بين أسباب ذعر الغرب من انتصار المقاومة في تموز… وأهداف حربه الاقتصاديّة ضدّ لبنان
حسن حردان
في مثل هذه الأيام سطّر رجال المقاومة البطولات في ميادين مواجهة قوات الاحتلال الغازية خلال عدوانها على لبنان في تموز من عام 2006 وحطّموا خلالها جبروت جيش الاحتلال الصهيونيّ وأذلوا ضباطه وجنوده ولقنوهم دروساً في القتال وجهاً لوجه في بنت جبيل ومارون الراس وعيتا الشعب وعيترون وسهل الخيام ووادي الحجير والغندوريّة إلخ… وقد تجسّد ذلك في حالة الانهيار في معنويات جنود النخبة الصهاينة الذين وجدوا أنفسهم أمام قتال حقيقي أصبحوا فيه شخوصاً يصطادهم رجال المقاومة في الليل والنهار، فيما دبابات الميركافا التي كان يحتمي فيها جنود العدو تحوّلت إلى توابيت لهم بعد أن أحرقها المقاومون بصواريخ الكورنيت…
بفضل هذه البطولات التي جسّدها المقاومون كان يُصنع النصر في كل ساحات المواجهة في البر والبحر وفي تحويل مدن ومستعمرات الكيان في فلسطين المحتلة إلى ساحة حرب افتقد فيها الصهاينة الأمن والأمان، مما هزّ وخلخل مرتكزات وجود كيانهم الغاصب، وقلب المعادلة رأسا على عقب، فبدل أن تُسحَق المقاومة وتحطّم قوتها وتنهار شعبيتها ويقوّض نموذجها الناجح في إلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال، وتحرير الأرض من دنسه بلا قيد ولا شرط، وجدنا انّ المقاومة هي مَن سحق ودمّر جيش العدو الذي حاول دون جدوى أن يمحو آثار ونتائج وتداعيات هزيمته عام 2000… فإذا به يُمنى بهزيمة أشدّ وأقسى…
لقد أدّت هذه الهزيمة الجديدة لجيش العدو الصهيونيّ إلى نتيجتين:
النتيجة الأولى، ازدياد شعبية المقاومة التي أثبتت مجدّداً أنها قادرة على تحقيق آمال وتطلعات جماهير الأمة العربيّة، حيث أخفقت الجيوش العربيّة، وذلك بتأكيدها أنها قادرة على إلحاق الهزيمة تلو الهزيمة بجيش العدو وتحطيم أسطورته، واستعادة الحقوق المغتَصبة.. ولهذا نجحت المقاومة الشعبيّة المسلّحة في إدخال كيان العدو في مسار الهزيمة والتراجع والعجز عن تحقيق النصر في مواجهة المقاومين.. وبالتالي فإنّ هذا الكيان كما حقق النصر على العرب تلو النصر واحتلّ الأرض قطعة إثر قطعة، فإنّ المقاومة ستلحق به الهزيمة تلو الهزيمة وصولاً إلى إنهاء وجوده غير الشرعيّ على أرض فلسطين المحتلة…
النتيجة الثانية، قرع جرس الإنذار في العواصم الغربية الاستعمارية، التي خيّم عليها الذعر وأدركت انّ الكيان، الذي زرعته في فلسطين المحتلة ودعمته وزوّدته بكلّ عناصر القوة لحراسة مصالحها الاستعمارية ومنع توحّد الأمة العربية، وضرب حركات التحرّر وتقويض الأنظمة التقدمية، أدركت انّ هذا الكيان بات عاجزاً عن الاستمرار في تحقيق هذه المهمة، ويحتاج إلى مَن يحميه، لا بل انّ وجوده أصبح بخطر حقيقي، ولهذا فإنّ درء هذا الخطر والحفاظ على وجود واستقرار هذا الكيان أصبح مرتبطاً بتقويض المقاومة التي تجرّأت على إلحاق الهزيمة به، خاصة أنّ استمرار هذه المقاومة وتزايد قوّتها لم يعُد يهدّد فقط وجود الكيان الصهيوني، وإنما بات يهدّد أيضاً النفوذ الاستعماريّ الغربيّ في الوطن العربي، وبالتالي تحرير ثروات الأمة من نهب الشركات الغربية…
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن تفسير لماذا كلّ هذه الحروب الإرهابية والاقتصادية التي تستهدف هذه المقاومة والدول الداعمة لها، لا سيما سورية وإيران… ولماذا شدّدت واشنطن وحلفاؤها في الغرب، الحرب الاقتصادية على لبنان، وعمدت إلى دعم أحزاب ومجموعات من الـ NGOZ، وأغدقت عليها الأموال الطائلة باعتراف المسؤول في الخارجية الأميركية ديفيد هيل الذي قال إن واشنطن أنفقت 10 مليارات دولار في لبنان ضمن استراتيجية مواجهة حزب الله..
ولهذا فإنّ ما يعاني منه لبنان واللبنانيون هذه الأيام من أزمات مالية واقتصادية واجتماعية خانقة إنما يعود في جزء أساسي إلى هذه الاستراتيجية الأميركية، القائمة على إثارة الاضطرابات في لبنان ودعم قوى سياسية وأهلية، بالتزامن مع تشديد الحصار الاقتصادي ومنع الحلول المتاحة لهذه الأزمات، وذلك بهدف تحميل حزب الله المقاوم وحلفائه المسؤولية عن الأزمات ومحاولة تأليب اللبنانيين ضدّهم في سياق خطة لإخضاع لبنان للشروط الأميركية، مقابل رفع الحصار الاقتصادي…
لكن المقاومة التي عرفت كيف تلحق الهزيمة بقوى الإرهاب في الجرود اللبنانية وتنجز التحرير الثاني، وتسهم إلى جانب حلف المقاومة في إلحاق الهزائم بجيوش الإرهاب الأميركية الصهيونية الغربية في سورية، والعراق، قادرة على إحباط أهداف الحرب الاقتصادية الأميركية الجديدة.. وهو ما كان قد وعد به قائد المقاومة سماحة السيد حسن نصرالله، في بداية تفجّر الاحتجاجات الشعبية في 17 تشرين 2019، عندما قال، لن نركع ولن نجوع وسوف نقتلك، مخاطباً الأميركيّ بطريقة غير مباشرة…
ولهذا بعد نحو سنة وثمانية أشهر، نجد اليوم أن العواصم الغربية تعبّر عن قلقها من أن يؤدي اندفاع الأوضاع في لبنان إلى الانهيار الشامل وتحلل الدولة اللبنانية نتيجة الحصار الاقتصادي الخانق الذي تفرضه على لبنان، الى هجرة اللبنانيين والنازحين السوريين نحو الدول الأوروبية، وتعزيز موقف حزب الله وتمكينه من القيام بدور الدولة في حلّ أزمات اللبنانيين من خلال تأمين الدعم من إيران وسورية والعراق إلخ… وتحقيق التكامل الاقتصاديّ المشرقيّ… مما يشكل ضربة قاصمة للنفوذ الأميركي الغربي في لبنان.. لهذا بدأت العواصم الغربية تتحدّث عن ضرورة تقديم المساعدات للبنان لمنع انهيار الدولة، لدرء النتائج السلبيّة على نفوذها في لبنان، وتجنّب هجرة جماعيّة باتجاه الدول الأوروبيّة.. وفي كلتا الحالتين يمكن القول إنّ خطة إحداث الانقلاب السياسي في لبنان بوساطة الحصار الاقتصادي واستغلال أزمات اللبنانيين الناتجة عن الحصار، لتطويق المقاومة ونزع سلاحها وفرض اتفاق لتحديد الحدود البحريّة يخدم الأطماع الصهيونية، انّ هذه الخطة الانقلابية أخفقت، ولهذا لجأت العواصم الغربية إلى استبدالها بنسخة أخرى تقضي بالعمل على محاولة تحقيق هذا الانقلاب في الانتخابات النيابية المقبلة عبر استغلال الأزمات وانفجار المرفأ وتقديم الدعم المالي للقوى والمجموعات التابعة للغرب، للفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان بما يمكنها من إعادة إنتاج السلطة والسيطرة على مفاصل القرار التشريعيّ والتنفيذيّ للعمل على تنفيذ الأهداف الأميركية الغربية المذكورة آنفاً…
لهذا على اللبنانيين أن يدركوا جيداً مَن يقف وراء أزماتهم ومعاناتهم، وأن يعوا انّ مقاومتهم كانت ولا تزال وستبقى هي درعهم الواقي وضمانة أمنهم واستقرارهم، وحمايتهم من العدوانية والأطماع الصهيونية، وطريق خلاصهم من براثن الهيمنة الاستعمارية الغربية التي تسعى الى إخضاع لبنان وإعادته إلى زمن قوّته في ضعفه، حيث كان مستباحاً من قبل العدو الصهيونيّ…