المقاربة الأخلاقية القيمية للأزمة في لبنان
} فاطمة الموسوي
لا تكون النهضة إلا بالمقاومة الفكرية والمعرفية المناهضة لثقافة الجهل والاستسلام لمنظومة الموت والفساد وتدمير الآخر وتشويه صورة الإنسان في مجتمع بات يفتقد لمعنى الإنسانية…
في مقاربة الأزمات وبعيداً عن التحليل السوسيو ـ سياسي والاقتصادي، تأتي المقاربة الأخلاقية ـ القيمية التي تعيد الى الواجهة الدور التربوي والإنساني والديني في التعامل مع الكوارث والأزمات… فالأخلاق نقطة الانطلاق نحو التغيير الإيجابي الذي يعيد للإنسان كرامته المفقودة في وطن الذلّ والحرمان والقهر والفقر المدقع… أما كيفية التغيير فهي لا تتمّ إلا عبر اعتماد استراتيجية أخلاقية… تبدأ بأهمية الوجود الإنساني أولاً وحقه في الحياة والهوية، وفي وطن يكون مسكن أحلامه واستمراريته…
من هنا، لا بدّ من العودة الى الجذور التربوية التي أسست لهذا الجزء الكبير من الخراب في عالم الإنسانية.. حيث بات القتل مجرد هواية، والسرقة متعة المجرمين، والاحتكار «حق» من حقوق المحتكرين المخنثين المصابين بداء الأنانية وعشق المال على حساب المستضعفين والمقهورين.
وبالتالي هناك أخلاق مفقودة عند هذه الفئة من البشر… حيث لا يمكن أن يملك أيّ شخص يتاجر بأرواح الناس وبلقمة عيشهم ذرة واحدة من الأخلاق.. إلا إذا كنا أمام فئة مخدّرة متحوّلة الى مجرد روبوت تحركه جهات أخرى… وهنا يبقى التحليل رهن إشارة الوقائع المكشوفة علانية…
في هذا الإطار، لا بدّ من طرح المقاربة الأخلاقية باعتبارها حجر الأساس في كشف الحقائق، وفي بناء المعرفة التي يُبنى عليها أساس التحليل والتفسير والربط المنهجي مع إشكالية تركيع الناس وتجويعهم ودفعهم الى قلب الهاوية حيث يلهثون وراء الحياة حتى لفظ أنفاسهم الأخيرة…
هنا تأتي النتائج المنطقية التي تلامس حقيقة الأزمة، والتي تبدأ بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلخ… إلا أنها تنتهي بتفسير واضح ونتيجة مقنعة، بأنّ الأزمة الحقيقية هي أزمة أخلاق.. فمهما كانت الأسباب الداخلية والخارجية التي تخلق الأزمات في لبنان.. إلا أنّ التعامل مع هذه الأزمات جاء بطرق غير أخلاقية… حيث عمّق الهوة، وزاد من وتيرة الاستغلال، وساهم بالكشف عن المشكلة البنيوية التي يعاني منها المجتمع اللبناني، والتي تتعلق بالطائفية والإجرام بحق الإنسان وعدم الاعتراف إلا بالذات…
هي الذات القادرة على فعل كلّ شيء إنْ فقدت أخلاقها، وها هي تفعل باحتكارها الوقود والدواء والمواد الغذائية وأبسط متطلبات الحياة…
بناء عليه، علينا بترتيب أوراق وجودنا من جديد، علينا أن نقرّر بين التغيير البنيوي القائم على التربية المدنية الأخلاقية التي تحترم الإنسان ووجوده أولاً… أو نختار الرحيل عن هذا المجتمع الذي لا يمكن الاعتراف به مجتمعاً أخلاقياً نهضوياً قابلاً للتطور والحياة.
أما الحلول الآنية القائمة على التسويات والاتفاقات وصفقات العيش الواحد والمشترك والتوافق والتعايش والتقبّل، فهي الهلاك المبطن، والقوة التغييرية السلبية التي فرضتها ظاهرة تأسيس لبنان وولادته القيصرية غير المقنعة.. وما زالت حتى اللحظة تساهم في تفكيك الجماعات الإنسانية التي من المفترض ان تكون منسجمة ومنتمية الى مجتمع واحد.
في النتيجة، الأخلاق بداية النهاية المأساوية… وبداية البدايات النهضوية، لتكن هي الأساس في تربيتنا للأجيال التي ستولد… أو التي لم تولد بعد…