خمسة فوارق بين تكليف الحريريّ وميقاتي
ناصر قنديل
– ليس المطروح للنقاش تقييم البرنامج الإصلاحيّ الذي يتبناه الرئيس نجيب ميقاتي، فهو برنامج إجماع قوى السلطة وقوى المجتمع المدني على السواء، لجهة الدعوة لحكومة اختصاصيين تحظى برضى الخارج وتلتزم المبادرة الفرنسية وتتوجه للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولذلك يبدو المعترضون على تسمية ميقاتي من موقع إصلاحي، يعترضون على شخصه وليس على البرنامج نفسه الذي يشاركونه تأييده، لكنهم يجدون في سواه فرصاً أفضل لتحقيقه، لكن هذا البرنامج الذي يشكل رضا الخارج الغربي والعربي بيضة القبان فيه، يجعل لهذا الخارج كلمة أهم من كلمة معارضي التسمية في درجة المقبولية، وهو ما يبدو أنه يمنح نقطة لصالح ميقاتي، في غياب اي طرح إصلاحي مختلف يقوم على التوجه شرقاً والتكامل اللبناني السوري العراقي، والاستثمار على الانتقال من اقتصاد الريع إلى الاقتصاد الإنتاجي، وغياب نصاب واقعي لطرح تسمية بديلة، بينما ينتمي كل المرشحين الموضوعين في التداول الى تأييد الوصفة ذاتها، وبكل الأحوال فالنقاش هو حول ما إذا كانت ثمة حظوظ نجاح أمام ميقاتي لتشكيل حكومة عجز عنها سلفه الرئيس سعد الحريري، على قاعدة أن وجود حكومة بالمبدأ يشكل وحده نقطة قطع مع مسار الفراغ، ونقطة بداية ضرورية لوقف الانهيار، طالما أن الخروج من الأزمة بعيد التحقق في ظل الوصفات المتداولة للحلول؟
– يسود سرديّة أغلب المحللين والمتابعين استخلاص يقول إن تجربة الرئيس ميقاتي محكوم عليها بالفشل، لأسباب فشل تجربة الرئيس الحريري ذاتها، والمقصود بالنجاح والفشل تكراراً، هو النجاح والفشل في تشكيل حكومة، وليس في حل الأزمة، ويغيب عن بال هؤلاء وجود فوارق عديدة بين التجربتين ما يجعل الحسم سلفاً بالفشل مبالغة نابعة من رغبة سياسية أكثر مما هي محاولة للقراءة في الوقائع، وعندما يبدأ هؤلاء بسرد عناصر التشابه يعرضون للموقف السعودي، الذي لن يكون مسانداً لمحاولة ميقاتي تشكيل حكومة ولن يكون داعماً للحكومة التي قد يشكلها، وهذا قد يكون صحيحاً، لكنه يختلف كثيراً عن وجود فيتو سعودي على الرئيس سعد الحريري يجعل قضية ترؤسه الحكومة تحدياً للرياض وولي عهدها، بات يعرفه كل الداخل والخارج المعني بالشأن الحكومي، حتى جاء اعتذار الحريري بمثابة ساعة فرج لهذا الداخل والخارج، وهو ما عبرت عنه السرعة في تسمية الرئيس ميقاتي، الذي لا تشكل قضية ترؤسه للحكومة تحدياً للسعودية ولو لم تكن تعبيراً عن رغبتها، ما يمنح فرصة مرور الحكومة برئاسته من بين النقط السعودية، ويمنح الدعم الفرنسي لمسعاه مناورة مدروسة على إيقاع الخطوط الحمراء السعودية.
– السبب الثاني الذي يسوقه الذين يرون في مسار الرئيس ميقاتي تكراراً لمسار الرئيس الحريري هو موقف رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، بحيث لن تتغير ثوابت الفريقين، ولن يستطيع ميقاتي تجاوز لاءات الحريري ونادي الرؤساء السابقين، وهذا صحيح أيضاً، لكنه مختلف عن وجود قناعة لدى رئيس الجمهورية والتيار بأمرين في حالة الحريري يغيبان عن حالة ميقاتي، الأول هو أن التسوية الرئاسية تمّت مع الحريري والتخلي عن الشراكة في منتصف طريق الأزمة تم من قبل الحريري، والثاني هو القناعة بأن الفيتو السعودي سيحول دون تشكيل الحريري للحكومة، فلا جدوى من المرونة التي لن تفعل سوى تخفيض السقوف بلا جدوى، ولذلك ستكون مقاربة ملف تأليف الحكومة من الفريقين مع الرئيس ميقاتي بمعزل عن تأثير هذين العاملين، بما في ذلك من شروط النجاح والفشل.
– يضاف إلى هذين الفارقين من زاوية رئيس الجمهورية وفريقه، أن هذا التكليف هو الثالث بعد اعتذارين ولن يكون سهلاً أن ينتهي باعتذار مشابه، ويعطي صورة التعطيل المنهجي عن رئيس الجمهورية وفريقه، خصوصاً أن العقد المتبقية عن الصيغة التي تمّ التوصل إليها في النسخة الأخيرة لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، لا تبدو بحجم يبرر تحمل تبعات هذا التوصيف المؤذي للعهد وفريقه داخلياً وخارجياً، خصوصاً أن البدائل لن تكون متاحاً لها الحصول على دعم داخلي وخارجي كي تبصر النور، وسيكون البديل استمرار الفراغ حتى الانتخابات النيابية، وفي مناخ من التحدي والفوضى في الشارع لا يمكن أن تكون هدفاً يسعى إليه العهد وفريقه.
– من زاوية تعامل الرئيس ميقاتي مع العقد التي حالت دون التسوية بين الرئيس الحريري مع العهد والتيار الوطني الحر، لا تبدو عقداً صعبة التسوية، فمع الحريري وزراء الطائفة السنية من حصة رئيس الحكومة كلياً، مقابل مطالبة بالشراكة في تسمية وزيرين مسيحيين، بينما يسهل على الرئيس ميقاتي قبول تسمية اللقاء التشاوري لوزير أو وزيرين من دون زيادة حصة رئيس الجمهورية، وبالتالي دون توفير الثلث المعطل، ما يتيح بالمقابل حصول رئيس الحكومة على تسمية وزير أو وزيرين مسيحيين، ومثلها قضية الحقائب، يمكن حلحلة العقد فيها دون الاصطدام بما يمثل ثوابت رؤساء الحكومات السابقين أسوة بما سبق للرئيس الحريري أن فعله قبل أن يعدل تشكيلته المقترحة في نسختها الأخيرة.
– الفارق الخامس والأهم، هو أن الخارج المنهمك بمنع الانهيار يفعل ذلك تحت شعار قطع الطريق على مسار يراه مخاطرة كبرى، هو مسار الفوضى المحتملة ونتائجها على المحيط الأوروبي والإقليمي من جهة، ومسار الإجراءات الاقتصادية التي أعلن حزب الله عزمه على السير بها إذا وقع الانهيار، من جهة أخرى، وهو ما تجمع دوائر الغرب على القلق من حدوثه، ويناشدها كيان الاحتلال للتحرك ومنع وقوعه، بحيث يبدو أن اللقاء الثلاثي لوزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية، كان نقطة انطلاق لإقناع الحريري بالاعتذار استجابة للفيتو السعودي، وبالمقابل موافقة السعودية على تسمية ميقاتي كعنوان لمرحلة منع الانهيار، وتفويض باريس بقيادة هذا المسعى، طالما أن الحديث لا يتعدّى تقديم الدعم اللازم مالياً لمنع الانهيار، وليس للدخول في مرحلة النهوض بالاقتصاد.
– اللبنانيّون الذين اكتشفوا في خبرتهم مع مرحلة ما بعد 17 تشرين أن ليس كل ما يهتف بالتغيير جدير بالثقة، انخفضت سقوف طموحاتهم، فهم يرتضون حكومة توفر ساعات تغذية معقولة من الكهرباء وتنهي أزمات البنزين والمازوت، ولو بتقنين ما هو مدعوم، وإلغاء الدعم عن الباقي قطعاً لطريق التهريب المصمّم على قياس مصالح المافيات وأصحاب التحويلات، وحكومة تمهد للاستقرار في سوق الصرف، بعدما تعادل الاستيراد مع عائدات التحويلات والتصدير، وبات وقف المضاربات كفيلاً بالاستقرار، وحكومة توفر الدواء، وتهيئ للانتخابات.