اللبنانيّون غارقون في متاهات طوائفهم وصراعات الإقليم
} د.وفيق إبراهيم
أقل من أسبوع ويستحضر اللبنانيون ذكرى حريق وتفجير مرفأ بيروت وتدمير الكهرباء والمواصلات والوقود والأعمال والأشغال وكل ما هو صالح للإنتاج.
هذه الصورة لم تتقاطع مع إسقاطهم لأسوأ طبقة سياسية لا تزال حتى اليوم تنهب البلاد وتستعمل الخلافات الوهميّة بين الطوائف للاستمرار في الإمساك بالبنى السياسية والاقتصادية وتختبئ وراء الطوائف وتحرّضها على بعضها بعضاً للاستمرار بالإمساك ببنى الطوائف والدولة وآخر ما تبقى من حركة الإنتاج الاجتماعي.
الصراع إذاً هو وهميّ بين طوائف اجتماعيّة وسياسيّة وبين زعاماتهم، لكن هذا الصراع هو وهميّ لأن الطبقة السياسيّة لا تزال مدعومة من أساسين اثنين من قوى الخارج في السعودية وفرنسا وأميركا من جهة وسورية وإيران من جهة ثانية تحاول استجلاب دور روسي مؤيد لها ومعادٍ للأطراف الدولية والاقليمية الاخرى.
لكن ما يميز الدور الدولي اللاعب في ميادين لبنان أنه ممسك بشكل كامل بقوى الطوائف والقيادات السياسية لهذه الطوائف تسيطر على طوائفها وتواجه بها المعترضين على تاريخيتها.
فمشيخة عقل الدروز لاعب أساسي لمصلحة دوار المختارة وكل من يبرز من قيادات الدروز في السياسات المدنية الكبرى، ألم تكن هذه الطائفة مقسومة بين الجنبلاطية والأرسلانية في السياسة المدنية حتى توصل وليد جنبلاط وطلال أرسلان الى تعاون عكس الى حد كبير اتفاقاً بينهما على قاعدة تجنيب الدروز سيئات الصراع السعودي السوري – حزب الله ومنع انتقال هذا القتال الى الشارع المدني الدرزي.
كذلك، فإن صعود الدور الإيراني في لبنان وسورية أدى إلى إنجاح حزب الله بالتعاون مع حركة امل الى إيلاء الزعامة السياسية الشيعية لنبيه بري رئيساً للمجلس النيابي بشكل دائم، مع نجاح حزب الله بالإمساك بالشيعية الشعبية بشكل كامل، حتى اصبح الشيعة فريقاً واحداً يسيطر عليه حزب الله وحركة امل من دون أي منافس لهما في الأطر الشيعية التي يبدو انها تحولت الى طائفة مغلقة تؤيد إيران وسورية إقليمياً والحزب والحركة في لبنان.
وأصبحت تبدو حزباً مغلقاً لا يظهر إلا حين يريد الحزب ونبيه بري وصارت تلعب ادواراً شعبية في اوقات يريدها الثنائي الشيعي الذي يمسك بمناطقها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وحين يتفق على ذلك مع نبيه بري.
والطريف أن التنسيق بين بري – حزب الله جعل الحزب مؤيداً للسياسات الشعبية لحركة أمل ويمتنع عن الانخراط في الصراعات الداخلية الى جانب الصراعات الاجتماعية.
لجهة المسيحيين، فإن طوائفهم تخوض حرب شوارع ضد بعضها بعضاً للتحضير للانتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية المقبلتين، فتتعاون مع قوى سنية في مواجهة قوى مارونية مقابل تعاون قوى مارونية أخرى في مواجهة قوى مارونية تؤيد قوى أخرى للموارنة، وكذلك حال الشيعة الذين يؤيدون فريقاً مارونياً في وجه فريق آخر او يقسمون قواهم مع فريقين واحد للتيار الوطني الحر وآخر قريب من القوات.
تؤكد هذه الصورة على استمرار سيطرة البنية الطائفية السياسية على السلطة في لبنان، وعدم نجاح الشارع اللبناني في السيطرة على السياسة وفشلها في إرباك السلطة السياسية أو حشرها في نفق عميق كما كانت تسعى.
وتكشف أن التباينات الشعبية تحتفظ بأساساتها الطائفية ولا تتخلى عنها، كما تكشف أن ارتباطاتها الاقليمية والدولية لا تزال على حالها من الاستسلام للنظام الدولي الغربي مقابل نجاح حزب الله بالاحتفاظ بأدواره اللبنانية – السورية – الإيرانية المعادية لـ«إسرائيل».
وهذا يؤكد أن الفريق الغربي الدولي المهيمن على لبنان مع حزب الله اتفقوا على تشكيل حكومة حياتية بشكل كبير يترأسها نجيب ميقاتي على ان تتولى حصراً ادارة الشارع اللبناني لمنع الانهيار النهائي للبلاد والعودة به الى مرحلة الحد الأدنى، يستطيع من خلالها الاستمرار السياسي والاقتصادي ومنع البلاد من الانهيار وسط توازنات من هذه الأنواع السياسية والاقتصادية تسمح للبنان باللعب على التوازنات الداخلية والخارجية، وذلك على قاعدة الاعتراف المتوازن بالنفوذين السعودي والإيراني بالإضافة الى الدور السوري – الأميركي والفرنسي.
تبدو حكومة الميقاتي اذاً آخر آلية لمنع الانهيار اللبناني نهائياً مع إعادة واضحة للتوازنات الاقليمية والدولية اليه، على قاعدة تتعادل فيها أحجام حزب الله وحلفائه مع الجناح المؤيد لـ«اسرائيل».
هل ينجح ميقاتي في تشكيل حكومة؟ يبدو ان الظروف الاقليمية والدولية مؤاتية لهذا الأمر وذلك على قاعدة الحاجتين الاقليمية والدولية الى استتباب لبنان وجعل الاوضاع فيه قادرة على منعه من توتير الصراعات السورية الإسرائيلية في مرحلة تبدو فيها القوى الاقليمية والدولية في مرحلة إعادة بناء قواها في جزيرة العرب وبلاد الشام.