العلاقات الصينيّة العربيّة تتطوّر إلى مستوى أعلى جديد
طرحت الصين منذ بداية هذا العام عدداً من المبادرات والمقترحات والأفكار الجديدة حول القضايا العربية، كما من المتوقع أن تُعقد أول قمة صينية عربية في العام المقبل. ويرى خبراء صينيون وعرب أن كل هذا يدل على أن العلاقات الصينية العربية تتطور إلى مستوى أعلى جديد.
فقد اقترحت الصين مبادرة من خمس نقاط بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط في مارس من هذا العام. وفي الشهر الحالي، قدمت الصين أيضاً مقترحاً من أربع نقاط لحل القضية السورية وكذلك اقترحت ثلاثة مسارات لتنفيذ «حل الدولتين» بشأن القضية الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، قام عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي بزيارة منطقة الشرق الأوسط مرتين في غضون أربعة أشهر هذا العام.
وتعليقاً على ذلك، قال وو سي كه، المبعوث الصيني الخاص الأسبق إلى الشرق الأوسط، مؤخراً إن «هذه المبادرات والمقترحات الجديدة التي طرحتها الصين تعكس مدى اهتمام الصين الكبير بتنمية علاقاتها مع دول الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنها «لا تشكل فقط مجملاً للسياسات الصينية تجاه الشرق الأوسط على مرّ السنين، وإنما تُعدّ أيضاً تفكيراً استراتيجياً لتعزيز العلاقات بين الصين وهذه الدول ارتكازاً على هذا الأساس».
وفي السياق نفسه، ذكر ما شياو لين، البروفيسور بجامعة تشجيانغ الصينية للدراسات الدولية ومدير معهد دراسات حوض البحر الأبيض المتوسط، أنها تبرز موقفاً إيجابياً يتمثل في أن الصين كدولة كبرى مسؤولة يجب أن تلعب دوراً بناء مهماً ومؤثراً في الشرق الأوسط، مؤكداً «في الوقت ذاته على أنها تأخذ الاعتبارات الاستراتيجية في الحسبان وتدل على أن الصين تولي اهتماماً كبيراً بالعالم العربي».
فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر في عام 1956، أخذت علاقات الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية تتعمّق وتتطوّر بشكل مستمر. فعلى صعيد الاقتصاد والتجارة، تحقق تعاون يقوم على المنفعة المتبادلة بين الجانبين. وعلى صعيد السياسة والدبلوماسية، قدّم الجانبان الدعم لبعضهما البعض.
وقد ذكر الدكتور ضياء حلمي، خبير الشؤون الصينية والأمين العام لغرفة التجارة المصرية الصينية بالقاهرة، أنه «من حسن الطالع أن العلاقات المصرية الصينية الرسمية تحتفل هذا العام بمرور 65 عاماً على إقامة علاقات دبلوماسيّة، وكانت مصر الداعم الأول لها وكانت مصر الدولة الأولى التي اعترفت بالحكومة الصينية في ذلك الزمن البعيد»، مؤكداً أن «65 عاماً كانت كلها إضافات في العلاقات المصرية الصينية».
وأشار إلى أن «مصر هي بوابة أفريقيا وهي الدولة الكبيرة إقليمياً وشرق أوسطياً وأفريقياً»، مضيفاً بقوله «أتوقع التعاون الاستراتيجي المصري الصيني في أكبر صوره، وسيزيد خاصة مع مبادرة الحزام والطريق التي أسميها مبادرة القرن».
ومن جانبه، أفاد الخبير والمحلل السياسي السوري محمد العمري بأن «الموقف الصيني تجاه الملفات العربية هو موقف داعم لتلك الدول العربية ويهدف إلى حل النزاعات بالطرق السلمية»، مؤكداً أن «الدور الصيني سيزداد ويتنامى في المستقبل».
وتابع يقول إن «الجانب الصيني يقيم علاقاته مع الدول انطلاقاً من مبدأ الندية وليس من خلال فرض الإملاءات»، مسلطاً الضوء على أن الصين وروسيا ودولا أخرى يمكن أن تؤدي دوراً أكبر من خلال إحداث تنمية في هذه الدول التي عانت من فرض الإملاءات الأميركية.
واتفقت الصين والدول العربية على إقامة شراكة استراتيجية بين الجانبين في عام 2018. وثمة يقين بأن العلاقات الصينية العربية سترتقي في عام 2022 إلى مستوى جديد لتقف عند نقطة انطلاق تاريخيّة جديدة بفضل القمة الصينية العربية الأولى المرتقبة.
وقال ما شياو لين إنه «تنبغي الإشارة إلى أن العلاقات بين الصين والعالم العربي علاقات تتسم بكونها ودية للغاية، خاصة بعد إنشاء منتدى تعاون مع جامعة الدول العربية، وقد أحرزت علاقاتنا الشاملة تقدماً كبيراً في جميع الجوانب».
كما لفت إلى أن «انعقاد قمة صينية عربية «يدل على أن الصين تتعامل مع الدول العربية الـ22 وشعوبها البالغ تعدادها حوالي 400 مليون نسمة، ككيان واحد.. ومن ثم فإنه يعد من الخطوات الدبلوماسية الكبيرة للصين في السنوات الأخيرة».
وذكر أنه «في فترة خاصة يمر فيها العالم بوضع مركب يجمع بين تغييرات لم يشهدها منذ قرن وجائحة كوفيد-19، صار من الأهمية بمكان تعزيز الحوار بين الصين والعالم العربي، وتوطيد التعاون بين الصين حكومة وشعباً وبين الدول العربية حكومات وشعوباً، واحترام وحماية المصالح الأساسية للطرف الآخر ولا سيما حقوق التنمية، ومعارضة استخدام القوة والهيمنة والتدخل في الشؤون الداخلية بصورة مشتركة، والتكاتف بشكل خاص في الحفاظ على الاستقرار والتنمية والازدهار بمنطقة الشرق الأوسط».
وألمح إلى أنه «من خلال عقد القمة الصينية العربية، يمكن الوصول إلى إطار تنموي استراتيجي بين الحضارتين الصينية والعربية الإسلامية، لضمان مضي هذه الثقة المتبادلة والتنمية الودية والمساعدة المتبادلة بين الجانبين قدّما بصورة أكثر استقراراً وتنظيماً».
وفي السياق نفسه، شدد وو سي كه على أنه «في ظل الوضع الحالي الجديد ومع نقطة الانطلاق التاريخية الجديدة، أصبحت كل من الصين والدول العربية في حاجة ملحة إلى تعزيز تطوير العلاقات بينهما، كما أن هناك درجة عالية من التوافق بين الجانبين»، قائلاً «أعتقد في هذا الصدد أن العلاقة بين الجانبين هي علاقة مصير مشترك، وينبغي أن يكون الجانبان أكثر التزاما بتعزيز بناء مجتمعات مشتركة».
ورأى وو سي كه أن هذه المجتمعات يمكن أن تشمل عدة جوانب: «يتمثل أولها في بناء مجتمع تنموي مشترك، أي تعزيز التعاون بين الجانبين من خلال البناء المشترك لـ(الحزام والطريق) بشكل عالي الجودة؛ وثانيها في خلق مجتمع أمني مشترك، فهناك أفكار جديدة بين الجانبين، لا سيما في المكافحة المشتركة للإرهاب ومنع القوى الإرهابية داخل البلاد وخارجها من إثارة القلاقل؛ وثالثها في بناء مجتمع صحي مشترك، خاصة في ظل التفشي الحالي لجائحة كوفيد-19؛ ورابعها في العمل معاً لبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، وخاصة لتعزيز التواصل بشأن القضايا الدولية والإقليمية، وبناء نظام دولي تشكل الأمم المتحدة نواته، والدفاع عن التعدّدية، ومعارضة الأحادية والتنمر».
واختتم وو سي كه حديثه قائلاً «أعتقد أن هناك توافقاً واسعاً في هذا الصدد بين الصين والدول العربية، وبين الصين ودول الشرق الأوسط».