شكلٌ جديد لعالم لا يحكمه الأميركيّون بمفردهم
} د.وفيق إبراهيم
تميزت مرحلة العلاقات الروسية الأميركية الممتدّة من الستينيات حتى مطلع القرن الحادي والعشرين بتقاسم شديد للعالم على أساس سيادة قطبيتين في مختلف قارات العالم.
لم يحدث أن تفردت قطبية واحدة بأي جزء من الأرض، روسيا مثلاً كانت موجودة في معظم القارات باختلاف الإمكانات وأميركا كانت منتشرة في معظم القارات أيضاً.
هل تبقى الصراعات الدوليّة على حالها بعد سيطرة كورونا؟
المحاولات الروسية – الأميركية متواصلة لتوزيع مراكز في كل مكان، ولكن الوقائع تكشف ان كورونا نال من هيبة القوى العظمى وأسدى كورونا خدمة كبيرة بتجميد حركة الصراعات بين القوى العظمى الى مراحل لاحقة.
لماذا لم تتغيّر القوى العظمى؟ لقد تقلصت حركة جذب الدول بالوسائل الاقتصادية والسياسية وأحياناً بالتهديد العسكري احياناً اخرى، وهذا كان نتيجة لكورونا التي جمدت التطورين الاوروبي والأميركي.
فظهر المشهد الدولي كالآتي: تراجع أميركي وأوروبي تجاوز مرحلة الجمود مقابل تقدم صيني – روسي، اما الاسباب فمردها الى محدودية الحاجات الشعبية في روسيا والصين مقابل الإصرار الأميركي الأوروبي على التمسك بالرفاهية في الإنفاق الشعبي، وكأن كورونا لم تترك آثاراً وبيلة في أوروبا والأميركيتين.
ما يمكن استنتاجه من هذه المطالعة؟
هناك تراجع أميركي وأوروبي في صيانة مستوى الرفاهية كما كانت قبل كورونا، وهناك بالمقابل إصرار أميركي اوروبي على الامساك بالمعدلات المقبولة حتى لو واصلت كورونا صعودها القاتل، إنما كيف يبدو الصراع الدولي؟
هناك ثبات في العلاقات الأميركية الأوروبية لا يهتز لأنها ذات طابع جيوبوليتيكي يستند الى تاريخية الصراع.
لذلك يستمر هذا الصراع بين أميركا وأوروبا من جهة مقابل الصين وروسيا من جهة ثانية وتلتحق به صراعات «إسرائيل» وسورية وافغانستان ومعظم بلدان العالم من جهات إضافية.
ماذا بالنسبة لروسيا والصين؟
لم تقبل الصين بالتنازل عن أدوارها الاقتصادية الكونية لمصلحة حلف مرتقب مع الروس، وهو تقارب اقتصادي سياسي عسكري يجذب اليه الكثير من الدول المهمة، هنا لا بأس من الإشارة الى ان الروس والصينيين فهموا الانسحاب الأميركي من الصين تهديداً لأمنهم مع روسيا، وربما اكثر وكذلك أدرك الروس اهمية خطورة التوقيت في التراجع عن افغانستان، وهذا يعني بالنسبة اليهم إعادة تشكيل تيارات إسلامية لا تقل ضراوة عن التيارات الحالية.
وانتاب هذا الإحساس ايضاً إيران الواقعة على حدود روسيا والدول الاسلامية الواقعة على حدودها ايضاً، لذلك جمعت طالبان في أفغانستان عداء صينياً روسياً ايرانياً لكل من الصين وروسيا وايران، على أمل أميركي بضعضعة الاستقرار في هذه المنطقة بالذات.
هل هذه من الأسباب التي تفرض التقاء تحالفياً بين الصين وروسيا وايران؟
انه واحد من الأسباب لكنه ليس كافياً مقابل إصرار صيني على التحرك الاقتصادي في مختلف بقاع الارض على الرغم من العداءات الأميركية، كذلك فإن إيران مطلوب منها أميركياً التراجع عن مشروعها من الشرق الاوسط.
هناك اذاً ما يجمع روسيا والصين وإيران في مواقف رافضة للحركة الأميركية العالمية، ويؤمن هذا الانسجام ولادة تحالف روسي صيني إيراني معادٍ للسياسة الأميركية العالمية دفعة واحدة وصولاً الى حدود التمحور في إطار قطبية جديدة مستعدة لمنافسة الأميركيين في كل مكان من الدنيا.
يتضح بذلك أن الثلاثي الإيراني الروسي الصيني يتهيأ لتعميق تحالفه الذي يضمّ جنوب شرق آسيا وآسيا الصينية وروسيا الأوروبية والتقليدية مقابل تراجع أميركي أوروبي يترقب تراجع كورونا. بدوره المحور الإيراني – السوري حزب الله ليس مستعداً للتراجع عن مشروعه في التصدي لـ»إسرائيل» ويواصل التحضير للقتال في شرق سورية، فإذا كان الأميركيون يريدون الانسحاب من العراق فذلك لإصرارهم على تأزيم علاقات الحلف الثلاثي مع دوله، وخصوصاً علاقات العراق وإيران.
هذا ما يفرض اعتبار سورية فرعاً رابعاً للحلف الثلاثي لا تقل أدواره عن أهمية أدوار إيران وروسيا والصين ويبدو أن السلع الاقتصادية الواردة من الصين تتجه لاكتساح محاور الشرق الأوسط وافريقيا وآسيا الإسلامية، وهناك ميل لنشر سلاح روسي في المناطق نفسها، أما إيران فانها تواصل مشروعها السياسي القائم على تحرير العالم الإسلامي من الهيمنة الأميركية وهذا يتطلب دعماً صينياً روسياً مع الكثير من عمق العلاقات الاقتصادية بين محاور الحلف.