وهي من كبريات الدول في العالم وكذلك دول أوروبا التي لا تزيد أعمارها عن عدة قرون وتمكنت من السيطرة على العالم في قرنين من الزمن.
هنا يتبيّن أنه ليس من حق باحثين أتراك وإيرانيين الزعم بأنّ بلديهما هما فقط الوحيدين الكبيرين في الشرق الأوسط، مع التنبيه إلى أنّ تسمية الشرق الأوسط هي حديثة من مطلع القرن العشرين وتركيا بلد حديث لا يعود تاريخه إلى أكثر من بضعة قرون، فيما تتميّز إيران بصداماتها مع العراق وجزيرة العرب وليس مع سورية.
لتبيان أهمية سورية، تكفي الإشارة إلى أنها جزء من تواريخ السريان والأشوريين والكلدان والكنعانيين والسوريين وغيرهم وشكلت جزءاً من معظم الدويلات التي تشكلت على الأرض السورية العراقية السورية اللبنانية الفلسطينية الأردنية منذ آلاف السنين وظلت سورية تسيطر على بحر الروم اللاذقية لاحقاً والبحر المتوسط حالياً منذ آلاف السنين أيضاً.
إنّ سورية ومصر هما أهم بلدين عربيين سيطرا لآلاف السنين على الأقل. فمصر الفرعونية أمسكت بالسودان ومعظم المناطق المحاذية لآلاف السنين، فيما ملكت سورية بلدان الشام باجتماعها مع العراق. فكيف يمكن إذاً التقليل من أهمية سورية سيدة المتوسط والرابطة بين جزيرة العرب والعراق ولبنان على بحر الروم؟
تحوز سورية حالياً على محور بلاد الشام وسيدة المتوسط،
وتحاول تركيا، عبر إصرارها على ضمّ شمال قبرص المزروعة في البحر المتوسط إليها، السيطرة على بلاد الشام وشمال أفريقيا وجنوبي قبرص واليونان. هذا الإصرار يدفع نحو تشدُّد سورية في مقاومة المحاولات التركية لأنّ شمال قبرص يسيطر مباشرة على بحر سورية في مناطق اللاذقية متحركاً نحو لبنان وفلسطين ومصر ومناوراً نحو شمال أفريقيا.
سورية إلى أين؟ إنها إلى مزيد من الأهمية لأنّ مواقعها من تركيا تتقاطع مع جنوبي قبرص واليونان وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، كما أن الأميركيين رفضوا أمس أيّ مطالبة تركية بضم جنوبي قبرص الأمر الذي يؤكد أنّ الأتراك في ورطة أطماع في الدول الأخرى وهذه أمور لم تعد أمراً عالمياً في هذا القرن الحادي والعشرين.