لماذا يعاقب الأوروبيون لبنان؟
} د. وفيق إبراهيم
العقوبات الأوروبية على لبنان وسيلة قاصرة ضمن مشروع للاتحاد الأوروبي يضع سورية وإيران في دائرة صراع حادّ، وتمنعه من استعمال أراضي 27 دولة هي مجمل دولة الاتحاد الأوروبي أمام الذين يتلقون عقوباته بأيّ شكل من الأشكال.
هذه إذن عقوبات تمنع عن لبنان التنقل في أوروبا، بما يؤدي الى إقفال أجواء لبنان في وجه أيّ حركة اتصال مع أوروبا، ويشمل الذين تضربهم عقوبات هذا الاتحاد وهم بمعظمهم من أنصار سورية وإيران.
وهذا يكشف الدور الأوروبي المتنامي في دعم الصراع «الإسرائيلي» ـ الأميركي ـ السعودي ضدّ إيران وسورية، فإذا كانت أوروبا لا ترسل كميات كبيرة من الجنود إلى سورية والعراق وأفغانستان وأوروبا الشرقية، وبعض دول أفريقيا، فإنها ترسل بالآلاف الى شرق الفرات في سورية ومناطق الحدود العراقية والدول المتعثرة في أوروبا الشرقية وبعض البلدان الراقدة على كميات كبيرة من المواد الأولية في أفريقيا ولم تكتشف بعد بشكل تجاري.
أفريقيا هي إذن القارة الراقدة في سبات عميق وتتحضّر دولها الضعيفة لأعنف المنافسات بين الروس والأميركيين والاتحاد الأوروبي والصين.
هذه الدول التي تسيطر عليها رغبات قوية للاستثمار في مواردها الأولية وتتدحرج منها بناء تحالفات مع دول أفريقية تربط بين كلّ أنواع التطوّر الاقتصادي والسياسات، فها هي تركيا تذهب الى القارة السوداء باسم الإسلام، للبحث عن التحالفات الاقتصادية والموانئ الاقتصادية مع محاولات لاستخدام الإسلام في إقناع الأفارقة اقتصادياً وسياسياً، فيما تبذل الصين جهوداً للسيطرة الاقتصادية على القارة السوداء وكذلك روسيا، فيما يستعمل الأميركيون جهوداً قليلة للتحرك في وجه الروس لأنهم يعرفون أنّ أوان العراك مع الصين والروس لم يحن بعد.
لذلك فإنّ الاتحاد الأوروبي يلجأ اليوم الى عقوبات على لبنان تعطل حركته على أراضي أوروبا بما يؤدّي أيضاً الى إصابة الحركة السورية على إيران أيضاً ولبنان بالتدحرج.
فما يريده الاتحاد الأوروبي هو عقوبات تؤثر على لبنان وسورية في معركة تبدو إيران فيها مستهدفة.
كيف يمكن لأوروبا في هذا المجال استهداف أصدقائها؟ هذه المعركة ليست أفريقية صرفة… وهذا يؤدي الى استغراب شديد، فأوروبا الاتحاد الأوروبي لديها أدوار قديمة في أفريقيا وتحتاج اليها أميركا في معاركها المقبلة في وجه الصين وروسيا في روسيا مسالكها البحرية ومواردها الاولية.
لذلك تبدو واضحة خطوط المعارك الفرنسية التي بدأت تكتسح دولاً أفريقية يبذل الأتراك جهوداً اقتصادية واعلامية دينية لاختراقها.
هذه هي الأسباب التي تملي على الاتحاد الأوروبي إطلاق عقوباته على لبنان ربطاً بما للبنان من نفوذ كبير في كثير من الدول الأفريقية، على مستوى الدول والأفراد، فهناك مئات آلاف اللبنانيين العاملين في بلداته الذين يحرّكون مئات ملايين الدولارات منه وإليه في حركات تبادل اقتصادية لا تروق كثيراً للغربيين، يكفي هنا انّ بلدان الاتحاد الأوروبي أعلمت أسراً من أفريقيا انّ خطوط تعاملهم المالي تقتصر عليهم، على الاميركيين من جهة وبعض دول الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية ولبنان من جهة ثالثة.
فهل تنفع العقوبات على لبنان من قبل الاتحاد الأوروبي؟
الواضح حتى الآن انّ الأوروبيين يعملون خلال اتحادهم على ضمّ لبنان الى الدائرة الشرق اوسطية المناهضة لسورية، وهذا يتطلب حلفاً له مع سورية يخرجه من دائرة الاستتباع الاقتصادية الى مجالات التحالفات السياسية او يؤدي الى تحييدها على الاقلّ من مدى الصراع مع «إسرائيل» وصولاً الى مرحلة حصار حزب الله، وبذلك ينجح الاتحاد الأوروبي من تنفيس صراع سورية وحزب الله ضدّ «إسرائيل» ويتمكن القتال السوري ـ اللبناني مع إسرائيل من الوصول الى مرحلة التجميد على الاقلّ.
هل ينجح الاتحاد الأوروبي في هذا المشروع؟ لا شك ان لديه القدرة الاقتصادية على السيطرة على لبنان الاقتصادي وبالتالي السياسي، لكن هذا الدور يدفع نحو صراعات داخلية، يعيد دفع اللبنانيين الى الشارع المسلح والسياسي وهذا لا يؤدي الى امتلاك أي قوة في لبنان للاستمرار في السيطرة على مصادر القوة، وهنا يظهر الدور الإيراني قادراً على دعم نفوذه اللبنانية ـ السورية، وهذا يؤدي الى اعادة القوى اللبنانية الى الشارع المسلح برعاية روسية إيرانية سورية من جهة وأميركية أوروبية من جهة أخرى.
فهل ينفجر الوضع اللبناني كالإفلاس الاقتصادي ويدفع البلاد نحو صراعات داخلية حادة خصوصاً مع غياب المازوت والكهرباء والزيت والبنزين وكلّ أنواع السلطات السياسية، وهذا يؤسس لتتفجير داخلي للبناني، لكن الدور السياسي للفرنسيين والاميركيين والإيرانيين والسوريين يعتقد انّ الهدنة خير أداة للسيطرة على المنطقة.