بعد التكليف ماذا عن التأليف الذي دونه عقبات وصعوبات والعبرة فيه؟
} علي بدر الدين
تكليف سعد الحريري تأليف الحكومة انتهى بعد تسعة أشهر باعتذاره وخروجه من دائرة التكليف والتأليف، غير أنه لم ينسحب من «المعركة»، أقله الحكومية خالي الوفاض، لأنّ معركة رئاسة الحكومة بالنسبة له، هي «أمّ المعارك»، ويعتبر نفسه «أمّ الصبي»، ولكنه اعتذر قسراً وتحت الضغط السياسي الخارجي والداخلي والشروط المتبادلة بين أكثر من فريق سياسي مؤثر، ورضي باقتسام هذا «الصبي»، مع المكلف الذي سيخلفه، وله رأي فيه، فارضاً شروطه وضماناته لمنح التسمية والرضا والقبول به، وأن يبقى متصدّراً المشهد الحكومي وفي الصورة والقرار والسلطة والنفوذ والحصة الوازنة في الحكومة الموعودة إذا ما أخذت طريقها إلى التأليف، وإلا فإنّ العصي جاهزة لعرقلة عربة التأليف، وقلب الطاولة على الجميع، على قاعدة «عليّ وعلى خصومي»، ولديه ما يكفي من معطيات للخربطة والتعطيل ونسف أسس أيّ حكومة محتمل تأليفها.
ما بين التكليف الأول، الذي رسا على السفير مصطفى أديب، والتكليف الثاني، الذي حط رحاله في بيت الوسط، ممثلاً برئيس تيار المستقبل سعد الحريري، والتكليف الثالث الذي رست فيه بورصة الأسماء على الرئيس الأسبق للحكومة والنائب الحالي نجيب ميقاتي، شهد لبنان وشعبه خلالها، أسوأ مرحلة في تاريخه المأزوم أساساً، الذي حمل نظامه السياسي الطائفي والمذهبي بذور الفتن والحروب والقنابل الموقوتة، الموزعة صواعقها بين المحاور الإقليمية والدولية ومن يمثلها في لبنان، حيث الانهيارات تتتالى، على غير مستوى اقتصادي ومالي واجتماعي ومعيشي وخدماتي وقيمي وأخلاقي ووطني، التي أدّت تداعياتها بفعل الفساد والمحاصصة والإهمال وعدم المسؤولية من حكامه، إلى ارتفاع منسوب الخطاب السياسي الطائفي المذهبي، وانكفاء، بعض القوى السياسية إلى بيئاتها الحاضنة بشعارات وعناوين طائفية ومذهبية وعنصرية، في محاولة منها لتجديد نفسها ولاستعادة حماسها الذي خفت، بعد أن شعرت أنّ من يدّعي حمايتها والدفاع عن مصالحها ويحول دون سقوطها في المجهول، وفي بحور الفقر والقلة والجوع والبطالة والذلّ والحرمان والإهمال، وهو الذي طعنها بظهرها وأفقرها وجوّعها وأهانها وأذلّها، وأدار ظهره لها، ولم يعد يرى أبعد من مصالحه وحصصه وثرواته المكدّسة في خزائن ومصارف الداخل والخارج.
البعض من القوى السياسية السلطوية، ترمي تفاؤلها «خبط عشواء» وتسوّق لقدرة الرئيس المكلف على تجاوز التكليف إلى التأليف، مستنداً إلى مقولة «الثالثة ثابتة» بهدف إشاعة أجواء سياسية غير واقعية، تخدم سياسته المعتمدة والمبرمجة لإلهاء الناس وشراء الوقت مجاناً، وبعضها الآخر لا يرى أيّ مستجدّ إيجابي يواكب تكليف ميقاتي، ليبني عليه التفاؤل والنجاح بتأليف الحكومة العصية، لا سيما أنّ ميزان مؤشرات عدم التأليف هي الطاغية، ولا إمكانية للوصول إلى النهاية الحكومية السعيدة، في ظلّ استمرار المنظومة السياسية الحاكمة حالياً، المسؤولة عن إدخال لبنان والشعب في أنفاق ودهاليز الأزمات والمشكلات والانهيارات والإفلاس والفقر والجوع والبطالة، و»فاقد الشيء لا يعطيه».
لذا، فإنّ مشهد التأليف المعجل أو المؤجل، يميل إلى الضبابية، وعدم انقشاع الرؤية على واقعها وحقيقتها، ولا يعني نجاح التكليف والاستشارات النيابية، وقبلها الملزمة، أنّ التأليف حتمي، وينتظر خلف الباب، لأنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، وأن لا شيء تبدّل منذ التكليف الأول والثاني والثالث، والوضع على حاله، والشروط ذاتها، والمواقف لم تتغيّر، والتنازلات من القوى السياسية الحاكمة والمحاكمة معدومة، وكلّ فريق متأبط بحصصه وامتيازاته وحقائبه وعدد وزرائه.
واللافت موقف التيار الوطني الحر، وهو أقرب المقرّبين إلى العهد وخط الدفاع الأول عنه، الذي لم يسمّ المكلف ميقاتي، ولا يريد المشاركة في حكومته، ما أثار جملة من التساؤلات وعلامات الاستفهام، وما هي الحكمة من اتخاذه هذا الموقف المثير للجدل، مع أنّ المطلوب منه تسهيل عملية تأليف حكومة العهد التي قد تكون الأخيرة.
الرئيس المكلف يراهن على الموقف الدولي وضماناته في تسهيل التأليف، وإشاعة أنّ الحكومة قد تولد قبل الرابع من آب الذكرى السنوية الأولى لكارثة انفجار مرفأ بيروت وموعد انعقاد المؤتمر الدولي لدعم لبنان وشعبه في باريس، وهذا ما استبعده ميقاتي، لأنّ دونه عقبات تتعلق بالمشاورات واتفاق الأطراف التي ستشارك في الحكومة وحصصها ونوعية حقائبها، ثم انعقاد جلسة نيل الحكومة الثقة في مجلس النواب والأهمّ، التقاط الصورة التذكارية للحكومة المشكلة مع الرؤساء الثلاثة، وتعميمها كإثبات انّ الحكومة تشكلت أخيراً بعد مخاضات عسيرة، وأصبح للبنان حكومة تقنية كما أحبّ الرئيس المكلف تسميتها كمصطلح جديد دخل في «بازار» التسميات، وكأنه المنقذ الذي يعوّل عليه. هذا «سيناريو» واقعي أو افتراضي يجب عبوره، إذا ما نجح ميقاتي ومن يدعمه لتجاوز الخلافات وحلّ العقد التي تعيق التأليف.
لكن المواقف التي أطلقها الرئيس المكلف، بعد تجاوز تسميته وتكليفه لا تبشر كثيراً بالخير والتفاؤل والإيجابية، خاصة انه ركز على إيجاد الحلول السريعة والمعالجة الجدية لأزمات خدماتية طارئة، كالمحروقات والدواء والكهرباء والماء والغلاء والدولار، وهو يعلم ربما أكثر من غيره، أنّ أية حكومة ومهما كان رئيسها، غير قادرة على مواجهة «مافيات» و»كارتيلات» وتجار الاحتكار، المتواطئين والشركاء في الفساد والنهب والمحاصصة، المدعومين من غيلان السياسة وحيتان المال. ولم يعِد الشعب اللبناني الذي يعاني كثيراً، لا بالإصلاح، ولا بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ولا بالتغيير، وهم القاعدة الأساس والطريق إلى أيّ حلّ في أيّ ملف…
على ما هو واضح، فإنّ الحكومة إذا ما تشكلت، لن تكون أكثر من حكومة تشرف على الانتخابات النيابية الموعودة.
وكما قال الرئيس نبيه بري «العبرة في التأليف»، وبعده لكلّ حادث حديث.