من حفر حفرة لشعبه سيقع في شر أعماله
} علي بدر الدين
لم يعد مفيداً ولا مقنعاً ولا مقبولاً الاستمرار في التلطي خلف الأوهام والوعود الكاذبة، وقرارات السلطة السياسية والمالية الحاكمة العشوائية والنفعية، لأنها أثبتت بالدليل القاطع، السياسي والطائفي والمذهبي والميداني، أنها من دون أية صدقية أو فائدة مرجوّة ولا يمكن التعويل أو الرهان عليها حاضراً ومستقبلاً، حيث يزداد الانزلاق انحداراً وسرعة، وتتفاقم الأزمات، وتتالى الانهيارات على كلّ المستويات، وتتدحرج كرة النار الفتنة وتكبر وتتمدّد وتجرف بطريقها كلّ التراكمات الغرائزية الطائفية والمذهبية، والأحقاد الدفينة التي من شأنها ان تخرج الإرهابيين والتكفيرين من أوكارهم، وتوقظ الخلايا النائمة من جحورها، لتنشر الإرهاب والرعب في كلّ مكان، وتنفذ أجنداتها ومشاريعها تحت شعارات الثأر والانتقام للهزائم التي لحقت بها وأخرجتها من المعادلة التي أرادت فرض نفسها فيها.
إنّ المشهد السياسي العام والأمني الفتنوي المستجدّ، الذي تمثل أولاً باغتيال المواطن علي شبلي، وما تلاه من استهداف لموكب تشييعه، من خلال كمين معدّ سلفاً ومحضر عن سابق إصرار وتصميم، وهادف لاستجرار قوى سياسية معيّنة إلى الردّ بالمثل من أجل إشعال نار الفتنة المذهبية، الذي لو حصل فإنه لا يبقي ولا يذر، وسيأخذ البلاد والعباد إلى ما لا يحمد عقباه، وقد لا يقدر أحد على وقف تداعياته وعواقبه الخطيرة جداً، خاصة أنّ لا وجود لسلطة مركزية قوية، ولا لدولة ومؤسسات قادرة وفاعلة، وهي في الأساس ضعيفة ومتهالكة ومفككة، وفي ظلّ قوى سياسية فاسدة تتصارع على المصالح والتحاصص، وتتناتش على المواقع السلطوية والحقائب الوزارية لما يُسمّى منها زوراً السيادية والخدماتية، وكأنها ملكية حصرية لها، ولا علاقة للبنانيين فيها مع أنها في الأصل وُجدت لأجلهم وفي خدمتهم، وليس في خدمة قوى وقبائل وعشائر وطوائف ومذاهب وزعماء وأمراء حروب وصفقات وفساد.
الأنكى في كلّ يحصل، ورغم الرعب المتفشي في البلاد وبين العباد، وحالات الفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال الذي يئنّ من أثقالها وأعبائها وضغوطها الشعب المسكين، التي تعجز الجبال عن حملها بسبب غياب المعالجات والحلول من المسؤولين ومن القوى والجهات السياسية المعنية أو معظمها على الأقلّ، التي احتكرت السلطة ومقدرات الوطن والدولة والشعب والمؤسسات بقوة النفوذ والاستبداد، ولا همّ عندها سوى مصالحها وحصصها، وهي الشاهدة على دخول الفتنة القاتلة والمدمّرة مجدّداً من بوابة جريمتي خلدة.
الآمال كانت متجهة صوب لقاء الرئيسين الرابع في قصر بعبدا، وأن تكون أحداث خلدة وتداعياتها الخطيرة، وصور الشهداء والجرحى، والانفلات الأمني وانتشار المسلحين على الأسطح وفي الشوارع، وإرهاب الناس، وخوفهم من الآتي، على طاولة اللقاء، علها تشكل دافعاً فوق العادة، لكي يتخذ الرئيسان قراراً شجاعاً في مرحلة استثنائية، ويخرجا باتفاق مبرم على تأليف الحكومة بعيداً عن التحاصص والشروط وحسابات الداخل والخارج ربما يحدث صدمة إيجابية لطالما انتظرها اللبنانيون على قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات». لكن اللقاء المنتظر أحدث صدمة أكثر من سلبية وأنتج خيبة أمل جديدة وأطاح بكلّ التوقعات وأكد للبنانبين مرة جديدة، أن لا أمل ولا رهان على هذه السلطة الحاكمة، وصحّ فيها القول «فالج لا تعالج».
الاسوأ في اللقاء الذي عُقد على وقع أحداث خلدة وفقر الشعب وجوعه، وعلى تقرير منظمة حقوق الإنسان المرعب بأرقامه وتوقعاته، أنه لم يتجاوز النصف ساعة، نصفها تاه بالترحيب والسؤال عن الصحة والأحوال العامة والخاصة والشخصية، وما تبقى من وقت قليل عرّج على الحكومة التي لن تؤلف، لأن لا تغيير في الشروط والحصص، ومواصلة شدّ الحبال حول حقيبتي الداخلية والعدل، وفضح التصريح المقتضب للرئيس المكلف المستور المعلوم، وإلى أين ستتجه الأمور، وما هو المتوقع الذي قد يميل الى كفة الاعتذار والله أعلم…
ما أشبه ما حصل بمثل الشقيقين الثري والفقير الأعمى، وقد أراد الثري التخلص من شقيقه الفقير، الذي اعتقد أنّ لا قيمة لوجوده حياً، ويجلب له العار، فطلب من رجاله حفر جورة له ليقع فيها وطمره تحت التراب، ولكنه هو الذي وقع فيها في ليلة معتمة كالليالي المعتمة التي يعيشها الشعب، وفور وقوعه واعتقاد الرجال أنه الفقير الأعمى، فأسرعوا وطمروا عليه التراب، من هنا جاء المثل، من «حفر حفرة لأخيه وقع فيها»…
حتماً، فإنّ هذه السلطة او المنظومة التي تحفر الجور لإيقاع الشعب فيها والتخلص منه، ستكون مصيدة لها وتقع فيها ويتخلص الشعب منها، وقد اقترب موعد وقوعها من دون رجعة، اللهم آمين.