تونس الفلسطينية وخط الدفاع عن جبل طارق
محمد صادق الحسيني
تونس العربية والمقاومة تنهض شيئاً فشيئاً ولا خوف على ديمقراطيتها وحرياتها ما دامت وجهتها فلسطين. وقيادتها تتقن جيداً الآن فن توظيف تقاطعات العالم والإقليم.
هذا ما تؤكده مصادر عربية وتونسية متطابقة في تونس العاصمة، مطلعة على ما يدور في قصر قرطاج وحواليه وتفيد بانّ الغربيين الذين كانوا يتصوّرون بأنّ قيس سعيّد لن يصمد طويلاً، وانه سرعان ما سيتراجع، وقد ينزلق الى ما قام ضده، يعيشون الآن صدمة كبيرة…!
المتابعون والمطلعون على أحوال الرجل الأول في تونس يؤكدون بأنّ الرئيس التونسي صلب جداً في فلسطينيته، وفي عروبته لا خوف عليه، بمعنى انه لن ينزلق الى التطبيع، كما لن ينزلق الى المعسكر المعادي لسورية والعروبة، رغم حضور المصريين والإماراتيين بقوة، وأخيراً السعوديين في خلفية المشهد الذي يقوده منذ الخطوة المفاجئة الحازمة التي اتخذها ضدّ منظومة الفساد المالي والسياسي الماسونية، سواء الموروثة من عهد البورقيبية، أو تلك التي استحدثت على خلفية «الربيع العربي» المشؤوم..!
المعلومات المؤكدة لهؤلاء المتابعين والقريبين من سعيّد، تفيد بأنّ الرجل قام بالخطوة التي يسمّيها خصومه «بالانقلابية» بالأساس بالتنسيق شبه التامّ مع القيادة الجزائرية العليا دفاعاً عن خط شمال أفريقيا المقاوم والذي تحاول قوى الصهيونية محاصرته عبر بوابة المغرب التي اتت بقاعدة عسكرية متقدمة لـ «الإسرائيليين» على حدود الجزائر غرباً، والتي كانت تخطط لانزلاق تونس الى كارثة الوقوع في حبائل التطبيع فتحكم النطاق على الجزائر من الشرق…!
لكنه أيضاً قام بتحكيم موقعه سلفاً من جهة شرق تونس، عندما استعان، وحسب نفس المصادر بنحو ٣٠ ضابط كبير من الاستخبارات الحربية المصرية كانوا متواجدين ولا يزالون بشكل دائم خلف المشهد الرئاسي التونسي، منذ ما قبل خطوة التغيير، يمدّونه بمعلومات موثقة عن كلّ ما كان يجري لتونس من احتمالات تراجيدية انقلابية كانت تعدّ ضدّه…!
قد يسأل سائل وما هي مصلحة السيسي المعروفة انتماءاته من مثل هذه الحركة…؟
المصادر نفسها تؤكد بأنّ السيسي يلعب بالورقة التونسية بدعم روسي وصيني في إطار حماية شمال أفريقيا من الأحادية الأميركية، وهو ينتفع منها في دفع الخطرين التركي والقطري (ايّ الاخوان المسلمين وهم أعداؤه التاريخيين)، وكذلك يزيد من أوراقه الأفريقية في معركته مع اثيوبيا بخصوص سدّ النهضة…!
لكن المهم يبقى هو ما يقوم به قيس سعيّد بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية الجزائرية التي هي بدورها تعمل بجدّ واجتهاد للإفلات من حبائل الغربيين وعملائهم الإقليميين الذين ما انفكوا يحاولون الإمساك برقبة الجزائر وإدخالها عنوة في الدور الباطل «للربيع العربي» المقيت…!
الموقف التاريخي والمبدئي للقيادة الجزائرية تجاه فلسطين، وقضايا العروبة التي لا تقبل التأويل والتفسير لديها وموقفها الثابت من عدم الانزياح من الشرق الى الغرب في الاصطفافات العالمية هو ما يجمع الآن بين القيادتين التونسية والجزائرية، ويمنحهما الزخم اللازم لعبور هذه المرحلة الانتقالية التي يمرّ بها الشطر الأفريقي من الوطن العربي وهو يقاوم باللحم العاري قوى التسلط والعدوان الأميركي ومخالب الناتو العثمانية والبترودولارية الخليجية التي بثبات الجزائر وتونس ستتلقى ضربة قاصمة في ليبيا أيضاً في القريب العاجل، ما يجعل نفوذ هذه القوى الآفلة محاصرة في دولة شعب المغرب المظلوم تاريخياً، شعب المهدي بن بركة الذي إذا ما تدافعت الأمور بالشكل الذي يريده محور مقاومة الصهيونية، فإنه سينتفض قريباً ليغيّر وجه المنطقة كلها…!
خطوة تونس التغييرية إذن وطبقاً للمصادر الآنفة الذكر ليست خطوة منفردة، أو انفعالية مؤقتة بقدر ما هي حراك واع آن أوانه لتصحيح ما تمّ تخريبه طوال السنوات الماضية باسم الشعوب وربيعهم، الذي سيكون هذه المرة عربي حقيقي، وليس مزعوماً…!
لا عروبة من دون مقارعة التطبيع والدفاع عن فلسطين،
ولا عروبة من دون التحالف مع بلاد الشام والرافدين واليمن المنصور بالله، وإيران الثورة على الأحادية الأميركية..!
وجبل طارق مهما طال الزمن وحاولت قوى النفوذ البترودولاري الخليجية استغلال حاجة دوله الفقيرة في الموارد في الظاهر سينضمّ قريباً لمحور باب المندب وهرمز، بقليل من الحزم والصبر والمثابرة، وتوظيف تحوّلات الاقليم المتسارعة باتجاه اعادة تنظيم صفوف المناضلين كلّ المناضلين في الوطن العربي، من اجل فلسطين أمّ القضايا وأمّ المعارك وأمّ العدالة وأم الحرية والديمقراطية الحقيقية.
بعدنا طيّبين قولوا الله…