ليس هناك خطر فتنة عندما تحسم الدولة أمرها
ناصر قنديل
– منذ سنتين ولبنان والأمن فيه رهينة ما يجري على مثلث خلدة، فقطع الطريق في هذه النقطة الحرجة يقطع أوصال البلد، ويلحق الأذى بعشرات بل مئات آلاف اللبنانيين الذين يعبرون هذا المثلث كل يوم، والغريب العجيب هو كيف ترك مصير هذه النقطة الحساسة بالمفهوم الأمني بيد مجموعة تقرّر ساعة تريد بإسم الاحتجاج على قطع الكهرباء أو الوضع المعيشي ان تقطع الطريق وتضع مئات آلاف اللبنانيين تحت المطر او الشمس الحارقة، وتقف القوى المسلحة الرسمية تسترضي هذه المجموعة حتى تفرج عن طوابير من آلاف السيارات باتت لياليها مرات في الطرقات وبينها مرضى ورضع وعجائز، على قاعدة أن ذلك من ضمانات حرية التعبير، ويجب أن يسجل لصاحب هذا الإبتكار أنه صاحب مساهمة كبرى في تعريض لبنان لمحن تشبه التي واجهناها أمس.
– الذي جرى لا علاقة له بالطوائف والمذاهب والأحزاب، بل هو أمر يتصل بالأمن مباشرة بلا مداورة، فليس هناك نزاع سياسي بين الأحزاب، ولا تنابذ طائفي ومذهبي في السياسات، ولا توتر بين المرجعيات، بما يجعل كلّ حديث عن خطر فتنة نوعاً من الدعوة الضمنية للتسامح مع المجموعة ذاتها التي تقطع الطرق وقامت أمس بالاعتداء على جنازة المغدور علي شبلي بحجة الثأر، ودعوة موازية للذين سقطت دماؤهم، وقتل أبناؤهم، للتصرف على قاعدة أنّ حقهم مهدور بإسم نبذ الفتنة، وعليهم التحرك، وهذا عملياً هو الطريق إلى الفتنة، فما جرى غير ملتبس ولا يقبل التأويل، ولا يحتمل تضييع الطاسة، فهناك مجموعة مسلحة تعتبر انها باسم نبذ الفتنة تبني إمارة لها تمسك بعقدة الطرق في لبنان، وانها تستطيع تحويل هذه الإمارة الى إمارات متشابهة في عقد طرق متعددة، بالتهويل ببيانات تتحدث عن نقل المواجهة من منطقة إلى اخرى، تحت شعار العشائر العربية وانتشارها في عدة مناطق لبنانية.
– لا علاقة للعشائر المكونة من لبنانيين طبيعيين يريدون الأمن وسيادة القانون والطرق السالكة، مثلهم مثل كل اللبنانيين، بالذين يعيشون على قطع الطرق وإطلاق النار والقتل الغادر، ولا تمثل هذه العشائر النصوص التي دستها يد مشبوهة في بيانات نسبت للعشائر لتبرّر القتل وتدعو للتغاضي عنه باعتباره ثأراً مشروعاً، أو تلك التي تهدّد بإشعال النار في كلّ لبنان بإشارتها إلى انتشار العشائر، ولا خوف من الفتنة ما دامت العلاقات السياسية والطائفية غير معنية بالتوتر المفتعل الذي أراد أن يفتح جرحاً نازفاً يجرّ الآخرين إليه، ولذلك على القيادات السياسية والعشائرية أن تعدّل في خطابها، وتقلع عن الحديث عن التهدئة والعضّ على الجرح والتحذير من الفتنة، وعليها أن تتحدث بلسان واحد، عنوانه، فليدخل الجيش الى كلّ البيوت في المنطقة ويسحب كلّ المطلوبين وفقاً للوائح الإسمية التي بحوزته، ولا غطاء لأحد ولا تدخل للإفراج عن أحد، وليأخذ التحقيق الجدي مساره الكامل حتى يحدّد المسؤوليات ويوجه الاتهامات ويسوق الى المحاكم، وكلّ كلام آخر هو تنصّل من المسؤولية ونصب خيم سياسية وطائفية وعشائرية فوق رؤوس القتلة، وتمهيد لعمليات قتل لاحقة، وفتح لباب لن يستطيع أحد إغلاقه.
– موقف حزب الله من أحداث اليومين الدمويين في خلدة، وقد سقط من صفوفه ومن بين مقاتليه وأنصاره أربعة شهداء، هو موقف وطني مسؤول، يمنح الفرصة لجعل الوضع في خلدة نقطة انطلاق لمشهد أمني وحقوقي جديد، وهو فرصة لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والقضائية لتثبت حضورها وتسترد مهابتها، وتضع مفهوم الأمن الحقيقي اساساً لدورها بعيداً عن المجاملات السياسية، ومراعاة المحاسيب والأزلام، ويعلم الجميع أن ضياع هذه الفرصة سيعني خروج الأمور عن السيطرة، فلا حزب الله يستطيع البقاء متفرّجاً، ولا هو بقادر على ضبط الناس عن ردود الأفعال، والكلّ يعلم انّ عملية قطع الطرقات، قبل الأحداث الدموية في اليومين الماضيين كانت كفيلة بتفجير الوضع واخراجه عن السيطرة.