البنزين والمازوت والأدوية في الطريق
مع الكلام المنسوب للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في سياق التحضير لخطب مناسبة عاشوراء وما تضمّنه عن عزم على جلب المازوت والبنزين والدواء من إيران الى لبنان يعكس حقيقتين، الأولى انّ الآمال بسرعة ولادة حكومة جديدة تتراجع، بعدما ربط حزب الله بلسان السيد نصرالله إجراءات الحزب العملية باليأس من تحمّل الدولة لمسؤولياتها، وبوابة هذه المسؤوليات هي الحكومة، والثانية انّ بين جميع القوى اللبنانية التي تستثمر سياسياً في الأزمة بتعبئة طائفية بحسابات انتخابية دون ان تقدّم لا رؤية للحلول ولا أن تلتزم بخطوات عملية تخفف من وطأة الأزمات، يخرج الفصيل الرئيسي في حركات المقاومة الذي يمثله حزب الله، ليثبت انّ خيار المقاومة ليس طريقاً لمواجهة العدوان والدفاع عن الاستقلال، بل هو أيضاً الخيار الأكثر جدية في الالتفات لهموم الناس والسعي لمواجهتها.
خلال سنوات ماضية عرفت المقاومة مرحلة أولى كانت تنأى فيها خلالها عن مقاربة الملفات السياسية، ومسألة إدارة الحكم والسياسات، وترمي ثقلها لحصرية موقعها في مواجهة خطر الاحتلال والعدوان، وبقيت على هذه الحال حتى حرب تموز 2006، ولو لم تفعل ذلك لما تحقق التحرير عام 2000 ولا النصر في 2006، لكن المقاومة منذ ذلك التاريخ وهي جزء عضوي في المشهد السياسي اللبناني، خصوصا بعد خروج القوات السورية من لبنان، وقد شكلت منذ ذلك التاريخ محوراً مركزياً لتحالفات عابرة للطوائف نجحت في إجهاض المشاريع السياسية التي دبّرت لنقل لبنان بقعل الفراغ الناجم عن عودة القوات السورية الى بلادها بداية، والحرب التي استنزفت سورية لاحقاً، وبينهما المناخات الناجمة عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي تمّ توظيفها لفرض المشروع الغربي الخليجي على لبنان، ويخطئ من يقيس الأمور بقياس السؤال هل نجحت المقاومة ببناء النظام الجديد أم لا، بينما السؤال هو هل نجحت المقاومة بصد المشروع الغربي الخليجي لبناء سلطة تابعة في لبنان أم لا؟
بنتيجة الفشل الغربي الخليجي، وصمود المقاومة وتحالفاتها، وتهيّب خصومها المحليين تلبية الطلبات الانتحارية للغرب والخليج، قرّر الغرب والخليج قلب الطاولة على رؤوس اللبنانيين جميعاً حلفاء وخصوم، أملا بالنيل من المقاومة، ومن لبنان، وشكل الحصار المالي وحرمان اللبنانيين من أبسط مقومات العيش الطريق لتأليب اللبنانيين على مقاومتهم، والمرحلة التي تستعدّ المقاومة لدخولها هي التصدي لمهمة عنوانها إحباط حرب التجويع، وفي هذه اللحظة المفصلية على الغرب والخليج الاختيار بين مواصلة الضغط وفتح الباب لتحوّلات ستقودها المقاومة نحو تغييرات هيكلية اقتصادياً، تضع الغرب والخليج خارج لبنان سياسياً، وتوفير مقومات صمود اقتصادي واجتماعي، او التراجع عن الحصار منعاً لوقوع لبنان في حضن الخيار المقاوم بدلاً من وقوعه على رأسها كما كان مدبّراً.
هذه نقطة بداية المسار الجديد لكنها ليست كلّ المسار فقضية التغيير السياسي والاقتصادي تبدأ بتحويل تحدي الحصار الى فرصة لتعديل التوزان الشعبي حول الخيارات.