جريمة المرفأ حدث تاريخي لن يمرّ عليه الزمن…
بشارة مرهج _
الانفجار (أو التفجير) الهائل الذي أحرق مرفأ بيروت ودكّ العاصمة وأصاب بأضراره الجسيمة لبنان وكلّ بيت لبناني لا يجوز السكوت عليه أو اعتباره حدثاً عابراً تضمحلّ مفاعيله بمرور الوقت، وإنما يجب اعتباره نقطة فاصلة في حياة الدولة اللبنانية ومنطلقاً لنهوض القضاء وإحياء الإدارات والمؤسسات التي قتلها الروتين والإهمال والفساد. أما الآن وبوجود سلطات كسولة فاسدة تسعى لطمس الحقيقة فلن يعود المرفأ “التاريخي” الى العمل بكامل طاقته قبل وقت طويل.
ومعنى ذلك، بالمباشر، أنّ عملية تهميش لبنان ستأخذ مداها حتى ينهض فريق نهضوي ديمقراطي تغييري يتولى شؤون الدولة فيملأ الفراغ الكبير ويُسقط الحصار الظالم المضروب على البلاد، ويتصدّى للفساد والانتهازيين والوصوليين الذين أتخموا إدارات الدولة ومؤسساتها وشركاتها بأنصارهم وخانوها بتصرفاتهم الوحشية البدائية التي أذلت المواطنين وضربت سمعة لبنان في الصميم على مستوى العالم كله، خاصة أنها ترافقت مع فضيحة العصر التي هندستها المنظومة المصرفية بمشاركة البنك المركزي وحاكميته التي ملأت الدنيا وعوداً كاذبة وإعلانات ملتبسة وجوائز سطحية بعد أن أفرغت جيوب اللبنانيين ونهبت أموال المودعين بمن فيهم المغتربون والعرب والأجانب.
أننا إذ نطالب باحترام دم الشهداء الأبرار والجرحى المظلومين والكفّ عن محاولات الاحتواء والمصادرة، وإذ نطالب باحترام العدالة واستقلالية القضاء وصولاً الى الاقتصاص من المجرمين الذين اغتالوا زهرة شباب لبنان وتسبّبوا بجرح الآلاف وتهديم العاصمة، ندعو المعنيين الى وقف تدخلهم السافر في التحقيق أو استباقه أو عرقلته تحت عناوين مختلفة.
وفي الوقت الذي نشارك فيه كلّ العائلات اللبنانية حزنها وأساها على هذا الحدث الجلل الذي هزّ لبنان والكرة الأرضية، ونحيي أرواح الشهداء، وندعو وزارة الصحة الى دعم كلّ الجرحى، نطالب الهيئات الدولية والعربية واللبنانية الإسراع في إعادة بناء المرفأ والسعي لتعويض المتضرّرين بشكل جدي ومباشر بدلاً من تركهم نهباً للقهر والإهمال ودفعهم لليأس والهجرة.
انّ الإسراع في عملية بناء المرفأ وإعادة تأهيل المطار والمراكز الحدودية وفرض راية القانون اللبناني عليها كلها أمور لم يعد من المقبول تأجيلها أو المماطلة فيها في ظلّ تكشير بعض أطراف المجتمع الدولي عن أنيابه وإبداء رغبته في وضع لبنان تحت الوصاية الخارجية انطلاقاً من مديونيته الهائلة وعجز مؤسساته عن الاضطلاع بمسؤولياتها.
انّ المأزق الاقتصادي الذي يعيشه لبنان اليوم بسبب جشع الطبقة الحاكمة واتكاليتها لا يجوز ان يكون بأي حال من الأحوال مدخلاً للتفريط بالسيادة والاستقلال اللذين حققهما لبنان بنضاله ووحدته الوطنية ومساعدة أشقائه العرب عام 1943. أما الذين يستسهلون الوصاية الأجنبية ويعلقون عليها الآمال فنذكرهم بأنّ أيّ طرف من أطراف هذه الوصاية المفترضة قد تخلى عن هدفي التطبيع والتوطين وتحويل لبنان الى كيان هزيل عاجز عن صدّ الرياح العاتية التي تتهدّد وجوده ودوره ورمزيته في منطقة مضطربة تبحث عن حقيقتها وإرادتها بوجه كيان استيطاني عدواني توسعي، مدعوم من الغرب، لم يخف رغبته يوماً في تأبيد تفوّقه على العرب جميعاً وإنشاء الدولة اليهودية الخالصة على أرض فلسطين بعد تشريد ما تبقى من أهلها في تلك الديار المقدّسة التي نحنُ إليها كلّ يوم.