نجوم الزمن الجميل يشعّون في برج البراجنة
} ابراهيم وزنه
جميل أن تقرأ عن الزمن الجميل للكرة اللبنانية، والأجمل أن تكتب عن انجازات عالقة في الأذهان أو تسرد حكايا وذكريات النجوم الذين سطعوا في سماء ملاعبنا ثمّ غابوا، أما الأروع، والذي يتجاوز بجماليته القراءة المقرونة بحب المعرفة أو الكتابة الهادفة إلى التكريم، والمستندة إلى السرد والتوثيق، هو استحضار الزمن الجميل بكلّ تجلّياته واللقاء مع لاعبين بارزين اعتزلوا منذ زمن بعيد وبقيت اسماؤهم عالقة في أذهان من عايشوهم وتابعوهم وصفقوا لهم. بالأمس، اجتمعت مجموعة من نجوم الماضي، ويكفيني فخراً أنني كنت المتابع والساعي وعرّاب جمعهم على الخير والمحبّة، تغيّرت ملامحهم ولم تتغيّر قلوبهم وطبائعهم، استـأنس الحاضرون بسماع أصواتهم وفلفشة ذكرياتهم الحافلة بالاثارة والتشويق والنصح والإرشاد.
الموعد نفسه، صباح كلّ أحد، أما المكان، فأمام منزل بسام فرحات (اللاعب السابق في صفوف البرج والارشاد والوفاء) في برج البراجنة، ذلك المنزل الذي خرّج حسين (لاعب وسط الأنصار في أيام العز) وعامر (اللاعب المشاكس في صفوف البرج وشباب الساحل)، إنها العاشرة صباحاً، موعد توافد النجوم تباعاً، ما يعني بأن دائرة الحضور ستتسع وتشعّ مع كل وافد، أوّل الحاضرين، جاء من بعيد، من الأشرفية تحديداً، إنه إميل رستم (لاعب الحكمة ومنتخب لبنان) المشهود له بالتزام المواعيد، وعلى وقع الترحيب به من قبل بسام وأخوته وصل هاني وزنه (المدفعجي الشهير، لاعب شباب الساحل والأنصار والتضامن بيروت) المتلهّف للقاء رفاق يقدّرهم ويقدّرونه، بعد ذلك أطل الضيف المرتقب بعد طول غياب، أحمد فستق (لاعب الشبيبة المزرعة والأنصار ومنتخب فلسطين) المحظوظ بفرصة الاحتراف في قطر ابتداء من منتصف السبعينيات، وهو اليوم من أهم المحاضرين في الاتحاد الآسيوي، نشأ وترعرع واستهل مشواره الكروي في برج البراجنة، دقائق معدودة، ويصل جمال الخطيب (لاعب الأنصار والنجمة ومنتخب فلسطين) يقتحم الدائرة بابتسامته المعهودة، وفي خضّم العناق المتواصل يباغتهم «الملك» محمد حاطوم (لاعب الراسينغ والنجمة ومنتخب لبنان) فيتبعه حافظ جلول (لاعب الشبيبة المزرعة والنجمة) الذي برّر تأخره بدق الطاولة الذي حشره مطوّلاً مع منافسه، وعلى جنبات اللقاء الجميل، توجّه حسين فرحات إلى منزل جاره ســهيل رحال (لاعب الراسينغ ومنتخب لبنان) صاحب الأمجاد العريضة في ملاعبــنا المحلية، لبّى الكابتن سهــيل الدعوة متحاملاً على وجعه كرمى للقــاء الطيّبين، نقل لهم تحيّات شقيقه الأكبر عبــاس (لاعب الشبيبة المزرعة والراسينغ)، وزاد من روعة «الجلسة» أبطالها الدائمين، الدكتور خليل الموسوي والدكتور رياض عمّار والأستاذ علي فوزي الحركة، وثلاثتهم تألقوا كروياً قبل ان يتــألقوا علمياً وعملياً وطبيّاً، أما الأكثر فرحــاً بيــن الحضور، فهو الأستاذ طلال كنج (ابن شقــيقة «النص بطل» فوزي كنج، نجم الراسينغ ومنتخب لبنان)، والذي يحفظ التواريخ والأسماء والأحداث وكأنها حصلت بالأمس … لحظات رائعة في حضرة الكبار الحقيقيين للكرة اللبنانية، شجّعت اللاعب أحمد جلول الذي حضر مع والده الحاج عدنان والمختار أكرم رحال لالتقاط الصور من كافة الزوايا.
ماذا عن الأجواء؟ فمع إكتمال النصاب المفتوح على أبعد مدى، إنطلقت الأحاديث والخبريات، تارة جانبية وأخرى على مسمع الجميع، وخصوصاً عندما يتكلّم الكابتن محمد حاطوم المشهود له ببــلادته وهدوئه، خبريات فيــها الكثير من التشويق وأخرى لا بدّ أن ترفق بالابتسامات والقهقهات، بالاضافة إلى المواضيع المشتركة، وطرح آراء تصــلح لصياغة دليل النصح والارشاد للاعبــي المستقبل، واللافت أن غالبية النجوم لم يشجّعوا أولادهم على إكمال مسيرتهم حتى لو كانوا يمتلكون الموهبة! ولسان حالهم يقول «ما متت بس ما شفت مين مات»؟ وأسفرت النقاشات الهادئة عن جملة من القناعات والمواقف المصحوبة بعبارات تصلح كي تكــون عنــاوين، اقتطف منها:»لعبنا وضحّينا وغيرنا قبض»، «للأسف لعبنا ولا نملك صوراً أو فيديوهات فيما لاعبو اليوم صورهم واخبارهم تتقدّم على مستوياتهم الفنية»، «لعبنا من منطلق حبّنا للعبة ولم نسأل يوماً عن المال»، «قلّة منّا حالفــها الحظ للاحتراف الخارجي وكثيرون حاربتهم أنديتهم وقضــت على طموحاتهم» وهنا نظر الجميع ناحية جمال الخطيب، ويخرج الجميع باجماع «الراحل عبد الرحمن شبارو أفضل حارس مرمى في لبنان وفي الدول العربية».
وعند الساعة الثانية عشرة ظهراً، تبدأ عمليات الانسحاب التدريجي، كلّ بحسب ارتباطاته ومواعيده اللاحقة، وكما كان التلاقي قمّة في الفرح والسعادة كان الوداع حميمياً وحافلاً بتبادل الأرقام وتوزيع الصور على زملائهم في البعيد، حيث كان حبيب كمونه وحسين شعيب في أميركا يعربان عن سعادتهما برؤية رفاق الزمن الجميل، يغادر الجميع مع كلمة شكراً من القلب لبسام فرحات.