كيف يدافع اللبنانيون عن بلدهم؟
} د. وفيق إبراهيم
هذه مرحلة يتعرّض فيها لبنان لمخاطر تبدو أساسية على مستويين اثنين: الكيان السياسي والصراع الداخلي، ويبدو العدو هنا ملتحقاً بلباس من أربع تحالفات: فرنسا وأميركا كقوى دولية و»إسرائيل» كقوة إقليمية معادية بشكل دائم، وقوى داخلية لبنانية تستعمل الولاء للخارج وسيلة للتغيير الداخلي.
فهذه المحاور الاربعة تأتلف في الصراعات الداخلية اللبنانية لتتشارك في هجمات متنوعة على قوى لبنانية داخلية، ففي السبعينات إئتلفت الكتائب والقوات مع «الإسرائيليين» لشن هجوم على القوات الوطنية اللبنانية، كذلك فإنّ إنزالاً أميركياً في جونيه حاول الاشتباك مع القوات الوطنية اللبنانية في الحرب الداخلية في 1958.
لذلك بالإمكان الاستنتاج انّ الكتائب والقوات وما تفرّع عنهما من مستقبل وأحزاب أخرى يعتبرون حزب الله وامل وكل القوى اللبنانية الأخرى إنما هي قوى معادية بالإمكان الاستعانة بـ «إسرائيل» والقوى الغربية للقضاء عليها.
لذلك فإنّ هناك خلافاً داخلياً لبنانياً عميقاً على تحديد هوية عدو لبنان هلّ هو «إسرائيل» أم حزب الله وسورية أخذاً بعين الاعتبار البعد الجغرافي لإيران عن مسرح القتال.
الحقيقة انّ هذا النمط من الأحزاب الداخلية يرى في حزب الله وسورية العدو الأساس الذي يجب القضاء عليه للسيطرة على لبنان، كما أنه يجب طرد ايران من اي إطلالة على العرب واليمن، وخصوصاً الفئة الحوثية التي تسيطر على الشمال.
يتبيّن بذلك انّ المعركة اللبنانية هي جزء من معركة عربية كبيرة تربط الجزيرة ببلاد الشام والعراق، ولا يمكن لأحد أن ينتصر فيها إلا إذا انتصر على الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن وحزب الله وحلفائه في سورية ولبنان.
لذلك المعركة تشمل هذه المنطقة وهي كبرى لأنّ الانتصار فيها يتطلب تضافر كامل القوى التي يرعاها الأميركيون و»الإسرائيليون».
بالإمكان اذاً تقسيم المعارك الدائرة على مسارح القتال كالتالي :
أولاً المعركة اللبنانية وتبدو فيها القوى المحلية لهذه المعركة مستعدة للذهاب بعيداً، فحزب الله لن يتنازل عن شبر واحد من معارك يشعر فيها انه منتصر ويعتبر أنّ الحلف الإيراني السوري مستعدّ أن يذهب بعيداً في دعمه حتى في معارك ذات مستوى تسجل إرباكاً كبيراً للأميركيين والسعوديين وقوى الداخل اللبناني، لذلك فإنّ القوى اللبنانية الموالية لـ «إسرائيل» والأميركيين والسعوديين يذهبون بعيداً في إسناد الحلف السعودي – «الإسرائيلي» – الأميركي.
ثانياً المعركة السورية لا تقلّ أهمية، وتلعب فيها قوى كردية وسورية إرهابية وأميركية وأوروبية غربية دوراً في قتال مفتوح للسيطرة على شرق الفرات.
ثالثاً معركة العراق، وهي الجزء الرابط بينه وبين شرق الفرات ويعوّل عليه الأميركيون كثيراً للاستمرار بالإمساك بالمنطقة من بغداد حتى الحدود السورية وشرقي الفرات، بذلك يرى الأميركيون انّ هذه المعارك هي التي توفر استمراراً للدور الأميركي الكبير في منطقة الشرق الأوسط وتسجل تفوّقاً على الدور الروسي.
ثالثاً معركة اليمن وهي أمّ المعارك التي يرى جميع الناقدين انّ استمرار الانتصار اليمني في الشمال حتى آخر محافظة البيضاء يعني انتصاراً على النفوذ السعودي في جزيرة العرب وتراجعاً لآل سعود في نفوذهم الملكي وتراجعاً لمحمد بن سعود في محاولاته الإمساك بالمنطقة.
هذه هي المعارك الأساسية التي يرى الأميركيون أنّ خسارتها لا تعني إلا رحيلهم من شبه الجزيرة الى أماكن أبعد بكثير، فسقوط الجزيرة يعني سقوط المعركة الروسية – الأميركية على أضخم مكامن غاز، لذلك لن يقبل الأميركيون بتمرير ايّ انتصار على آل سعود وزايد وثاني لأنهم يسمحون بذلك بتقديم عصر الغاز على طبق من فضة للروس وربما للصينيين أيضاً.
لجهة لبنان فإنّ موقعه وعلاقات قواه بالخارج تشدد على ضرورة بناء علاقات مع الخارج يبتدئ من سورية وصولاً الى إيران ويمكن ان يبني تحالفات مع روسيا والصين يستفيد منها على مستوى الطاقة الغازية والاقتصاد لكنه لن يفعل ذلك إلا إذا رأى الانظمة الغربية تتهاوى ولاحظت احزاب القوات والمستقبل ان شرق الفرات أصبح موضوعاً شائكاً يربك سورية ويعرقل عودة النازحين إليها ويجعلها تخسر الغاز التابع لها في الشرق. لذلك فإنّ الطبقة السياسية اللبنانية أمام مرحلة مصيرية تتطلب منها ان ترعى علاقات للبنان تقوم على تحالفات مع سورية على أسس ثلاث تحالفات سياسية واقتصادية ومصادر الطاقة، وهذه صعبة عندما يقرر اللبنانيون ان سورية ولبنان بلد واحد بعمق تاريخي.