هل يعوَّل في تأليف الحكومة على ضمانات خارجية أو على لقاءات الرئيسين…؟
} علي بدر الدين
مسار تأليف الحكومة بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري، وتخطي بنجاح منقطع النظير، عقبتي الإستشارات النيابية الملزمة وتسمية النائب نجيب ميقاتي وتكليفه، ثم الاستشارات النيابية غير الملزمة، التي تحوّلت إلى منبر إعلامي ملائم للكتل النيابية للإدلاء بمواقفها وآرائها واقتراحاتها، وماذا طلبت من الرئيس المكلف، بعد أن تمّت تسميته، وأكدت أنها ستسهل له مهمته وتفتح طريق الحرير أمامه، للوصول إلى النهاية السعيدة المتمثلة بتأليف الحكومة بعد مخاضات عسيرة وطول انتظار، وادّعت على غير عادتها إبداء كلّ حرص ممكن، وليونة متاحة، لتحقيق حلم التأليف، الذي تحوّل إلى كابوس حقيقي يقضّ مضاجع اللبنانيين، ويغرقهم في مزيد من الفقر والجوع والبطالة والذلّ الممنهج غير المسبوق.
لم يصدّق اللبنانيون كثيراً أو قليلاً، ما تناهى إلى أسماعهم من مواقف الكتل النيابية أو معظمها على الأقلّ، وهم الذين اكتووا بنارها وألاعيبها ووعودها التي لم تنفذ يوماً، ولم تصدق منذ ثلاثة عقود من التحكم والتسلط، بل كانت دائماً وبالاً ومآسي وكوارث وانهيارات متتالية على كلّ المستويات، وفي كلّ القطاعات والخدمات حتى افتقروا وجاعوا وحُرموا وسرقت حقوقهم وأموالهم وأذلوا، وما زالوا محاصرين في قلب النار التي أشعلها المسؤولون، وقد سمعوا الكثير منها ومن الكلام المعسول من هؤلاء الذين لطالما ادّعوا العفة والحرص على مصلحة العباد والبلاد، وإذ بهم يدخلونهم جهنم وبئس المصير والجحيم الذي يصعب الخروج منه، في ظلّ استمرار حكم هذه المنظومة السياسية السلطوية.
عدم التفاعل مع هذه المواقف الممجوجة والمكرّرة، لم يأت من عدم أو من فراغ، أو من مزاج شعبي غير مهيأ، لمثل هكذا مواقف «تنقط» عسلاً بطعم العلقم، على قاعدة المثل الشعبي الذي يقول «من جرّب المجرّب كان عقله مخرًباً»، ولأنّ «ألسنة الناس أقلام الحق»، فإنّ عدم تصديقهم لكلّ ما قيل ويُقال كان في محله، لأنّ «العرق دساس»، وتغيير «الحال من المحال»، حيث سقطت الكتل النيابية ومن خلفها الطبقة السياسية والمالية الحاكمة في شرّ مواقفها وكلامها ووعودها، وأعادت شعبها المسكين إلى المربع الأوّل، حيث الصراعات والخلافات على تقاسم «جبنة» الحكومة وعلى الحقائب تحديداً، ولمن تكون هذه الحقيبة أو تلك المسمّاة سيادية بدعة واحتيالاً وتزويراً، ومثلها الخدماتية التي «تبيض» مالاً وتوظيفاً واستثماراً وخدمات، مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي.
عندما بدأ الجدّ، طافت الفضائح، وعادت نغمة التحاصص والمصالح وتوزيع الحقائب إلى نقطة الصفر، وإلى التناتش والكباش والعرقلة والتصعيد والشروط المتبادلة، ونسفت معها كلّ أمل او تفاؤل بتأليف الحكومة في المديين القريب والمتوسط، لأنّ عقد التأليف التي قال الحريري إنها دفعته إلى الاعتذار لا تزال قائمة، وكأنّ أمراً أو شيئاً لم يحصل ويتغيّر…
ورغم الالغام المرصوفة في طريق التأليف، لا خيار متاحاً سوى الرهان، على الضمانات الأوروبية تحديداً، التي أعلن عنها الرئيس ميقاتي بعد تسميته وتكليفه، بأنها ستكون مفروشة بالورود بدلاً من الأشواك والمطبات والمسامير، وانّ التأليف بات «قاب قوسين او أدنى» وليس بعيداً كثيراً، عن موعد الرابع من آب، الذكرى السنوية الأولى لكارثة انفجار مرفأ بيروت، كما سيكون الرهان على طول صبر الرئيس المكلف.
انّ الكتل النيابية، ومن خلفها، ومواقف الليونة التي أطلقتها بعد الاستشارات النيابية الملزمة، والوعد بترجمتها، خلال مسار التأليف وإظهار نفسها كالحملان الوديعة وإنّ «النملة تأكل عشاءها» وإن «تمسكنت حتى تمكنت» لكنها ما لبثت ان كشرت عن أنيابها وحقيقتها وسلوكها المشين والمرعب.
كلّ الشر والفساد والظلم المستأصل بهذه الطبقة السياسية والمالية الحاكمة، ومهما ناورت وادّعت وتباهت ووعدت، لن تلغي أن موعد سقوطها بات حتمياً، وحان أوانه، إن طال الزمن أم قصر.