مقالات وآراء

مخطئ من ظنّ يوماً أنّ لثعالب المنظومة السياسية ديناً

} علي بدر الدين

تحوّل تأليف الحكومات في لبنان إلى «أحجيات» معقدة يصعب فك طلاسمها وألغازها، ولا يعرف أسرارها سوى الحكام الراسخون في النفاق وإطلاق الوعود الكاذبة والألاعيب السياسية الإحتيالية، الغارقون في بحر الفساد والمحاصصة والنهب المنظم للمال العام والخاص، والممسكون بالمواقع السلطوية وبالقرار وبحق القوة والنفوذ، وبالترهيب والترغيب، المصرّون على إفقار الشعب وتجويعه وإذلاله.

لا عجب ولا غرابة، إن أطاحت عملية تأليف الحكومة لغاية اليوم، بثلاثة مكلفين، قد يكون منهم الرئيس المكلف الحالي نجيب ميقاتي، لأنّ الوقائع والمعطيات والعرقلات المصطنعة، واللجوء إلى مصطلحات التفاؤل والتشاؤم ووصف اللقاءات الرئاسية الثنائية في قصر بعبدا تارة بالإيجابية وتارة أخرى بالسلبية، او «بين بين» وطورا بالتقدم وأحيانا «مكانك راوح» وأن لا جديد، كلها تؤشر إلى الاعتذار عن عدم التأليف اسوة بالذين سبقوه، لأن «هالعجينة من هالطينة» والحال من بعضه، «وما حدا افضل من حدا».

لا سيما أنّ الشروط والمطالب والتحاصص الحقائبي، لا تزال على حالها، كما الإختلاف الدائم المقنع على الثلث المعطل، أضيفت اليها حقيبة المال وإمكانية تبديلها بحقيبة الداخلية، في إطار ما يُحكى عن عدم القبول بالاسم المقترح لتولي حقيبة المال.

ما يحصل في ملف التأليف هو فعلاً «دواخة»، وفي دوامة حماية المصالح واستمرار التحاصص والصراعات العبثية التي لا يمكن أن تنتهي في ظلّ استمرار إمساك الطبقة السياسية والمالية الحاكمة في مفاصل السلطات، والتي آلت على نفسها أن لا تترك السلطة والحكم، إلا بانهيار البلد برمّته وإحراق الشعب بنار جهنم الذي دخلها قسراً أو طوعاً لا فرق، لأنّ هذه الطبقة رغم ما تبديه من تماسك وقوة وسلطة، فإنّ مآلها إلى السقوط، وقد بدأت تتحسّس عن قرب أو بعد، انّ «البساط» بدأ يسحب من تحت أقدامها وإن كان ببطء، كبطء تأليف الحكومة الذي اعلن عنه الرئيس المكلف، على طريقة قصة السلحفاة والأرنب، مع أنّ المقاربة غير واقعية، وهي من نسج خيال مؤلف قصص الأطفال لحثهم على الجهد والصبر والمثابرة، كما أنّ سلحفاة تلك القصة الطفولية، تختلف كثيراً عن قصة سلحفاة حكومة ميقاتي، لأنّ وصولها إلى خط النهاية مكلف جداً، في ظلّ تسارع الانهيارات المتتالية على غير مستوى اقتصادي ومالي واجتماعي ومعيشي وخدماتي وأخلاقي ووطني.

المشكلة الأساس تكمن في فشل التأليف، وفي أن لا أحد من هذه المنظومة السياسية الجائرة، يصدق مع شعبه ويكاشفه بالحقيقة، ويسمّي الأشياء بأسمائها، ومن هو المعرقل الفعلي، وما هي العقد التي تحول دون الوصول إلى الخاتمة السعيدة.

لماذا لا يخرج من هذه المنظومة الوقحة والمتعجرفة والمستبدة رجل شجاع، شرب حليب «السباع» وصاحب نخوة وضمير يغار على مصلحة الوطن والمواطن؟ الإجابة واضحة لأنّ معظمها متورّط ومتهم ومتواطئ وشريك مضارب او متفاهم وجميع بيوتهم ومصالحهم الخاصة مصنوعة من زجاج، ولأنّ شظاياها ستطالهم حتماً، هذا يعني بكل المقاييس والمعايير، أن لا أحد فوق رأسه خيمة ولا يجرؤ على كشف الأسرار ولا حلّ الألغاز، الى ان «يقضي الله أمراً كان مفعولاً وينقلب السحر على الساحر المتخفي، ويقع في أخطائه وشرّ أعماله وبدأت تباشير هذا الوقوع الذي بات قريباً وحتمياً.

على ضوء ما يحصل على صعيد تأليف الحكومة المكشوف منه والمستور والمضلل، لا يتوقعن أحد انّ الحكومة ستولد، من رحم هذه المنظومة لأنه فاسد وملوّث، وإن كتب لمولود الحكومة أن يبصر النور سيكون مشوّهاً وقاصراً وعاجزاً وفاشلاً وفاسداً كالذين أخرجوه بعملية قيصرية قبل أن يكتمل نموّه، لإلهاء الشعب وشراء الوقت، وخداع الداخل والخارج.

في ظلّ هذا الواقع المعتم جداً لا شيء سيتغيّر، لا الآن ولا في الغد ولا بعده، ولا فائدة مرجوة من اللقاءات بين الرئيسين مهما بلغ عددها، ولا من المجتمع الدولي الذي لا يقدّم سوى مساعدات إغاثية خجولة وحصرية من فوق الطاولة ومن تحتها يدعم الطبقة السياسية الحاكمة ويراهن عليها، ويفاوضها ويفوّضها لغاية يدركها جيدا، ولا ضغط الشعب المعدوم أساساً سيحرك المياه الراكدة، وهو الذي ارتضى «بعيشة» الذل والهوان والحرمان والسكوت على ما حلّ به من كوارث وفقر ومجاعة على قاعدة «دق المي مي». ربما سيكون الرهان عليه في الانتخابات النيابية الموعودة، إذا ما حصلت في موعدها، مع أنّ الأمل مفقود منه، ما دام خائفاً وخانعاً ومطواعاً لمن يعتقدهم «أولياء نعمته وتاج رأسه، وإذا لم يحسن في خياراته الانتخابية ويحدث فرقاً وخرقاً، يكون هو المتهم الأول وعليه وحده تحمّل العواقب والتداعيات ويستحق الرجم، ولا يحق له بعدها النق وطلب الرجاء والمساعدة والرأفة والرحمة ممن يفقد هذه الفضائل، و «فاقد الشيء لا يعطيه».

ينطبق على المنظومة السياسية، ما قاله الشاعر أحمد شوقي في قصيدته الثعلب والديك :

برز الثعلب يوماً في شعار الواعظينا، فمشى في الأرض يهذي ويسب الماكرينا، مخطئ من ظن يوماً أنّ للثعلب دينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى